م.حسان نديم حسن
انخفض الدولار الأمريكي هذا العام بنسبة 11٪ في تحول هو الأبرز منذ عقود داخل النظام المالي العالمي.
هذا التراجع لا يمكن قراءته كظاهرة عابرة أو كنتيجة مباشرة لتقلبات السوق إنما مؤشر على استراتيجية مالية أمريكية عميقة تهدف إلى تخفيف ضغط العجز الضخم في الميزانية وتحميل جزء من كلفته على بقية دول العالم.
الولايات المتحدة التي تواجه عجزا ماليا يفوق 1.8 تريليون دولار تستخدم ضعف عملتها كأداة اقتصادية ذكية لإعادة توزيع الأعباء. فعندما تتراجع قيمة الدولار تتراجع تلقائيا القيمة الحقيقية للاحتياطيات وسندات الخزينة التي تمتلكها الاقتصادات الكبرى مثل الصين واليابان وألمانيا لتفقد مجتمعة نحو 770 مليار دولار من قيمتها الشرائية.
إنها عملية أشبه بنقل العجز من الداخل الأمريكي إلى العالم بأسره عبر بوابة النقد.
لكن هذه السياسة لا تقتصر على الجانب المالي فحسب إذ أن انخفاض الدولار يعيد تشكيل ميزان التجارة فالبضائع الأمريكية تصبح أرخص في الأسواق الخارجية و بالتالي زيادة الصادرات الأمريكية.
وبينما يشهد العالم هذا التحول تستعيد الصناعة الأمريكية بعضا من قوتها التنافسية التي فقدتها أمام الصين لعقود عبر سياسة نقدية هجومية تقوم على مبدأ الضعف المصطنع لتحقيق القوة .
وفي المقابل يواصل الذهب تحطيم أرقامه التاريخية مسجلًا 4000 دولار للأونصة للمرة الأولى في التاريخ و هذا الصعود الهائل جعل السندات الأمريكية تفقد ما يقارب 20 % من قيمتها الفعلية عند قياسها بالذهب بدل الدولار مما يعمق الفجوة بين المال الورقي والمخزون الحقيقي للثروة.
ما يحدث اليوم ليس مجرد هبوط في عملة بقدر كونه إعادة هندسة للنظام المالي العالمي فواشنطن تدير ضعف الدولار كأداة استراتيجية تشكل رافعة تعيد ضبط موازين القوة النقدية.
الولايات المتحدة ما زالت اللاعب الوحيد القادر على تحويل أزماتها إلى فرص وعلى جعل بقية العالم شريكا في تمويل ديونها دون إعلان صريح بذلك.
وبينما تواصل الأسواق العالمية مراقبة كل حركة في منحنى الذهب والدولار تظل الحقيقة الأوضح أن واشنطن ما زالت تمسك بخيوط اللعبة وتعيد كتابة قواعدها بما يخدم مصالحها .
(اخبار سوريا الوطن-2)