“حماس” أجرت “مراجعة سياسية”، وباتت ترى أن “بالإمكان أن يكون هناك أفق لمسار سياسي يفضي لإقامة دولة فلسطينية”.
عاد البحث داخل أروقة “حماس” إلى طرح قديم – جديد يتحدّث عن هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل تمتد لأكثر من عشر سنوات، كان قد تطرّق إليه قادتها التاريخيون في مراحل سابقة، على رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، عبدالعزيز الرنتيسي، وخالد مشعل، وذلك إفساحاً للحلول السياسية، كون الحلول العسكرية لم تقدّم نتائج إيجابية لجهة إقامة دولة فلسطينية وإضعاف إسرائيل، وواقع غزّة اليوم مثال على ذلك.
لم تطرح “حماس” هذا المقترح بشكل رسمي بعد، لكن تقارير أشارت إلى احتمال قبول الحركة بهدنة طويلة الأمد تقدّم من خلالها ضمانات بأن لا تهاجم إسرائيل طيلة الفترة، وتفاوض خلالها المجتمع الدولي للضغط بهدف تأسيس دولة فلسطينية، إلّا أن الكرة في الملعب الإسرائيلي ومدى قبوله بهذا النوع من الاتفاقات مع “حماس”، كون الاتجاه الغالب هو الحلول العسكرية لا السياسية في تل أبيب.
الباحث والكاتب السياسي مراد حرفوش يتحدّث لـ”النهار” عن انفتاح “حمساوي” على هدنة تمتد لـ10 سنوات أو أكثر، كاشفاً عن حوارات داخل الحركة في هذا الخصوص استجدت بعد إجراء تقييم داخلي، لكنه يربط هذا الطرح بـ”إطار سياسي تريد حماس العمل وفقه لتأسيس دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، وليس ظروفها الموضعية الحالية بعد الحرب”.

هذا الطرح القديم – الجديد يشكّل بجوهره نقيضاً لفكرة العمل المسلّح التي قامت عليها “حماس”، الحركة التي انتقدت منظمة التحرير الفلسطينية على سلوك المسارات السياسية بدل العسكرية وطرحت نفسها كخيار مسلّح بديل عن السلطة الفلسطينية، لكن القيادي موسى أبو مرزوق قال في وقت سابق إن “لا غبار على مفاوضة الاحتلال، فكما تفاوضه بالسلاح تفاوضه بالكلام”.
وبتقدير حرفوش، فإن “حماس” أجرت “مراجعة سياسية”، وباتت ترى أن “بالإمكان أن يكون هناك أفق لمسار سياسي يفضي لإقامة دولة فلسطينية”، وهو متغيّر بموقف الحركة منذ انطلاقتها، و”بعدما كانت ترى أن العمل العسكري هو السبيل الوحيد لمواجهة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية، صارت تطرح أفكاراً سياسية”، لكن هذا الواقع لا يعني انفتاحها على تسليم سلاحها أو تغييبها عن المشهد السياسي، وبرأي حرفوش، هذه الأفكار “غير مطروحة”.
وعلى هامش المسار السياسي الذي قد تريد “حماس” انتهاجه، يتحدث حرفوش أيضاً عن بدء عملية تفكير داخل الحركة بشأن العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية واحتمال الانضواء داخلها.
لكن كرة الهدنة الطويلة الأمد في الملعب الإسرائيلي أيضاً، إلّا أن تل بيب تسير في اتجاهات مختلفة تماماً، وقد نسفت هدنة قصيرة المدى قبل أيام قليلة وعادت إلى الحرب لأنها تعمل وفق مبدأ “تحقيق السلام من خلال الحرب”، والنزعات اليمينية المتطرفة في القيادة الإسرائيلية لا تبدو منفتحة على حلول سياسية مع “حماس”. وبدوره، يستبعد حرفوش أيضاً تفكير إسرائيل بهدنة طويلة أو مسار تفاوضي، لأن تركيبة الحكومة اليمينية “تؤمن بأسلوب الضغط العسكري لتصفية القضية الفلسطينية”.
في المحصّلة، فإن ظروف “حماس” تبدّلت بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 وتلقيها ضربات عسكرية قوية جداً وغير مسبوقة، وبعد الضربات التي تلقاها محورها، إيران و”حزب الله”، وانكفائه جزئياً عن دعمها بشكل فاعل ومدّها بالمال والسلاح. كلها متغيرات فرضت على الحركة الفلسطينية انتهاج مسارات جديدة بطابع سياسي، لكن إسرائيل في موقع آخر مختلف، تسعى لترسيخ معادلات جديدة بفائض قوتها.
اخبار سورية الوطن 2_النهار اللبنانية