خالد الجيوسي:
تبدو الرغبة التركيّة في إعادة الماضي المجيد للدولة العثمانيّة مُتجدّدة الظهور، إن كان في طريقة التدخّل بالشؤون الداخليّة للدول العربيّة والإسلاميّة المُحيطة، أو عن طريق إعادة رموز كنسيّة وتحويلها إلى مساجد، وأخيرًا التقاط كُل ما يُمكن أن يُعزّر الحُضور التركي، وعلى طريقة العثمانيين، إعلاميّاً.
المشهد القادم من تركيا هذه المرّة، كان لافتاً بل ومُقلقاً لبعض الدول، فقناة (TGRT) الحُكوميّة، قامت بعرض خريطة نفوذ، تتضمّن توسّعاً تركيّاً على حساب دول عربيّة، وأخرى ما وراء القوقاز، واللافت أن النفوذ التركي، شمل دولاً مثل الأردن، والسعوديّة، ومصر، وسورية، وأظهرته القناة الحُكوميّة باللون الأحمر.
هذه الخريطة لم تكن من بنات أفكار المحطّة التركيّة، بل تحليلات وردت في كتاب بعُنوان 100 سنة قادمة، ضمن توقّعات للكاتب الأمريكي جورج فريدمان، وهو مُؤسّس مركز “ستراتفور” للأبحاث في مجال السياسة الدوليّة، والمركز هو مركز دراسات استراتيجي وأمني يُعنى بقطاع الاستخبارات، ووفقاً لصحيفة “زمان” التركيّة فإنّ هذا المركز تُطلق عليه الصحافة الأمريكيّة اسم “وكالة المُخابرات المركزيّة في الظّل”، ومُعظم خبراء هذا المركز هُم ضبّاط ومُوظّفون سابقون في الاستخبارات الأمريكيّة.
الخريطة فور نشرها أثارت جدلاً، ولغطاً على المنصّات، كما على صعيد الدول، فهي تتحدّث عن خريطة حدود تركيا المُفترضة بحُلول العام 2050، وضمّت مناطق روسيّة، كشبه جزيرة القرم، وكوبان، ومنطقة روستوف، وجمهوريّات شمال القوقاز، وهو ما استرعى انتباهاً وتعليقاً روسيّاً بالخُصوص.
وبحسب وكالة “سبوتنيك” الروسيّة، فإنّ النائب الأوّل لرئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما ألكسندر شيرين، دعا حُكومة بلاده للنظر إلى الأمر بموقف جدّي، ومُنوّهاً إلى أن تركيا بعد عمليّة ناجحة في قره باغ، آمنت تماماً بقوّتها، وبالتالي فهي تُشير رسميّاً، إلى أين ستذهب بعد ذلك.
أمّا النائب الأوّل لرئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما أندريه كراسوف، فقال إنّ القيادة التركيّة لديها أفكار حول إعادة بناء الإمبراطوريّة العثمانيّة، لكنّه شكّك في أنّ أنقرة تُريد ضم الأراضي الروسيّة بالقوّة.
وفيما شَمِل النفوذ التركي المُفترض 2050، حتى دول الخليج العربي، ودول من شمال إفريقيا، بقيت فلسطين المُحتلّة “إسرائيل” مُستثناةً من أي تغيير، ولم يشملها اللون الأحمر التركي، وبقيت على حالها دوناً عن دول المنطقة، وهو ما يطرح تساؤلات حول المركز الأمريكي “ستراتفور” الذي أصدر تلك التوقّعات ونواياه وتوقّعاته وتحقّقها بناءً على وقائع، وتجنّب إغضاب دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث الأخيرة كانت قد غضبت على مُستوى مسلسل درامي مصري، تحدّث عن نهايتها في أحداث ما بعد مئة عام، وتحرير الأقصى، والمُقدّسات.
ولم تكن إيران إيضاً من ضمن النفوذ التركي الأحمر الذي أظهرته الخريطة المُفترضة.
ومن جهتهم هاجم نشطاء ومُغرّدون خليجيّون ومصريّون، الخريطة التركيّة المُفترضة، وحذّروا من أطماع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في بلادهم، ووجوب التصدّي له.
ولم يصدر تعليق رسمي من قبل الحكومة التركيّة على نشر هذه الخريطة على شاشة إعلام محليّة حتى كتابة هذه السّطور، ولكن مع الرقابة الشديدة التي تطال وسائل الإعلام في تركيا، وتراجع مُستوى حريّة الصحافة وفق تصنيفات عالميّة، يُرجّح مُعلّقون أن يكون نشر الخريطة مقصودًا، ومُتعمّدًا.
ويبدو أنّ الاهتمام الروسي بالخريطة المُفترضة، يشي بأنّ الأمر يتعدّى التوقّعات السياسيّة لمئة عام، وأنّ روسيا أرادت إرسال رسائل تدل على يقظتها، في حال كان العمل جارٍ في أنقرة على تحويل هذه الخريطة إلى واقع فِعلي العام 2050.
(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم14-2-2021)