شكل قرار المصرف التجاري بدعوته جميع المقترضين على اختلاف فئاتهم إلى تسديد القروض والمبالغ المستحقة ضمن فترة زمنية محددة لتسوية ما عليهم من التزامات تجنباً لأية تبعات قانونية صدمة كبيرة وخاصة أن الغالبية منهم في حالة بطالة حقيقية أي دون عمل وسيتم فرضها بحق المقترضين أو كفلائهم إذا ما تخلفوا عن التسديد ضمن المهلة المحددة. بالطبع حقوق الجهات الحكومية محفوظة وهنا يبرز التساؤل كيف يمكن تقديم تسهيلات لهم أو تقديم تسهيلات أو إعفاءات التسديد ولمدة محددة وفي هذا الصدد يؤكد الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن الديون المتعثرة تشكل إحدى الأزمات الاقتصادية في سوريا، والتي تعمّقت بفعل ظروف الحرب، وتدهور البنية الاقتصادية، وانهيار المنشآت الإنتاجية، فضلًا عن تسريح آلاف العاملين، هذه القروض التي كانت في بدايتها تهدف لتحريك عجلة الإنتاج أو تمكين الأفراد من تحسين ظروفهم، تحوّلت بفعل الفوائد التراكمية وغرامات التأخير إلى عبء هائل على الاقتصاد الوطني وعلى أصحاب القروض أنفسهم.
د. قوشجي: معالجة القروض المتعثرة لا تكون بحلول ظرفية وإنما تحتاج إلى تأسيس منظومة مالية تراعي الواقع الاقتصادي
أنواع التعثر وتأثيرها
د. قوشجي بين أنه يوجد أنواع للتعثر كإفلاس الشركات، فانهيار المؤسسات التجارية والصناعية أدّى إلى توقف السداد، خصوصًا أن أغلب القروض كانت مضمونة بمطارح هامة مثل العقارات أو الآلات، والتي فقدت قيمتها أو تدمرت كليًا.
كذلك دمار المنشآت أثناء الحرب، فالكوارث الناتجة عن النزاع المسلح أدّت إلى محو منشآت بالكامل، مما أفقد المصارف الضمانات، وترك أصحاب المشاريع في دوامة دين لا يمكن تسديده.
أيضا تأتي قروض العاملين المسرّحين وهم الموظفون الذين تم الاستغناء عنهم بسبب ظروف اقتصادية أوغيرها أصبحوا عاجزين عن السداد، خصوصًا أن معظمهم اقترض بضمان الراتب المستمر.
تبعات اقتصادية
من المؤكد لهذا الموضوع آثار اقتصادية أولها تعطيل القدرة التمويلية للمصارف ويتجلى ذلك في ارتفاع نسبة الديون غير المحصلة الذي يؤثر مباشرة على سيولة المصارف وقدرتها على الإقراض.
وتجميد أصول استراتيجية فالرهانات العقارية أو الصناعية أصبحت بلا قيمة فعلية، مما أضعف قدرة الاقتصاد على التدوير الفعلي للأصول، وتراجع الثقة المالية فالمستثمرون والممولون يفقدون الثقة بمنظومة الإقراض المحلية بسبب ضعف السداد وتضخم المخاطر.
مقترحات
يقترح د.قوشجي عدة مقترحات قد تسهم في التخفيف أو المعالجة منها إعادة تقييم الضمانات يجب مراجعة قيمة الأصول المرهونة بناءً على واقع السوق الجديد، وتقديم تسهيلات لإعادة هيكلتها بما يتوافق مع القدرة الفعلية للسداد، وإنشاء صندوق تعافي للديون المتعثّرة، ويمكن إنشاء آلية تشاركية بين الدولة والمصارف والجهات الدولية لإدارة هذه الديون، مع خصومات على الفوائد والغرامات.
برامج السداد المشروط بالإنتاج، كإيقاف فوائد وغرامات التأخير وإعادة جدولة الديون مع إعفاءات التسديد لمدة محددة يستطيع المقترضون قروضاً شخصية من إيجاد مصدر دخل يمكنهم من سداد الديون، وتقديم تسهيلات مالية جديد مع جدولة الديون القديمة للمنشآت المدمّرة أو المتوقفة، مشيراً إلى أهمية الربط بين إعادة تشغيلها وخصم فوائد وغرامات التأخير الماضية بشكل تدريجي مقابل الإنتاج الفعلي.
إصلاح مؤسسات القروض
وختم حديثه لـ (الحرية ) بقوله: إن معالجة أزمة الديون المتعثّرة لا تكون بحلول ظرفية بل بتأسيس منظومة مالية وتشريعية تستوعب الأزمات وتُعيد إنتاج القروض كأداة تنمية، وليس عبئًا دائمًا، فالمطلوب هو إصلاح مؤسسات الإقراض، وتطوير سياسات تمويل مرنة، تُراعي الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمقترضين، وتسهم في تحفيز التعافي الشامل.