الرئيسية » تحت المجهر » حين مدح الملك عبد الله الثاني السيسي.. وموسم التخلّص من الإخوان المسلمين بين المغرب وتونس والأردن: نقابة معلّمين الأخير بين وصفتيّ القاهرة والرياض وتدابير أبو ظبي.. وصفة للردّة عن مفاعيل الربيع العربي بتوقيت كورونا.. ما علاقة واشنطن وفرنسا واليونان؟.. ومنَ دبّر أخونة النقابة والانقضاض عليها؟ (تحليل سياسي)

حين مدح الملك عبد الله الثاني السيسي.. وموسم التخلّص من الإخوان المسلمين بين المغرب وتونس والأردن: نقابة معلّمين الأخير بين وصفتيّ القاهرة والرياض وتدابير أبو ظبي.. وصفة للردّة عن مفاعيل الربيع العربي بتوقيت كورونا.. ما علاقة واشنطن وفرنسا واليونان؟.. ومنَ دبّر أخونة النقابة والانقضاض عليها؟ (تحليل سياسي)

فرح مرقه:

أسبوعان فصلا بين جملة ملكية قوامها أن عمان تنسّق مواقفها مع مصر والإمارات مستعيدة بذلك حلفاً ثلاثياً قديماً، وقرار محكمة التمييز القاضي بان جماعة الإخوان المسلمين في الأردن منحلة حكماً وانها لا تتمتع بشخصية اعتبارية. لاحقاً يومان فصلا بين استقبال عاهل الأردن ووزير خارجيته لوزير الخارجية المصري سامح شكري ثم زيارة سريعة وخاطفة من الملك عبد الله الثاني لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وحل مجلس نقابة المعلمين لمدة عامين.

حسمت عمان أمورها إذن وبدأت العمل في الداخل على أساس واضح قوامه انها في الحلف الإماراتي المصري، وذلك حلفٌ لا يتهاون مع الجماعة ولا مع المجتمع المدني، لتبدأ عمان مرحلة من التناغم الداخلي مع سياستها الخارجية الظاهرة- مهما حاولت إخفاءها- في الأزمة الليبية وخلافاً لما كانت تقوم به عادةً من تفريق للملفات لنحو عقدٍ من الزمن صَبَغَه الربيع العربي بالكثير من التسويات.

لينقضّ الأردن بذلك على أهم مفاعيل ما بعد الربيع العربي، حيث نقابة المعلمين التي كانت لعقود تخضع لفيتو كبير من النظام حتى عام 2011، و”رقصة تانغو” طويلة مع الاخوان المسلمين فيها الكثير من الجذب والدفع، على إيقاعات خارجية أكثر من تلك الداخلية طوال عقد.

الجماعة الأم- كما باتت تعرف بعد سلسلة انشقاقات طبعت العقد الماضي من التعامل معها- تشعر مؤخراً بأن الدولة الأردنية تجنح بعيداً جداً عن أي “تناغم مزعوم” طبع العلاقة مع القصر في وقت سابق، وفي الوقت الذي طبعت الانشقاقات التي يتهم المسؤولون في الجماعة “جهات رسمية” برعايتها علاقة النظام الأردني بجماعة الإخوان المسلمين، يستذكر المراقبون تغريدة ملك الأردن التي لحقت بفض إضراب المعلمين والتي أشارت بصورة هجينة لـ “أجندات” لن يسمح بتكرارها، ليبدأ عصر أخونة النقابة من المنظور الرسمي تمهيداً لحلها، بوصفة مصرية، تمهيداً للتخلص من الجسمين معاً.

ساعة صفر إخوانية في العالم؟

في سياق الإخوان المسلمين يبدو أن ساعة صفرٍ ما تحين اليوم في العالم العربي، حيث هجمة شرسة داخلية أيضاً في تونس على حزب النهضة والذي يقوده راشد الغنوشي ويمثله في رئاسة البرلمان، وهجمة مماثلة ولكنها اخف وطأة في المغرب على حكومة سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الاخواني في الرباط.

الفروقات مهمة، حيث المغرب يحيا أزمة أصلا مع المحور المذكور انفاً، ما يحدّ حتى اليوم الضرر على حكومة الرباط. في حين الضرر في ملف الإخوان أكثر صخباً في تونس حيث الصراع الخارجي الفرنسي- التركي ينتقل للبرلمان والرئاسة وفي التعامل مع الملف الليبي، ويدفع حزب النهضة ثمن تعنّته مؤخراً أيضاً في العلاقة مع تركيا.

بهذا المعنى، يأتي قرار محكمة التمييز الأردنية والذي تقرؤه النائبة الدكتورة ديمة طهبوب كرسالة سياسية في نقاش عفوي مع “رأي اليوم” ويتفق معها قياديون في الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الجماعة السياسي)، ضمن الرقصة المحلية بين الدولة والإخوان، وبعد سنوات من الفتّ في عضدها بانشقاقات من الداخل.

