لم تكَد الكُتل النيابية تُنهي مشاوراتها غير المُلزمة مع الرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، حتى سارعَ الأخير إلى تقديم تشكيلته لرئيس الجمهورية ميشال عون صباح أمس. خطوة ميقاتي التي أراد منها الإيحاء بإصراره على تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت مُمكِن، لم تكُن سوى «فخّ» يريد رئيس حكومة تصريف الأعمال عبره القول، في الشكل، إنه يقوم بواجباته الدستورية على أكمل وجه. لكنه، في المضمون، يُدرِك جيداً أن التشكيلة التي حملها إلى القصر الجمهوري ستكون مرفوضة حتماً، وبذلك يتهم عون وفريقه بأنهم يعطّلون التأليف.
لم يُخيّب ميقاتي ظنّ القوى السياسية التي توقعت، خلال الاستشارات، أن يكون الرئيس المكلف منخرطاً في عملية تدمير ما تبقّى من عمر «العهد». وما خرج من توقعات خلال اليومين الأخيرين لم يكُن مبالغات، بل نتيجة لارتفاع منسوب الشك لدى بعض القوى السياسية تجاه ميقاتي نتيجة الإشارات المتناقضة التي أطلقها، فضلاً عن محاولاته المستمرة الإيحاء بأنه يرفض التعاون مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
ما حصل أمس يطرح سؤالاً عمّا إذا كانت هذه الخطوة تفتح الباب أمام حل قسري لأزمة الحكومة أو أمام مرحلة جديدة من المواجهة تقود لبنان الى فوضى غير مسبوقة؟
فقد ظهر من التشكيلة الحكومية التي تسرّبت أن ميقاتي لم «يُضيّع وقته في دراسة المطالب التي أودعتها الكتل النيابية لديه أو تصورها لشكل الحكومة»، وقدّم، كما توقّعت أوساط سياسية قبلَ أيام، تشكيلة هي عبارة عن تعديل وزاري، إذ أبقى على الحكومة السابقة مكتفياً بتبديل أسماء بعض الوزراء، واضعاً سنياً (وليد سنو) لوزارة الطاقة بدلاً من الوزير وليد فياض، وأعطى وزارة الاقتصاد إلى الأرمن (الوزير الحالي جورج بوشكيان الذي يشغل حقيبة الصناعة)، فيما أعطيت الصناعة إلى الطائفة الدرزية (وليد عساف)، وصارت وزارة المهجرين من حصة الأرثوذكس (النائب سجيع عطية)، وبقيت وزارة المالية مع الشيعة لكنه استبدل يوسف الخليل بالنائب السابق ياسين جابر.
مصادر القصر الجمهوري لم تصرّح عن موقف رسمي للرئيس عون، إلا أن أجواء بعبدا غير مرتاحة لخطوة الرئيس المكلف، وخصوصاً أن رئيس الجمهورية كان قد حاول التفاهم معه على شكل الحكومة في الجلسة الثنائية التي عقداها في بعبدا الأسبوع الماضي، والتي أبلغ فيها عون ميقاتي نتائج الاستشارات النيابية الملزمة.
ونُقل عن ميقاتي أمس أن التشكيلة التي قدّمها تحظى بدعم الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وكتل نيابية جديدة؛ بينها كتلة عكار وحزب الطاشناق، فيما لن يعترض حزب الله على تشكيلة لا تمس حصته. وأوضحت المصادر أن المبادلة بين المواقع السنية والأرثوذكسية والأرمنية التي أجراها ميقاتي في وزارات الطاقة والاقتصاد والمهجرين، «جرت بما يرضي كل الأطراف»، وأنه «رشّح لوزارة الطاقة وزيراً يُمكنه التفاهم معه وليس تحت وصاية أي جهة سياسية»، كما يتهم ميقاتي الوزير الحالي وليد فياض. ونقلت المصادر عن الرئيس بري موافقته على تعيين جابر وزيراً للمال كونه واكب كل الاجتماعات المخصصة للوضعين المالي والنقدي، سواء من خلال لجنة المال والموازنة أو من خلال المناقشات الجانبية مع الجهات اللبنانية والدولية، وهو مطّلع على خطة الحكومة للتعاون مع صندوق النقد الدولي.
الرئيس المكلف منخرط في عملية تدمير ما تبقّى من عمر «العهد»
غير أن واقع الأمر لا يشي بهذه الإيجابية. بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، فقد «تعمّد ميقاتي النيل من التيار بانتزاع وزارة الطاقة منه، فيما لم يجرؤ على الاقتراب من وزارة المالية». وقالت مصادر قريبة من التيار إن باسيل «أكّد مراراً أنه غير متمسّك بوزارة الطاقة، لكنه يدعم المداورة في كل الحقائب، لا أن يقتصر الأمر على جهة سياسية واحدة وعلى طائفة بعينها بما يعكس كيدية سياسية». ورأت المصادر أن ما جرى أمس «يؤكد صوابية قرار التيار بعدم تسمية الرئيس ميقاتي لتأليف الحكومة».
وبحسب مواقف وآراء قوى كثيرة، فإن «تشكيلة ميقاتي» تؤشر الى مواجهة كبيرة يستهدف من خلالها الرئيس عون. إذ إنه في حال رفض رئيس الجمهورية التشكيلة سيُتهم بعدم تسهيل تشكيل حكومة جديدة، وسيترافق الأمر مع ضغوط إضافية على لبنان داخلياً وخارجياً، وربما دفع الأمور نحو مزيد من التدهور الاقتصادي والمالي. أما في حال موافقته، فيكون قد سلّم أمور البلاد الى تحالف مجموعة من الخصوم؛ أبرزهم بري وجنبلاط وميقاتي.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار