| جلنار العلي
عادت خطورة غياب الرقم الإحصائي الرسمي لتطفو على السطح مجدداً مع أزمة الزلزال، حيث بات يضمّن الكثير من خبراء الاقتصاد تصريحاتهم بنسب متفاوتة ومتباعدة فيما بينها حول الخسائر وغيرها، الأمر الذي يزيد الشكوك حول صحّة هذه النسب وقربها من الواقع، ولا يقتصر الأمر طبعاً على الزلزال وإنما يطول الحديث عن نسبة الفقر وانعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وتراجع النمو الاقتصادي وغير ذلك من الظواهر والأحداث الاقتصادية.
جميع إحصائيات الزلزال مبدئية
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري، اعتبر في تصريح لـ«الوطن» أن الإحصائيات يجب أن تستند إلى دراسات ميدانية ناتجة عن معاينة على أرض الواقع وإلا فيجب الامتناع عن التصريح جزافاً، لافتاً إلى أن جميع الأرقام والإحصائيات حول خسائر الزلزال لا تزال مبدئية ولا تستطيع أي جهة محليّة أو دولية أن تقدّر هذه الخسائر بدقة، وخاصة في المرحلة الحالية وهي مرحلة إزالة الأنقاض وإجراء المسح المبدئي من لجان السلامة العامة للخسائر المباشرة لكونها واضحة للعيان، أما الخسائر غير المباشرة فمن الصعب إحصاؤها في الوقت الراهن، متسائلاً كيف لبعض الخبراء الذين لا يعرفون الحال على أرض الواقع أن يعطوا رقماً تقديرياً في محافظة معينة أو على المستوى الوطني؟
تقديرات شخصية
وأشار إلى أن التفاوت في الإحصائيات ناجم عن كونها تقديرات شخصية والتي تكون عادة غير دقيقة وذلك لعدم معرفة المعايير التي يستند إليها صاحب التقدير وخاصة أنه لا توجد معايير حسابية موحدة، ولكن على العموم فقد يقبل أن تكون نسبة الاختلاف بين الإحصائيات 20 بالمئة بسبب الخطأ التقديري، ولكن يجب ألا يصل الفرق إلى أضعاف، معتبراً أن هذا التفاوت يؤدي إلى فقدان المصداقية بأي جهة، وعدم دقة في المعالجة، لكون التوصيف الصحيح يؤدي إلى حل صحيح والعكس صحيح، إضافة إلى تسببه بضعف الثقة من المانحين الدوليين.
يجب إصدار أرقام موحدة
وفي السياق، اعتبر حزوري أن اللجان الفرعية في كل محافظة منكوبة هي الأقدر على إجراء إحصائيات دقيقة، بالتعاون مع دوائر الإحصاء بكل مؤسسة أو جهة معنية، ليجري فيما بعد جمع كل الأرقام وتوحيدها على مستوى كل محافظة، ثم على المستوى الوطني، وهنا لا بد من استنفار المكتب المركزي للإحصاء المغيّب حالياً، بكل إمكانياته وأن يشارك في أعمال التحليل والتبويب، إضافة إلى العمل على وجود قاعدة بيانات حول حجم الأضرار وما تحتاجه المرحلة الإسعافية ومرحلة إعادة البناء ومحو آثار الزلزال على المدى البعيد، وذلك بالتعاون مع الجهات الرسمية وغير الرسمية وهيئات المجتمع المدني الموجودة على الأرض في المحافظات المنكوبة للوصول إلى رقم قريب للواقع، بعيداً عن التصريحات الجزافية التي تضرّ بالحقيقة.
إحصائيات ارتجالية
من جانبه المدير الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، تساءل في تصريح لـ«الوطن» عن كيفية الوصول إلى الأرقام المرتفعة التي أدلى بها بعض خبراء الاقتصاد والتي تصل إلى 50 مليار دولار، في حين أن التقديرات المبدئية لحجم الخسائر في تركيا تتراوح بين 30-32 مليار دولار وقد تصل وفق تقديرات الأمم المتحدة إلى حوالي 50 مليار دولار، علماً أن شدة الزلزال كانت أقوى من سورية، لافتاً إلى عدم وجود إحصائيات رسمية على المستوى المحلي ليعتمد عليها، ونتيجة لذلك صار هناك نوع من إظهار العنتريات في الأرقام، لذا فهي مجرد ارتجال باعتبار أن الأغلبية لم يزوروا المحافظات المنكوبة، معتبراً أن هذا التخبط في الأرقام سواء كانت صادرة عن جهات حكومية أم غير ذلك، ينعكس سلباً على كل مناحي الحياة، فأي قرار اقتصادي حكومي يجب أن يدرس وفقاً لمعطيات حقيقية متاحة، وباعتبار أن هذه المعطيات غائبة فإن هذه القرارات مجرد ارتجالات، والدليل على ذلك أن بعض الإجراءات التي تتخذ تفشل عند التطبيق، متابعاً: «أنا لستُ مع اعتماد أقوال وأرقام من يقولون إنهم خبراء بالاقتصاد، وذلك لعدة أسباب أولها أن جميع من يعيش على أراضي سورية في هذا الجيل، لم يعاصر طيلة حياته هكذا زلزال، ولم يتعرض إلى كارثة طبيعية بهذا الحجم، وبالتالي لا أحد يعرف كيف تُحسَب الأضرار، ولذلك يجب علينا أن نمتنع عن التصريح عندما نكون لا نعرف».
تزيد شرخ انعدام الثقة
وأشار عربش إلى أن هذه التصريحات المتناقضة تشوّش الجميع، وهذا يزيد من شرخ انعدام الثقة بين المواطن والمسؤول، لذا فيجب على من يدلي برقم ما أن يتأكد من صحته قبل الإدلاء به، لافتاً إلى أن أدوات التأكد من صحة الأرقام مفقودة في الوقت الحالي، باعتبار أنه لا يوجد رقم حقيقي لمحاكمته منطقياً, وفي سياق متصل، بيّن عربش أن المكتب المركزي للإحصاء يتّهم في كل مرة بقضية غياب الرقم الإحصائي الرسمي، لأن المرسوم الذي أحدث بموجبه المكتب جعل منه الجهة الوحيدة المعتمدة لإصدار الرقم الإحصائي، وبالتالي لا يجوز لأي جهة عامة أو خاصة أخرى أن تصدر رقماً خارجه، ولكن هذا المكتب تعثّر بشكل كبير خلال سنوات الأزمة فهو لم يجرِ المسوح الضرورية لتتبع مستوى حياة المواطنين منها مسح دخل ونفقات الأسرة حيث أجري هذا المسح لآخر مرة في عام 2009، ودورية هذا المسح وفقاً لتوصيات اللجنة الإحصائية بالأمم المتحدة هي خمس سنوات فقط وذلك بالأوضاع المستقرة فكيف يجب أن يكون الحال لدولة تعاني من حرب عمرها 12 عاماً؟
عشوائية وأرقام متناقضة
أما الخبير الاقتصادي الدكتور سعد بساطة فرأى في تصريح لـ«الوطن»، أن الحكومة لم تتعلم درساً من الأزمة السابقة التي كانت أشبه بزلزال عمره 12 عاماً، إذ هناك تضارب كبير في الجانب الإغاثي، وإلى الآن لا يوجد في حلب إحصائيات رسمية صادرة من نقابة المهندسين أو محافظة حلب أو أي جهة أخرى تنسّق على أرض الواقع كفريق عمل للأزمة لمعرفة الأبنية التي سقطت وتلك الخطرة الآيلة للسقوط، وما يحتاج إلى تدعيم منها، معتبراً أن الأمور تتم بشكل عشوائي للغاية, وأشار بساطة إلى أن جميع الأرقام والإحصائيات الصادرة ديناميكية ومؤهلة للزيادة من ناحية المباني التي تحتاج إلى هدم، أو تلك التي تم إخلاؤها من سكانها عن طريق الخطأ بسبب حالة من الذعر وكانت بحاجة إلى تدعيم بسيط فقط، وبالتالي فإن الأرقام متناقضة، متابعاً: « فمثلاً نحن نعلم بوجود حوالي 10 آلاف مسكن سيئ من ناحية السلامة الإنشائية في حلب، وبخسائر تقدر بمليارات الليرات ولكن لا يمكن تحديدها بدقة إلى الآن».
واعتبر بساطة أن الرقم الإحصائي الخاطئ والتفاوت بالأرقام بين الجهات الرسمية يؤدي حتماً إلى قرار خاطئ من صناع القرار كوزارتي الأشغال العامة والإسكان والإدارة المحلية والبيئة، اللتين لن تستطيعا فرز موارد بشرية ومواد للبناء بشكل صحيح نتيجة لهذا الرقم، مشيراً إلى أنه إلى الآن لم يتم إحداث مكتب تابع للمحافظة ينسق بين الفعاليات المعنية بالإحصاء كنقابة المهندسين والبلديات وكلية الهندسة المدنية، لتكون قراراته مبرمة من دون العودة إلى روتين اللجان، وبالتالي فإن الرقم الإحصائي ضائع إمّا أكثر من اللازم أو أقل منه، وبالتالي صانع القرار لا يستند إلى قاعدة رقمية صحيحة.
سيرياهوم نيوز1-الوطن