آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » حين يخون الحرف وطنه..!!

حين يخون الحرف وطنه..!!

 

المهندس نضال رشيد بكور

في زمن تتفتت فيه الأوطان وتتشظى فيه المعاني ، كان يُنتظر من المثقف أن يكون البوصلة الأخلاقية ، الصوت الذي لا يخفت حين يصمت الجميع ، والسراج الذي يضيء العتمة حين يعمّ الظلام …
لكن الخيبة كانت أوسع من التوقع ، وأقسى من الرجاء ..
فبدل أن يُشكّل المثقفون جبهة وعي مقاومة للانحدار ، انزلق كثيرٌ منهم إلى تمثيل أبشع وجوه الانتماء الضيق ..
صاروا لسان حال الطائفة ، وصدى القبيلة ، وواجهة لخطابٍ لا يرى في الوطن سوى حصص موزعة بين الولاءات …
لم يخرجوا من دوائرهم الصغيرة، بل باركوا انكماشهم عليها ، وأضافوا على قيد الانتماء أقفالاً من التبرير والإنكار ، حتى صار الوطن مرآةً مشروخة لانكساراتهم الأخلاقية.
الحياد مات ، والنزاهة أصبحت تهمة
اختار من يُفترض أن يكونوا نخبة الاستسلام ، وسلكوا طريق الاصطفاف لا المساءلة ، التحزّب لا التحرر …
بدلاً من الوقوف في وجه التطييف والتحريض ، شاركوا في حفلة الانحدار الكبرى ، وارتدوا أقنعة الشجاعة بينما كانوا في الحقيقة يركضون خلف التصفيق الرخيص .
لم يعد للحق مكان ، لأن الكلمة أصبحت سلعة ، تُصاغ وفقاً للمصلحة لا للمعنى …
الخطاب الذي كان من المفترض أن يوحّد ، تحوّل إلى أداة تفتيت ، تُذكي النار تحت رماد وطنٍ محاصر بالخذلان .
في كل منبر ، وكل مقال ، وكل خطاب ، كان وقع الخيانة أكبر من أي صوت .
يرقصون على حافة الانهيار ، يتباهون بثقافتهم وهم يضخون الوقود في ماكينة الانقسام . لا يخشون السقوط ، لأنهم منذ زمن قد تخلّوا عن أي ارتفاع …
الصمت أحياناً أصدق من كلامهم ، والنأي عن خطاباتهم أصدق موقف يمكن اتخاذه.
لسنا نبحث عن الكمال ، ولا نطالبهم بالعصمة ، لكننا نرجو الصدق .
نبحث عن من لم يبع المعنى في سوق الطائفية ، ولم يختزل الوطن في خندق ..
نحن نبرأ من خطابات تُبنى على الحقد ، وتُروَّج بالزيف ، وتُهلَّل لها من جمهورٍ بلا ذاكرة ..
نبرأ من حروفٍ تعلن الطهر وهي تغمس يدها في وحل الاستقطاب ..
نبرأ لأننا نحب هذا الوطن ، لا لأننا نكرههم ، ولكن لأنهم خانوه باسم الثقافة ، وتركوه جثةً تتنازعها الولاءات …
ما أكثر من تحدثوا باسم الوطن ، وما أقل من حافظوا عليه.
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حماة المنسية: المدينة التي تنام على نهر وتستيقظ على ذاكرة

  المهندس نضال رشيد بكور في كل جغرافيا ، هناك مدن تُخلق لتُنسى ، وأخرى تُنسى لأنها لم تُخلق لتُستثمر … حماة المدينة القابعة منذ ...