| حسن حردان
يبدو من الواضح أنّ ما سُمّي بالوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، يتعمّد إطالة الوقت في الردّ «الإسرائيلي» على العرض اللبنانيّ لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وفلسطين المحتلة، وأنّ هذا التعمّد من قبل هوكشتاين يندرج في سياق خطة مدروسة لتوظيف جملة من العوامل والضغوط للتأثير على الموقف اللبناني الرسمي ممثلاً برئيس الجمهورية ميشال عون، لإرهابه وفرض صيغة اتفاق يحقق أقصى ما يمكن من الأطماع «الإسرائيلية» في ثروات لبنان في مياهه الاقتصادية الخالصة…
ملامح هذه الخطة التي تصبّ في تعزيز الموقف الأميركي بالضغط على لبنان، باتت، حسب ما رشح مؤخراً من مواقف ومعلومات، تتجسّد بتحريك أدوات الضغط الأميركية التالية:
أولاً، الدول الغربية صاحبة المصلحة الأولى بسرعة البدء باستخراج الغاز والنفط من حقل كاريش، فهذه الدول معروف عنها بأنها تؤيد «إسرائيل» في سياساتها العدوانية التوسعية وأطماعها في فلسطين والأراضي والثروات العربية، وهي من يمدّ «إسرائيل» منذ نشأتها بكلّ وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي إلى جانب الولايات المتحدة الداعم الأكبر لـ «إسرائيل»… وفي الموقف من قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة من الطبيعي أن نجد هذه الدول تتراصف خلف الموقف «الإسرائيلي»، وتتحرك لتقديم الدعم له لتمكينه من تحقيق أطماعه، وتجسّد ذلك مؤخراً من خلال المعلومات التي تحدثت عن تحرّك سفن حربية غربية إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها لإظهار جدية الغرب في الوقوف مع الموقف الإسرائيلي ودعمه في سرقة نفط وغاز لبنان، والعمل على إيصال رسائل التحذير إلى لبنان من مغبة عرقلة عمليات استخراج الطاقة من حقل كاريش لأنّ الدول الأوروبية بحاجة إلى هذه الطاقة، وعلى لبنان أن يتوصل إلى تسوية مع «إسرائيل» يقبل بها بالتنازل عن جزء كبير من حقوقه وثرواته… كي يُسمح له البدء بعمليات التنقيب واستخراج الغاز والنفط في المناطق التي تقبل «إسرائيل» بالتخلي عن المطالبة بها…
ثانياً، الأمم المتحدة التي لا تزال مؤسّساتها تخضع للهيمنة الأميركية، تعمل هي الأخرى بتحريض أميركي، للعب دور مكمل للدور الأميركي في الضغط على لبنان، للقبول باتفاق ينسجم مع ما تريده «إسرائيل» ويسوّق له الوسيط الأميركي.. وتجسّد هذا الدور للأمم المتحدة في الاتصالات التي أجرتها منسقة الأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرونتسكا مع كلّ من المسؤولين اللبنانيين و»الإسرائيليين»… وقيامها بتسويق الموقف «الإسرائيلي»…
ثالثاً، استثمار واشنطن للأزمة في لبنان، والصراعات الداخلية التي تقف وراء تسعيرها، بغرض إثارة الفوضى وتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، وتوجيه الاتهامات إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالمسؤولية عن ذلك في سياق زيادة منسوب الضغط على العهد لإرباك موقفه من مسألة ترسيم الحدود البحرية والذي يتعارض مع الطرح الأميركي «الإسرائيلي»، وبالتالي ربط تسهيل الحلّ الداخلي للأزمة الاقتصادية والسماح للبنان البدء بالتنقيب والاستخراج، وحلّ الأزمة السياسية، بتليين موقف الرئيس عون التفاوضيّ وتقديمه التنازلات عن جزء كبير من حقوق وثروات لبنان لمصلحة الكيان الصهيوني الغاصب.. وفي هذا السياق يمكن وضع التحرك الذي بدأته بعض القوى والأطراف المحلية التابعة لواشنطن، عبر استئناف الحملة الممنهجة ضدّ العهد، وتحميل الرئيس عون مسؤولية الأزمات التي تعاني منها البلاد، بهدف زيادة منسوب الضغط على العهد لوضعه بين خيارين:
الخيار الأول، الرضوخ للمطلب الأميركي وتقديم التنازلات بشأن ترسيم الحدود البحرية…
الخيار الثاني، أو مواجهة المزيد من الضغوط عشية اقتراب موعد انتخابات رئاسة الجمهورية وانتهاء عهد الرئيس عون، وتحميله مسؤولية الفشل والفوضى والأزمات…
رابعاً، توظيف كلّ ما يمارَس من ضغوط على لبنان، من قبل الوسيط هوكشتاين، لأجل العمل على استثمارها في ممارسة أقصى الضغط على الرئيس عون لانتزاع التنازلات منه.. حيث أفادت المعلومات الصحافية، التي لم يتمّ تأكيدها رسمياً بعد، أنّ هوكشتاين أجرى اتصالاً بالرئيس عون أبلغه فيه تبني واشنطن بالكامل للموقف «الإسرائيلي» الذي يطالب لبنان بالتسليم لـ «إسرائيل» بكامل حقل كاريش والجزء الأكبر من حقل قانا وبعض أجزاء الخط 23، مقابل حصول لبنان على جزء بسيط من قانا والخط 23…
هذه الخطة الأميركية التي بوشر في تنفيذها تراهن على دخول لبنان في مرحلة فقدان الوزن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ودخوله في أزمة انتخاب رئيس جديد، وانتهاء عهد الرئيس عون، وبالتالي تأجيل المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد، الأمر الذي قد تستغله «إسرائيل» المدعومة أميركياً وغربياً لأجل البدء بعمليات استخراج الغاز والنفط وبالتالي سرقة ثروات لبنان…
لهذا فإنّ هذا الخطر الداهم إنما يستدعي أعلى درجات اليقظة والاستنفار من قبل لبنان الرسمي والوطني، وبالدرجة الأولى العهد لقطع الطريق على هذه الخطة الأميركية «الإسرائيلية»، والعمل سريعاً بالردّ على الخطة المذكورة، بوضع أوراق قوة لبنان على الطاولة، وهي:
1 ـ تعديل المرسوم 6433 الذي يعتبر الخط 29 حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة لمنع العدو الصهيوني من البدء بعمليات استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش.
2 ـ إعلان حقّ لبنان باستخدام كلّ أشكال المقاومة للدفاع عن حقوق ومنع العدو من الاعتداء عليها، وهذا سيكون كافياً كي تقوم المقاومة بالتعاون والتنسيق مع الجيش لتولي مهمة ردع العدو الصهيوني والسفينة الدولية من القيام بأيّة عمليات استخراج للغاز والنفط من حقل كاريش إلى أن يتمّ الاتفاق عبر المفاوضات غير المباشرة على تحديد الحدود البحرية والتسليم بحقوق لبنان…
3 ـ إعلان الاستنفار الوطني لدعم موقف لبنان في الدفاع عن حقوقه الوطنية في مياهه الاقتصادية الخالصة، باعتبار ذلك معركة وطنية تعني كلّ اللبنانيين وتشكل أملهم في الخروج من أزماتهم ووضع حدّ للابتزاز الأميركي الغربي لمصلحة كيان العدو الصهيوني…
إنّ لبنان إذا اعتمد مثل هذا الردّ وبسرعة فإنه قادر عندها على انتزاع حقوقه ومنع العدو من سرقتها، لأنه يمتلك القوة القادرة على ردع العدو، كما قال قائد المقاومة السيد حسن نصرالله…
(سيرياهوم نيىز3-البناء1-7-2022)