المهم أن ذلك يأتي في وقت واحد، ما قد يجعل المناخ مهيأ عالمياً لإلحاق جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم عالمي بحزب الله وإخوته على اللوائح الإرهابية العالمية، وهو تحرك تدعمه فرنسا واليونان بقوة وكانت قد المحت اليه واشنطن مرارا في مرات عديدة وذكر البيت الأبيض انه على لائحة مهام الرئيس الأمريكي الجدلي دونالد ترامب منذ ابريل/نيسان العام الماضي.

الأخير كان جزءا من تحرك إقليمي للتهدئة في ليبيا وحيث الدول المذكورة جميعاً ضد تركيا في الملف المذكور، ورغم ان موقف واشنطن لا يزال ابعد عنهم قليلا كونهم مشتركون في تحالفهم مع روسيا، إلا ان تحركاً يستهدف الاخوان كتنظيم غير مستبعد، خصوصا مع استمرار وسائل الاعلام في الغرب في حساب رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج على الاخوان المسلمين، ومع تركيز واضح من شخصية مثل ريتشارد جرينيل السفير السابق لواشنطن في ألمانيا وأحد أهم أضلع إدارة ترامب ورئيس المخابرات الوطنية الامريكية بالإنابة سابقا لبرنامج تلفزيوني مصري حول المثليين، طالب بعده بإدانة التنظيم، ما ينبئ بـ “طبخة أمريكية شارفت على النضوج”.

طبعاً ملف المثليين والتعامل معهم كملفٍّ حقوقي كبير في الغرب قد يكون فعلاً بوابة “إدانة للتنظيم” ولاحقاً الملفات كثيرة التي قد تحظره، وفرنسا تحديدا في مرحلة اعداد لكل هذه الملفات السياسية والدينية، بينما تراقب إسرائيل الملف عن كثب أيضاً.

بكل الأحوال، مرحلة تفكيك التنظيم بدأت بالفعل، ليبدأ لاحقاً العمل على إضعاف أدواته السياسية الحزبية والبرلمانية في الدول آنفة الذكر جميعاً بما فيها تركيا ذاتها التي يستهدفها محور دعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا.

بهذا المعنى يغدو الحكم القضائي ضد الجماعة في الأردن “أقل ما يمكن أن يحصل”، كما وهو الأهم يمكن أن يدفع الجماعة والتي بقيت أصلا في الأردن وحده، للانضواء تحت راية حزب جبهة العمل الإسلامي لتشابه بذلك الحالتين التونسية والمغربية، لتكون الأشهر الأخيرة في عام 2020 مع بداية عام 2021 أشهر حاسمة لوجود الاخوان بصورتهم الحزبية في الدول الثلاث تحديداً، خصوصا والأردن والمغرب يعدان تنازليا لانتخابات برلمانية وتونس قد تُدفع لانتخابات مبكرة بالتزامن.

هل التحرك للمملكة الرابعة؟

في سياق العلاقة بين النظام الأردني والاخوان لا يزال التاريخ ملتبساً، ففي الوقت الذي يؤرخ مثلا فيه الناشط السياسي المقرب من الجماعة والأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية المهندس مروان الفاعوري للمملكة الثالثة حيث عهد والد الملك الحالي الملك الراحل الحسين بن طلال، باعتبارها “عرابة العلاقة الاستراتيجية التي تشمل غفراناً لزلات الطرفين تجاه بعضهما”؛ يؤكد القيادي القوي في الجماعة الشيخ زكي بن ارشيد ان توجهات النظام الأردني اختلفت تجاه الجماعة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وتحديداً منذ احداث جامعة اليرموك والتحالف مع اليسار في البلاد. هنا رواية يصادق عليها رؤساء وزراء وسياسيون شهدوا الفترة المذكورة، وتحدثوا لـ “رأي اليوم” باستفاضة خلال الأيام القليلة الماضية.

بهذا المعنى يعيد بني ارشيد بتصريحه لـ “رأي اليوم” الأمور لنصابها بصورة اكثر واقعية من حيث التأكيد على ان العلاقة الأردنية الرسمية بالاخوان لم تكن استراتيجية ولكنها كانت طوال الوقت مشوبة بالشدّ والجذب. بهذا المعنى، فالاخوان أساس كانوا على علاقة فيها موازنةٌ للرعب طوال العقدين الماضيين.

هنا ورغم إصرار قيادي كبير كرئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي الدكتور عبد المحسن العزام على تذكير “رأي اليوم” بأهمية الجماعة في الوجدان الأردني، وأهميتها السياسية والفكرية خصوصا في فترة يصفها بأنها فترة “تآكل النظام الوظيفي العربي” و” انحسار المد القومي وسقوط الجامعة العربية كأحد عناوين الفشل للعروبة”، إلا ان الجماعة أيضا قد ضعفت كثيرا بإقرار المهندس الفاعوري وغيره ممن حادثتهم “رأي اليوم” أيضا بفعل كل عوامل الحت والتعرية التي دبّرت منها ولها.

