- وليد شرارة
- الخميس 26 تشرين الثاني 2020
إذا كانت «السياسة هي الفريق»، فإن فريق إدارة جو بايدن، والذي يتصدّره خرّيجو «دولة الأمن القومي»، يؤشر إلى استمرار اتّباع السياسات الإمبراطورية، وأولاً ضدّ الصين. على أن ما يميّز مقاربة بايدن هو ضرورة إنشاء تحالف واسع بقيادة واشنطن لمواجهة بكين واحتوائها
هل الولايات المتحدة والصين محكومتان بالصدام؟ هذا ما يخشاه غراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد والذي كان أحد ملهمي السياسة الخارجية التي اتبعها الرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي أصدر عام 2017 كتاباً بعنوان «محكومون بالصدام: هل تستطيع أميركا والصين تجنّب فخّ توسيديد؟»، أثار نقاشاً واسعاً في الولايات المتحدة والعالم. توسيديد هو المؤرّخ الإغريقي المعروف، ومؤلّف أحد أهمّ الكتب الكلاسيكية عن الحرب والسياسة، «حرب البيلوبونيز»، عن الصراع المرير بين أثينا وإسبارطة، وتعبير «فخّ توسيديد» يُستخدم للإشارة إلى سياق تاريخي تلجأ فيه قوة مهيمنة إلى الحرب لوقف صعود قوة تُصنّفها منافسة خوفاً من تداعيات هذا الصعود على موقعها في رأس هرم النظام الدولي. الأمثلة التاريخية على اندلاع حروب نتيجة لمخاوف من هذا النوع لدى الأطراف المهيمنة كثيرة، ويُحذّر أليسون من مغبّة انجرار الولايات المتحدة إلى حرب مع الصين بسببها.
ستتابع الصين تطوير مشروع «الحزام والطريق» لإفشال استراتيجية التطويق والحصار الأميركية
في سياق كهذا، أي سياق تراجع احتكار الولايات المتحدة لجميع مقوّمات القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وانتشار هذه المقوّمات بين لاعبين آخرين، ودخول النظام الدولي بفعل ذلك في مرحلة انتقالية مليئة بالمخاطر، يصل بايدن وفريقه إلى سدّة القرار. لم يخفِ الرئيس الأميركي المقبل تشدّده الكبير حيال الصين في جميع مواقفه المعلنة، ونيته إعادة اللحمة إلى معسكر «الديمقراطيات»، وفي مقدّمتها تلك الغربية، لمواجهة بكين. ليس من المستغرب أن يدافع مَن كان نائباً للرئيس الذي دشّن استراتيجية «الاستدارة نحو آسيا» عن مواقف كهذه، وأن يدعو إلى «قمّة من أجل الديمقراطية» مع جميع حلفاء بلاده، للتصدّي لتنامي وزن النُّظم والقوى «الاستبدادية» ونفوذها، وما يعنيه ذلك من تهديد لهم. وعلى الرغم من أن هذا التصنيف قد يتّسع ليشمل أطرافاً دولية وغير دولية كثيرة، فإن الصين على رأس القائمة بلا ريب. هو تغليف أيديولوجي لهدف جيوسياسي بامتياز، تماماً كما كانت الولايات المتحدة تتذرّع بمكافحة الشيوعية والنفوذ السوفياتي لبناء تحالفات عريضة تحت قيادتها ضدّ حركات التحرّر الوطني في بلدان الجنوب. حتى المفكّر السياسي الأميركي المحافظ، كوالتر راسل ميد، رأى في مثل هذه الدعوات استعادة لخطاب الحرب الباردة عن المعركة الحتمية بين الديمقراطية والشمولية. قد يكون أبرز ما يُميّز مقاربة بايدن تجاه الصين عن تلك «الترامبية»، هي أنها تستند أساساً إلى ضرورة إنشاء تحالف واسع بقيادة الولايات المتحدة، على قاعدة مشتركات أيديولوجية ومصلحية، لمحاصرتها واحتوائها، بينما افترضت الثانية إمكان الاضطلاع بهذه المهمّة من دون الالتفات إلى ضرورة إقناع حلفاءَ عامَلهم ترامب بازدراء لا سابق له، وظنّ أنهم سيسارعون للاصطفاف خلف بلاده بلا شروط.
