آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » حين يصبح الفنان عتالاً… مأساة الثقافة بلا تمويل

حين يصبح الفنان عتالاً… مأساة الثقافة بلا تمويل

طرفان مُتناقضان أو غايتان لا يُمكن إدراكهما معاً، المُنتج الثقافي القيّم والربح؛ هكذا درجت العادة تقسيم الفنون والآداب إلى مستويات، الجادة والناضجة في المرتبة الأولى، وهي التي لن يبحث أصحابها عن المال، بمعنى أنهم لن يُفكروا بالانتفاع منها، فمجرد الكسب من لوحة أو فيلم أو قصيدة، سيُحيلها إلى مرتبة الاستهلاكي والرخيص، حيث يجتمع الجمهور الراغب بالتسلية مع المادة الفنية الأقل جودة أو لِنقل الفاقدة للدسم الجمالي والروحي، وعليه كان شُباك التذاكر عنواناً لأفلام ومسرحيات، وُصِمت بالتجارية، كذلك عُرِفت اللوحات والمنحوتات المعروضة على واجهات المحال للبيع، بأنها مُجرّد أدوات للتزيين وملء الفراغ، كما قُسّمت الأغاني والرقصات والأعمال اليدوية إلى ما يستحق التقدير والتفاعل، وما هو رخيص وسهل.

الفرز الثقافي برر تدني الأجور بشكلٍ أو بآخر، حتى أصبح الكلام عن المال إهانةً بحق الفنان وانتقاصاً من شأن الأديب

فرز ثقافي

هذا الفرز حَكَمَ الساحة الثقافية زمناً طويلاً، كَثُر فيه الخطأ وسوء التقدير والانحياز ومحاولات العزل، لِيُنتج إبداعاً لا يطوله الشك، مرات، وإقصاءً لم يجد من يعترف به، مراتٍ أخرى، والأهم أنه برر تدني الأجور بشكلٍ أو بآخر، حتى أصبح الكلام عن المال إهانةً بحق الفنان وانتقاصاً من شأن الأديب، لم ينجُ منهما سوى قلّة، عرفت كيف تُدير البوصلة إلى جهتها، عوضاً عن انتظار التقدير والاهتمام والأجر المُناسب، ممن لا يُبالون بالجهد، ولا يُجيدون التقييم، ومن ثم كان هذا سبباً في إفقار العشرات من الكتّاب والرسامين والمطربين، ممن رضوا بالقليل المُتاح من المؤسسات الحكومية طالما أن الخاصة غير معنية بالإنتاج والتمويل، ولو بحثنا في التاريخ القريب والقريب جداً، لوجدنا أسماءً كبيرة، أنهكها الفقر والحاجة رغم أنها وهبت حياتها لتصنع ما يعود بالفائدة والمتعة وربما الثروة على الآخرين.

أجور مُهينة

الحديث عن الأجور المُهينة بحق العاملين في المسرح مثلاً، ومن ضمنهم مسرح الطفل، قديمٌ جداً، غير أنه لم يُثمر إلى اليوم، يُضاف إليهم كتّاب السيناريو والأغاني وأعداد كبيرة من الشعراء والصحفيين والموسيقيين والمُصورين، هؤلاء جميعاً معنيون بإنتاج مواد فنية وأدبية، يجب أن تكون لائقة ومُتقنة وقادرة على التأثير، على اعتبار أن كلمة إبداع، تبدو وصفاً مُبالغاً به عند البعض، فلماذا لا تُعطى لهم أجور تتناسب مع ساعات العمل الطويلة والمُنهكة ذهنياً وجسدياً، ولاسيما أنها لا تسمح بممارسة عمل آخر، وهو ما تجاوزه مَن ذكرناهم منذ زمن، فأصبحوا سائقين ومُدرسين خصوصيين، بعضهم يعمل عتّالاً في الأسواق، وآخر يُنظَم الدور في العيادات الطبية، ومُؤخراً أصبح أحدهم “حوّيص” في البزورية، ولا نزال نتوقع منهم مُنتجاً هو الأفضل.

لماذا لا تُعطى لفناني المسرح والمُصورين والصحفيين أجورٌ تتناسب مع ساعات العمل الطويلة والمُنهكة ذهنياً وجسدياً، ولاسيما أنها لا تسمح بممارسة عمل آخر؟

واقع جديد

اليوم يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً: هل ما زال هذا التقسيم بين “الجاد” و”التجاري” قائماً في زمن طغت فيه الثقافة الرقمية وأصبح الجمهور شريكاً في صناعة القيمة؟، ولاسيما أنّ منصات التواصل الاجتماعي صنعت واقعاً جديداً، لم يعد فيه “الراقي” حكراً على النخبة، ولا “الشعبي” مقتصراً على العامة، عدا عن أن كثيراً من الأعمال التي انطلقت من رحم “الاستهلاك” اليومي، تحولت إلى ظواهر ثقافية تثير أسئلة جمالية وفلسفية عميقة، كذلك برزت نماذج لفنانين وكتّاب سوريين، لم يقبلوا بالثنائية القديمة، ورفضوا أن يكونوا ضحايا لها، فاختطوا مسارات جديدة، جمعت بين عمق المضمون وبراعة التسويق، وأسّسوا مشاريعهم الخاصة، وبنوا جمهوراً يقدّر عملهم ويدفع مقابله. هؤلاء لم ينتظروا رعاية مؤسسة أو جهة داعمة، ولم يخجلوا من الحديث عن المال، لأنهم يعتبرون أن القيمة المادية ليست عدواً للقيمة الفنية، بل هي مؤشرٌ على وصول الرسالة وتأثر المتلقي.

دعم حقيقي

في المقابل، يبقى دور المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية محورياً في كسر هذه الحلقة المفرغة. فبدلاً من تبنّي سياسة “الإنتاج بثمن بخس”، يتوجب عليها أن تتحول إلى حاضنات حقيقية، تضمن حداً أدنى من الكرامة للعاملين في الحقل الثقافي، كما أن على القطاع الخاص أن يدرك أنّ الاستثمار في الثقافة ليس ترفاً، بل هو استثمار في رأس المال البشري والهوية الوطنية. إذ ربما حان الوقت لنسقط من قاموسنا مفردات مثل “فن تجاري” و”إبداع نقي”، ولنبدأ في بناء مفهوم جديد للقيمة الثقافية، قيمة لا تقاس ببعدها عن السوق، بل بقدرتها على خلق حوار، وتحريك الأسئلة، وبناء جسور بين الناس، وفي الوقت نفسه، تدرّ عائداً عادلاً يضمن لمبدعها حياة كريمة، بحيث لا تكتفي تلك المؤسسات بالحديث عن إبداع فناني المسرح وصحفيي المؤسسات الحكومية، بل تدفع لأجل استمراريتهم.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

“ابتسامة في عيون ضائعة”: عمل مسرحي لزراعة طرطوس عن المخدرات

قدمت مديرية زراعة طرطوس اليوم -دائرة الإرشاد والتعليم الزراعي- العرض المسرحي “ابتسامة في عيون ضائعة ” على خشبة المركز الثقافي بطرطوس. وفي تصريح لـ”الحرية”، أكد ...