برأي العزام فإن الجماعة الأردنية تحمل مفهوم “الأمة الواحدة بما فيها من ثورات ومقاومة وإصلاح وتشكيل الوعي السياسي في مجال الواجبات وحق المواطنة وقضايا الأمة ومقدساتها”، ما يجعلها تتعرض لمحاولات التفكيك، مذكرا ان ذلك صعب لكونها “فكرة ممتدة في الأردن ويرى فيها الشارع مثالا للنزاهة”.

كلام العزام مهم بالضرورة ولكن شخصيات إصلاحية أخرى بالجماعة ترى انه اليوم لا يكفي وان الحاجة باتت ملحّة لإيجاد صيغ بديلة من ضمنها الانضواء تحت راية الحزب وفصل الدعوي عن السياسي.

“قهرنة” عمان وترييضها!

خلال أيام فقط إذن من صدور القرار القضائي الأردني في ملف الجماعة، عاد مشهد أخونة نقابة المعلمين للواجهة، في مشهد اشبه بتلك التي تابعها الأردنيون في القنوات المصرية تحصل بالقاهرة تمهيدا لاذابة مؤسسات منتخبة. قهرنة عمان (أي جعلها القاهرة) كانت واضحة المعالم عبر متابعة انباء النقابة في التلفزيونات المصرية والاماراتية حيث انبرت كلاهما للحديث عن النقابة كذراع اخواني، في وقت لا يشكل ذلك فيه الحقيقة، رغم انه قاد لنتيجة حل النقابة لعامين بقرار مدعٍ عام وليس حتى قرار قضائي، أي أن المعركة في الأردن في حالتها (كما في حالة الاخوان المسلمين) تنتقل لأروقة القضاء وهنا خطرٌ كبير على السلطة القضائية لا مجال للاستفاضة فيه في هذا التحليل.

وكانت “رأي اليوم” قد تطرقت لسيناريو حل النقابة منذ عام حيث التغريدة الملكية التي جاءت بعد رواية رسمية متماسكة نُسجت ومرّت على حكومة الدكتور عمر الرزاز ثم بدأ طاقمه بترديدها، رغم ان الرزاز كان الرئيس الأول خلال نحو سبع سنوات الذي أظهر ميلاً كبيراً للتقارب معهم في البداية، ولاحقاً استقبل ملك البلاد نواب كتلة الإصلاح التابعة للإخوان المسلمين في القصر ضمن تحرك أيضا قدم بعض النعومة لهم.

الأهم ان التحرك ضد النقابة لا يأتي معزولا بحال من الأحوال عن سلسلة إجراءات متخذة ضمن إطار من تفكيك المؤسسات الديمقراطية في البلاد، يشرعنها قانون الدفاع الذي يمنح رئيس الوزراء الرزاز صلاحيات واسعة جيداً يبدو انها اليوم تطال القضاء ايضا، وتحت شعارات محددة بالفساد والتهرب الضريبي على الطريقة السعودية، لتحار العاصمة الأردنية بالذهنية التي قهرنتها وريّضتها (جعلتها الرياض) بالوقت ذاته، خصوصا مع تركيبة مختلفة في العاصمة الأردنية عن الدولتين وعن النظامين، رغم ابداء ملك الأردن لمرات عديدة إعجابه بالنموذج المصري على الأقل، وتلميحه لقربه منه بسبب خلفيته العسكرية التي أكثر الغمز إليها في ظل الجائحة بكل الأحوال.

بكل الأحوال، في دولة كالاردن، يصفي النظام “على حسّ الاخوان” ووفق ترتيب مع محوره المستجد في الخارج، اهم جسم نقابي منتخب في البلاد، والمتمثل بنقابة المعلمين وفي حالة انتقامية شجّعها كثيرون داخليا من رجال الدولة السابقين والحاضرين وغذتها رواية أمنية يصفها البعض بالمريضة. ورددتها حكومة الدكتور عمر الرزاز الذي حين كان وزير تربية وتعليم قبل عامين كان يصر على ان الأردن يخسر اذا ما تم التعامل وفق منطق الغالب والمغلوب مع نقابة المعلمين.

إشكالية الوصفة هذه المرة، أنها تتجاهل حقيقة أن النقابة تعلمت طريق الشارع وأدركت طريق الإضراب، كما تعرف جيدا جماعة الاخوان المسلمين طريق العمل السري وقوته، وهنا زاوية معقّدة يكاد النظام في الأردن يحشر نفسه فيها تحت غطاء (قد لا يكون عازلاً) من حكومة الدفاع التي يقودها “نصير المدنية والمعلم” سابقاً.

 

 

سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 27/7/2020

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رفض الابادة الصهيونية رغم الضغوط ومحاولات القمع: الجبهة الطلابية مستمرّة في جامعات أميركا

    رفض الابادة الصهيونية رغم الضغوط ومحاولات القمع: الجبهة الطلابية مستمرّة في جامعات أميركا   مدفوعة بمشاهد الموت والدمار الآتية من غزة والمنتشرة على ...