اختيار طوني بلينكن، الذي أمضى مراهقته في فرنسا، بعد أن تزوجت والدته المحامي الفرنسي – الأميركي صامويل بيزار، الناجي من معتقل أوشفيتز النازي، والخبير بالعلاقات بين ضفّتَي الأطلسي، والمتحمّس لتعزيز التحالف الأورو-أميركي، لمنصب وزير الخارجية، يندرج في إطار الاستراتيجية العامة الهادفة إلى مثل هذا التعزيز. ويُظهر التناغم الأوروبي مع توجّهات إدارة بايدن حيال الصين، والذي تَبدّى بوضوح في المقال المشترك لوزيرَي الخارجية الفرنسي والألماني في صحيفة «لوموند» في الـ16 من الشهر الحالي، فرصاً لنجاح سياسة رأب الصدع بين ضفّتَي الأطلسي المتّبعة من قِبَل هذه الإدارة. إذ اعتبر الوزيران أن «الصين ستبقى بالنسبة إلى إدارة بايدن نقطة التركيز الرئيسة في سياستها الخارجية. هي بنظرنا شريك ومنافس وخصم نظامي. مصلحتنا تقتضي تالياً أن نتوحّد لمجابهة صعودها بطريقة براغماتية، مع الاحتفاظ بقنوات تتيح التعاون الضروري في مجالات التحدّيات الشاملة كجائحة كورونا والتَّغيّر المناخي». يُكرّر الوزيران بشكل شبه حرفي ما ورد في مقالة بايدن في «فورين أفيرز» في شباط/ فبراير 2019 عن هذا الموضوع. وسيكون لبلينكن، الذي عمل وبقية المعنيّين بالسياسة الخارجية في فريق بايدن مع مؤسسات الدولة العميقة الأميركية والمنسجم مع رؤيتها للصين، دورٌ محوريّ في إدارة الصراع «المعقّد» معها. وهو كان قد أكد، في محاضرة في شهر تموز/ يوليو من هذا العام أمام «هدسون أنستيتيوت»، أن واشنطن «عندما تعمل مع الحلفاء والشركاء، ارتباطاً بِمَن ننجح في ضمّه إلى تحالفنا، ستقود دولاً تُمثّل مع بعضها 50 إلى 60% من الناتج الإجمالي العالمي. هذا وزن هائل لا يمكن للصين أن تتجاهله». بكلام آخر، نحن أمام استراتيجية احتواء أقلّ فظاظة من تلك المتّبعة من قِبَل إدارة ترامب، وضدّ خصم يمتلك قدرات ونفوذاً أضخم بما لا يقاس من الاتحاد السوفياتي، وفي سياق دولي مختلف نوعياً.
التعليقات والتحليلات الصادرة من بكين تتّسم بالتفاؤل الحذر، لأن «أيّ وزير خارجية سيكون أفضل من بومبيو» وفقاً لجيان كنغو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بكين، في مقابلة أجرتها معه «ساوث شاينا مورنينغ بوست». ستتابع الصين تطوير مشروع «الحزام والطريق» لإفشال استراتيجية التطويق والحصار الأميركية، وتنمية الشراكات وتطويرها، بما فيها مع الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في جوارها ومحيطها كما اتضح خلال قمة آسيان الأخيرة، والتي شاركت فيها بلدان كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا والهند، وانتهت بتوقيع أكبر اتفاقية للتجارة الحرّة في العالم. تعظيم المصالح المشتركة مع الجوار، بما فيه دول حليفة لأميركا، هو رهان الصين لدفع هذه الأخيرة إلى الابتعاد قدر المستطاع عن استراتيجية الاحتواء والتطويق الأميركية. يتلازم هذا التوجّه مع مضيّ بكين في تطوير ترسانتها العسكرية النوعية، الصاروخية والنووية، وتقوية الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، في مقابل عدوانية أميركية قد تتحوّل وسائلها وأساليبها، من دون تغيّر أهدافها المتعارضة مع مصالح الصين الوطنية وأمنها القومي.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)