آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » حماة المنسية: المدينة التي تنام على نهر وتستيقظ على ذاكرة

حماة المنسية: المدينة التي تنام على نهر وتستيقظ على ذاكرة

 

المهندس نضال رشيد بكور

في كل جغرافيا ، هناك مدن تُخلق لتُنسى ، وأخرى تُنسى لأنها لم تُخلق لتُستثمر …
حماة المدينة القابعة منذ قرون على ضفاف العاصي لا تنتمي إلى أيٍّ من هذين المصيرين
إنها المدينة التي لم تُخلق لتُنسى ، لكنها أُجبرت على العيش في هامش الذاكرة الوطنية ، بين النسيان المتعمد وغياب العدالة التنموية.
في حماة يمتزج الماء بالتاريخ كما تمتزج النواعير بأصوات الجدات في الحارات القديمة ينسجن الحكايات عن بطولات رجال لم تذكرهم كتب السلطة ، وعن نساء صنعن من الألم أملاً مضمراً في أجيال جديدة
حماة لم تكن يوماً مجرد مدينة
بل سردية حيّة لمقاومة لا تعرف الهدنة ، وصوتاً اختار أن يكون حُراً حتى وإن خُنق …
لكن ؟؟؟ كيف لمدينة بهذا الرصيد من الوعي والتجربة أن تبقى رهينة البنى التحتية المهترئة وخرائط التنمية المفرغة من البوصلة؟
ما الذي يجعل الحجارة أسبق من الإنسان في أولويات الترميم؟ كيف تتحول القلاع إلى
فرص استثمار سياحي
بينما الجامعات لا تزال تبحث عن أقسام علمية جديدة والمستشفيات عن أجهزة ، والشباب عن أفق؟
الجواب ربما ليس في سوء الإدارة فقط
بل في فلسفة كاملة ترفض الاعتراف بالمدن التي لا تُجيد التصفيق
أو تلك التي خرجت من عباءة الصمت في لحظة وعي
حماة لا تُعاقب فقط بالإهمال
بل تُقصى لأنها تذكّر بما لا يُراد تذكّره:
أن الشعب يمكن أن يقول “لا” أن المدينة يمكن أن تصرخ حتى لو كان الثمن دماراً فيزيائياً واجتماعياً ونفسياً.
ورغم كل هذا لم تنكسر …
ما زال في نواعيرها دوران يشبه الإصرار ، وفي شوارعها أثر لخطى لم تُمحَ ، وفي ناسها رغبة في التغيير تتكئ على ذاكرة طويلة من الوجع والفخر .. وإذا كان الماضي عبئاً عند البعض فهو في حماة خزان للمعنى ، وقاعدة انطلاق لا ركاماً من الحنين.
ما تحتاجه حماة اليوم ليس عطايا من يد مركزية ، ولا مشاريع تجميلية تلوّح بها السلطة كأنها أفضال
ما تحتاجه هو عدالة تنموية تعترف بحقها في الحضور ومشروع وطني يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمدن
لا على أساس الولاء
بل على أساس الكفاءة والكرامة.
ليس المطلوب أن تُمنح حماة مكانة فوق المدن الأخرى
بل أن يُعاد إليها ما سُلب منها: احترام وجودها وإنصاف ماضيها ، وفتح الباب أمام مستقبلها. فمدينةٌ كهذه لا تليق بها الأدوار الثانوية ، ولا تناسبها عبارات الشكر على صبرها الطويل
حماة ، ببساطة ، لا تُكافأ… بل تُعاد إلى موقعها الطبيعي كجزء لا يتجزأ من نهوض وطني شامل.
لمن أراد أن يبني سوريا الجديدة ، فلتكن البداية من المدن المنسية قسراً ، لا المدن المحظوظة صدفةً. ولتكن حماة هي الامتحان الأول ، لا لأن فيها جرحاً مفتوحاً فقط
بل لأن فيها قلباً لا يزال ينبض بالإرادة رغم كل ما خذله …
(موقع أخبار سوريا الوطن-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

من صنع النبيذ ليس من يشربه

  سمير حماد حركات التغيير على مدى التاريخ هي ابنة المثقف والمبدع , المثقّف الذي أفنى قلمه وبذل ماء الكلام وعرقه, وهو يحثّ على الحرية ...