آخر الأخبار
الرئيسية » تربية أخلاقية وأفعال خيرية » حول شعار “قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد” 

حول شعار “قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد” 

 

عبد الله علي

 

من الآيات القرآنية التي تكاد تتماهي فيها الحدود وتتداخل الرؤى الإيمانية، قوله تعالى: “ومن يطع الرسول فقد أطاع الله”. وكان الرسول يقول “من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني فقد أحب الله” ما دفع البعض لاتّهامه بأنه يريد من الناس أن يتخذوه إلهاً. وللردّ على هؤلاء أنزلت الآية السابقة وهي تكاد تكون من الناحية اللفظية مشابهة للحديث المرويّ عن الرسول.

وبينما يذهب الصوفيّون والسالكون مدارج العرفان بكل فرقهم ومنها الباطنية، إلى تأويل هذه الآية تأويلات لاهوتية، نرى أن تيارات الإسلام السياسي والسلفي والجهادي، صاغت منها أحد أهم شعاراتها وهو “قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد”. وقد تحمل كلمة “الأبد” الواردة في الشعار إيحاءات لاهوتية خفيّة أو ربما غير مقصودة، لكنها ليست في نطاق حديثنا.

“قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد” ماذا يعني؟

اختلفت تأويلات وتفسيرات الإسلاميين لهذا الشعار ومضمونه وحدوده وكيفية تطبيقه، لكنهم اتفقوا عليه عاطفياً ووجدانياً لأنه جمعهم حول رمزيّة واحدة لها من القدسية في وجدان المسلمين كافة ما لها. وتباينت الآراء بين “الوطنية” و “العالمية” و”الديمقراطية” و”الخلافة” فكل فريق إسلامي حمّل الشعار ما يشاء من مضامين ومعانٍ.

لكنّ مفهوم الشعار الأوليّ هو تحويل الرمز الديني ممثلاً بالرسول محمد إلى قائد. وهنا تكمن إشكاليته لدى البعض لأنه ” شتّان ما بين الرمز والقائد، فالرمز وجود قائم على المعنى، والرمز يمكن أن يُستدعى من العصر الغابر أو الحاضر، أما القائد فلا يقوم إلا على الحضور والفعل والمباشرة، وقد قال ميكيافيلّي إنّ من أهم صفات الأمير/ القائد الحضور! أن يكون حاضراً حضوراً مادياً، فيباشر قيادته بنفسه، ويحضر ولادة عنزته” كما قال الباحث والكاتب محمد أمير ناشر النّعم في مقالة له منشورة على موقع تلفزيون سوريا عام 2019 تحت عنوان “سوريا بين شعارين”.

وربما ما لم يقله ناشر النعم هو أن عدم حضور الرسول حضوراً مباشراً للقيام بمهام القيادة ستنشأ عنه حاجة ليتولى شخص ما هذه القيادة باسم الرسول أو نيابة عنه. وحتى إذا كان هناك إنكار أو نفي لفكرة أن هذا الشخص القائد له مكانة الرسول، فإن التطبيق العملي للشعار لن يجعل ثمة فارق بين الأمرين، لأن أوامر القائد وتعليماته هي التي ستنفذ على الأرض، بل سيكون لأقواله دور المرجِّح بين أحاديث الرسول المختلف عليها، فما يعتمده القائد سيكون هو الحديث الصحيح الواجب التنفيذ لأنه يمثل إرادة الرسول التي سوف تتماهي عملياً مع إرادة القائد.

وهذا يقودنا إلى تشبيه شعار “قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد” بالشعار الذي رفعه الخوارج في وجه الإمام عليّ عندما حاجّوه أثناء التحكيم بشعار “لا حكم إلا لله” لتبرير رفضهم التحكيم بينه وبين معاوية.

لا يستطيع أحد من المسلمين أن يعترض على مقولة “لا حكم إلا لله” إلا إذا كان له دراية عليّ بن أبي طالب بخلفياتها وغاياتها وتأثيراتها على الإسلام وتطبيقه.

قال عليّ ردّاً على شعار “لا حكم إلا لله” قولته الشهيرة: كلمة حقّ يراد بها باطل. ثم قال: نعم إنه لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون إنه لا إمرة إلا لله، وأنه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر.

وكذلك قال عليّ ردّاً عليهم عندما اتّهموه بتحكيم الرجال وليس القرآن: “إنا لم نحكّم الرجال وانّما حكمنا القرآن. هذا القرآن إنما هو خط مستور بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان، وانما ينطق عنه الرجال”.

هذا التفريق بين حكم الله من جهة والإمرة من جهة ثانية وأنها يمكن أن تكون “برّة أو فاسقة” هو الزبدة التي ما زلنا نبحث عنها رغم أنها موجودة بين يدينا والتي تغنينا عن خوض الكثير من الصراعات والجدالات السياسية والفكرية والدينية.

وكذلك عدم احتكار القرآن وفهمه فالقرآن طالما ليس له لسان فلا بدّ أن يتكلم عنه الرجال أي يفسّره الرجال بحسب أفهامهم المتباينة والمختلفة، لذلك عندما يتم الاعتراض على تفسير أو فهم أو طريقة تنفيذ لحكم ما، فهذا لا يعني اعتراضاً على القرآن وإنما على الرجل الذي يفسره وينفذه في زمن ما.

فعلى الأرض ليس هناك حكم إلهي ولا قيادة نبوية بعد وفاة الرسول محمد، بل هو حكم بشري ناقص وقاصر مهما تطوّر ومهما تغيرت النظريات التي يقوم عليها. وكلّ من يدعي أنه يفسر الإسلام ويطبقه كما كان يمكن أن يفسره أو يطبقه الرسول محمد لو أنه كان موجوداً بيننا، فهو مدّعي نبوة.

(أخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المركز الثقافي العربي بالعزيزية يحتضن محاضرة عن الإخاء الوطني.. المسلمون والمسيحيون نموذجاً خلال 1400 سنة

نظمت مديرية الثقافة في حلب، مساء أمس ، محاضرة بعنوان “الإخاء الوطني المسلمون و المسيحيون نموذجاً خلال 1400 سنة”، قدمها الباحث الدكتور وليد رضوان على ...