آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » حين يُحتجز الصحافي: أسئلة الحرّية والصمت في قضيّة محمد فرج

حين يُحتجز الصحافي: أسئلة الحرّية والصمت في قضيّة محمد فرج

 

ثائر أبو عياش

 

لا تبدأ قصة احتجاز الصحافي الأردني الذي يعمل في لبنان محمد فرج، في الأردن، من لحظة توقيفه، بل من لحظة الصمت التي تلتها. فحين يُحتجز صحافي من دون إعلان رسمي عن الأسباب أو التهم، تتحوّل القضية سريعاً من إجراء أمني مُحتمل إلى سؤال أوسع يتّصل بحرّية الصحافة، وحقّ الرأي العام في المعرفة، وحدود العلاقة بين الدولة والكلمة.

 

محمد فرج ليس اسماً عابراً في الوسط الإعلامي. هو صحافي وباحث، عُرف بعمله التحليلي واهتمامه بالشأن السياسي في المنطقة. لكنّ التوقّف عند سيرته المهنية ليس الهدف بحدّ ذاته، بقدر ما هو مدخل لفهم الإشكالية: هل يُعامل الصحافي هنا بوصفه فرداً خاضعاً لإجراء قانوني واضح، أم بوصفه صوتاً يثير القلق بسبب ما يكتبه أو يمثّله؟

 

من حيث المبدأ، لا أحد فوق القانون، ولا الصحافي استثناء. غير أنّ القانون، في جوهره، يقوم على الإعلان والوضوح والإجراءات المُحدّدة. فحين يُحتجز أي شخص، تتقدّم الدولة عادة بخطاب واضح: تهمة، تحقيق، مسار قانوني. أمّا حين يغيب هذا الإطار، فيصبح الغموض بحدّ ذاته مشكلة، خصوصاً إذا كان المُحتجز صحافياً، لأنّ الغموض هنا لا يمسّ الفرد وحده، بل يطاول مهنةً كاملة.

 

حرّية الصحافة، كما نصّت عليها المواثيق الدولية، لا تعني حصانةً مطلقة، لكنها تفترض بيئة لا يُعاقب فيها الصحافي بسبب عمله أو آرائه، ولا يُترك فيها الرأي العام في فراغ المعلومات. لذلك، فإنّ أي مساس بصحافي، مهما كانت أسبابه، يحتاج إلى حدّ أدنى من الشفافية، ليس دفاعاً عن شخص، بل حماية لمبدأ. فالإجراءات الواضحة تحمي الجميع: الفرد، والمؤسسة، وصورة الدولة على السواء.

 

الإشكالية الأبرز في قضية محمد فرج ليست الاحتجاز نفسه بقدر ما هي الصمت الذي أحاط به. فالصمت الرسمي، في قضايا الصحافة تحديداً، لا يُقرأ بوصفه حياداً، بل بوصفه رسالة مُلتبسة. رسالة تفتح باب التأويل، وتدفع الجمهور إلى افتراضات قد تكون أكثر ضرراً من الحقيقة نفسها. بيان مقتضب، يوضح الإطار القانوني، كان كفيلاً باحتواء الجدل، لكنّ غيابه سمح للقضية بأن تتضخّم، وأن تتحوّل إلى مادّة قلق وتساؤل.

 

في عالم الإعلام، لا تُقاس قوّة الدول فقط بقدرتها على فرض القانون، بل أيضاً بقدرتها على شرحه. فالدولة التي تصمت تترك فراغاً تملؤه الشكوك، وتضع نفسها في موقع الدفاع بدل المبادرة. وهذا ما يجعل الصمت، أحياناً، أكثر كلفة من الكلام، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بحرّية الكلمة.

 

الانتقال إلى شخص محمد فرج يجب أن يتم بحذر مهني. فالقضية ليست في تبنّي مواقفه أو الدفاع عنها، ولا في تبرئته أو إدانته. السؤال الأكثر جوهرية هو: هل أصبح الصحافي يُحاسب على آرائه وتحليلاته بدل أفعاله؟ وهل يمكن الفصل بين الموقف السياسي والعمل الصحافي في مناخ إقليمي متوتّر؟

 

الصحافة، بطبيعتها، مهنة إزعاج. تطرح أسئلة غير مريحة، وتكشف زوايا لا ترغب السلطات أحياناً في إبرازها. لكنّ تحويل هذا الإزعاج إلى سبب للتقييد يفتح باباً خطيراً، لأنّ الخطّ الفاصل بين النقد المشروع والتجريم يصبح ضبابياً، وقابلاً للتوسّع. وحين يتّسع هذا الخطّ، لا يعود الخطر محصوراً في صحافي بعينه، بل يمتدّ إلى المجال العامّ كلّه.

 

في السياق الإقليمي الراهن، يصعب فصل ما يتعرّض له الصحافيون عن القضية الفلسطينية، لا بوصفها ملفاً سياسياً فحسب، بل باعتبارها امتحاناً أخلاقياً لمعنى الصحافة ودورها. فمع مشاهد الإبادة اليومية، وتحوّل الحقيقة نفسها إلى ساحة مواجهة، لم تعد الكلمة مجرّد نقل للوقائع، بل أضحت موقفاً من الإنسان ومعاناته. هنا تكتسب تجربة صحافيين مثل محمد فرج دلالتها، بوصفه صحافياً لم يُخفِ انحيازه إلى الحقيقة في فلسطين، ولا تردّده في قولها كاملة. وهو ما يعيد إلى الواجهة مقولة غسان كنفاني «الحقيقة كل الحقيقة للجماهير»، لا كشعار، بل كمسؤولية. فحين يُضيَّق على الصحافي أو تُحاط مهمّته بالغموض، لا يكون المُستهدف شخصاً بعينه، بل إمكانية قول الحقيقة في زمن يُحاصَر فيه الإنسان. وفي لحظات كهذه، يصبح الصمت موقفاً بحدّ ذاته، كما تصبح الكلمة امتحاناً أخلاقياً لا يمكن تأجيله.

 

ولا يمكن عزل هذا كلّه عن التوقيت. فالمنطقة تعيش مرحلة تتداخل فيها السياسة بالأمن، ويُنظر فيها إلى الإعلام بوصفه ساحة تأثير لا مجرّد منصّة نقل. وفي مثل هذه اللحظات، يصبح الصحافي أكثر عرضة لأن يُقرأ بوصفه رسالة، لا مجرّد مهني يؤدّي عمله. لكنّ الخوف من الكلمة، مهما اشتدّ، لا يلغي الحاجة إلى الوضوح، ولا يبرّر الغموض.

 

في النهاية، لا تتعلّق قضية محمد فرج بإدانة دولة أو تبرئة صحافي، بقدر ما تتعلّق بسؤال أعمق: كيف تُدار العلاقة بين السلطة والصحافة في أوقات التوتّر؟ وهل يبقى حقّ المعرفة مَصوناً حين يغيب التوضيح؟

القضية ليست في شخص مُحتجز، بل في مبدأ مُعلّق. وحين يُعلَّق المبدأ، لا ينتظر الصحافي وحده الإجابة، بل ينتظرها المجتمع بأكمله.

 

* كاتب فلسطيني

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مديرية إعلام دمشق توضح ملابسات سرقة تمثال القديس بولس في باب كيسان

أصدرت مديرية إعلام دمشق بياناً توضيحياً حول ملابسات سرقة تمثال القديس بولس من كنيسة دير القديس بولس في منطقة باب كيسان بدمشق بعد تداول معلومات ...