مع تغيّر الفصول، تتغيّر النفوس: البعض ينهكه الحزن مع أول غيمة، والبعض الآخر يجد في المطر دفئاً وسكينة. فما سرّ هذه المفارقة؟
مع أول نسمات البرد وغياب الشمس خلف الغيوم الرمادية، يتغير مزاج كثيرين. البعض يشعر بخمول مفاجئ، حزن غير مبرر، وحتى فقدان الحافز لممارسة أبسط نشاطاتهم اليومية. ألوان السماء المعتمة، الضباب الكثيف، وقصر ساعات النهار تجعل بعض الأشخاص يعيشون شعوراً بالكسل النفسي والانعزال عن العالم.
وفي حديث خاص لـ”النهار”، أوضحت الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص أنّ هناك ما يُعرف بـ”الاكتئاب الموسمي” أو “الاضطراب العاطفي” الذي يختلف عن الاكتئاب العادي، ويظهر غالباً مع اقتراب فصل الشتاء. لكن ما طبيعة هذا الاضطراب، ولماذا يتأثر به البعض بينما لا يشعر آخرون بأي تغيير؟ وكيف يمكن أن ينعكس على الحياة اليومية، وما أبرز الطرق للتخفيف من أعراضه أو الوقاية منه؟

ما هو الاكتئاب الموسمي؟ ولماذا يظهر في الشتاء؟
أشارت قصقص إلى أنّ “الاكتئاب الموسمي يرتبط مباشرة بقلة التعرض لضوء الشمس في فصلي الخريف والشتاء. فالضوء الطبيعي يساعد الجسم على تنظيم الساعة البيولوجية وإفراز هرمونات مثل السيروتونين التي تعزز المزاج والطاقة. ومع غياب هذا الضوء، يختل التوازن النفسي والجسدي، ما ينعكس في صورة حزن وخمول عند بعض الأشخاص”.

لماذا يتأثر به بعض الأشخاص أكثر من غيرهم؟
كشفت الأخصائية النفسية والاجتماعية لـ”النهار”، أنّ “العوامل التي تجعل البعض أكثر عرضة من غيرهم متنوعة، فقد تكون وراثية أو بيولوجية، أو متصلة بنمط الحياة والبيئة المحيطة. فهناك أشخاص لديهم حساسية أكبر تجاه التغييرات الموسمية، بينما يتمتع آخرون بقدرة أفضل على التكيف، فلا يشعرون بفرق واضح بين الفصول”.
كيف يمكن التخفيف من أعراضه أو الوقاية منه؟
ترى قصقص أنّ “هناك خطوات عملية للتقليل من آثار الاكتئاب الموسمي، أبرزها التعرض لأشعة الشمس قدر الإمكان، خاصة في ساعات الصباح، وممارسة الرياضة بانتظام لتحفيز الهرمونات الإيجابية، والحفاظ على نظام غذائي متوازن”، لافتة إلى أنّ “العلاج بالضوء أثبت فعاليته في الكثير من الحالات، فيما قد تستدعي الحالات الأشد تدخلاً نفسياً أو دوائياً بإشراف متخصص”.

بينما نتعرف على هذا الجانب العلمي، فإنّ الواقع المعيشي يقدم قصصاً وتجارب مختلفة، من أشخاص يشعرون بالحزن والاكتئاب مع قدوم الشتاء، إلى آخرين يمر عليهم هذا الفصل بسلام، وصولاً إلى من يجدون فيه مصدر سعادة ودفء.
حين يطفئ الشتاء الطاقة
يختلف وقع فصل الشتاء على النفوس. فبالنسبة لماريا، شابة في السابعة والعشرين من عمرها، فإنّ هذا الفصل يعني “الحزن والاكتئاب”. ووصفت شعورها لـ”النهار”، قائلة: “الأجواء الغائمة والضباب الكثيف والألوان القاتمة تجعلني عاجزةً عن القيام بمهامي اليومية. أبقى في المنزل معظم الوقت، وكأنّ طاقتي تنطفئ مع غياب الشمس”.

ثقل قديم يتجدّد كل عام
أمّا ربيع، رجل في الأربعين من عمره، فأكّد لـ”النهار” أنّه منذ طفولته يكره هذا الفصل. وقال: “كنت دائماً أتناول الفيتامينات في الشتاء لأستعيد نشاطي. فالأجواء الكئيبة تؤثر سلباً على صحتي النفسية والجسدية، وتجعلني أشعر بحزن عميق يصعب التغلب عليه”.

لا فرق بين الفصول
وعلى الضفة الأخرى، لا يعني الشتاء شيئاً لماجد، شاب في الثلاثين من عمره. ففي حديثه لـ”النهار”، قال: “لا أشعر بأيّ فرق بين الصيف والشتاء. بالنسبة إليّ، هما مجرد فصول عادّية، أعيش حياتي بالطريقة نفسها، من دون أن يتأثر مزاجي إطلاقاً”.
فصل العاطفة والدفء
لكن جيهان، وهي معلمة في الخمسين من عمرها، ترى الصورة مغايرة تماماً. فهي تعتبر الشتاء فصلها المفضّل: “أحب رؤية الأمطار والثلوج، وأنتظر هذا الفصل بفارغ الصبر لأنّه يتزامن مع فترة الأعياد”.
وأوضحت جيهان لـ”النهار”، أنّ “الأجواء الشتوية تمنحني شعوراً بالدفء والعاطفة، وحتى الملابس الشتوية الكلاسيكية تنعكس على نفسيتي بطريقة إيجابية”، مضيفةً: “المشروبات الساخنة والأطعمة الشتوية تمنحني طاقة إضافية، فأشعر أنني أكثر نشاطاً وحيويةً”.

الشتاء، برغم برودته وقصر أيامه، يؤثّر على النفوس بطرق مختلفة. قد يشعر البعض بالكسل أو الحزن، بينما يجد آخرون فيه دفئاً وسكينة. المهم هو فهم هذه التأثيرات، والوعي بالطرق التي تساعد على التكيف معها، سواء عبر الروتين اليومي، التعرض للضوء الطبيعي، أو خلق طقوس صغيرة تمنح الطاقة والراحة النفسية.
فهذا الفصل، برغم تحدياته، يمكن أن يكون فرصة للتأمل، لإعادة شحن الذّات، ولإيجاد لحظات من الدفء الداخلي والسكينة، بعيداً من الضغط النفسي الذي قد يصاحبه. في النهاية، يكمن السرّ في كيفية احتضان الشتاء واكتشاف الطريقة الشخصية للاستمتاع به، أو التخفيف من تأثيراته السلبية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية