آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » خطة الاحتواء الأميركية قيد التطبيق

خطة الاحتواء الأميركية قيد التطبيق

سعد الله مزرعاني

 

تناولنا في المقالة السابقة، السبت الماضي، البنود الأساسية التي بلورها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في جولته الأخيرة على عدد من الدول المعنية، الإقليمية والعربية. لم يكذِّب الأميركيون خبراً. ها هو مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، جيك سوليفان، يعلن، رسمياً، الثلاثاء الماضي، في مؤتمر دافوس، الأهداف الرئيسية الثلاثة لهذه الخطة وفقاً للترتيب الآتي:1- التطبيع الإقليمي مع إسرائيل (كل الإقليم!).

2- ضمان أمن إسرائيل.

3- إقامة دولة فلسطينية.

ينبغي تكرار التأكيد أن وظيفة هذه الخطة تمكين العدو الصهيوني أن يحقق، عبر المفاوضات والمناورات والضغوط الأميركية والأطلسية والخليجية، ما لم يستطع تحقيقه عبر سياسة القتل والتدمير والتهجير والتجويع… والإبادة. لقد منيت القيادة الإسرائيلية بخسائر عسكرية واقتصادية ومعنوية وأخلاقية فادحة. هي أصبحت بحاجة، فعلاً، إلى تدخّل إنقاذي: من نفسها ومن أخطائها، أولاً، وثانياً، لإنقاذ مصالح واشنطن والغرب الاستعماري، نتيجة الخسارة الإسرائيلية، باعتبار أن إسرائيل هي، قبل كل شيء، أداة مهمة في مشروع الهيمنة الغربية الاستعمارية على منطقة مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، ونسخته الترامبية، مشروع «صفقة القرن»… وما قبلهما وبعدهما.

تتميَّز الخطة الأميركية المذكورة بأنها قد تبلورت كخطة لواشنطن ولتل أبيب (رغماً عن جموح وجنون حكومتها الراهنة)، وللقوى الحليفة المحلية والإقليمية، وخصوصاً منها الأطراف العربية التي طبّعت قديماً أو حديثاً مع الدولة العبرية، أو هي على وشك أن تفعل ذلك. لهذا السبب الجوهري، ونظراً إلى الخسائر والمخاطر الناجمة عن الإخفاق الإسرائيلي، فقد اقترنت محاولة بلورة الخطة بخطوات سريعة للمباشرة في تطبيقها، أو في توفير شروط ومستلزمات ذلك. وهكذا، على سبيل المثال، وبعد تمهيد وتأكيد، طالب بلينكن قيادة السلطة، في زيارته الأخيرة لرام الله، بضرورة تسمية نائب لرئيس السلطة – تجسيداً للشعار الذي ردده مراراً حول أهمية «تجديد» السلطة الفلسطينية. يقترن بذلك تشكيل «حكومة تكنوقراط» تقتطع صلاحيات أساسية من صلاحيات رئيس السلطة، وخصوصاً في حقول الأمن والعلاقات الخارجية والاقتصاد. وإذا ما ربطنا ما بين اندفاع حكام دولة الإمارات في تعميق وتوسيع التطبيع مع إسرائيل، وإذا ما أشرنا إلى أهمية إعادة إعمار قطاع غزّة الذي دُمّر بنسبة تزيد عن 50%، فإن الظن يذهب، منطقياً، إلى أن نائب الرئيس، أو رئيس الوزراء المقبل، سيكون الفتحاوي المنشق والمشبوه، محمد دحلان، أو من هو على شاكلته. تؤكد كل المعلومات، بأنه حتى الإفراج عن أموال «المقاصة» من الضفة الغربية، والتي هي عائدات ضرائبيّة تحتكر جبايتها حكومة العدو، مشروط، أميركياً، بموافقة رئيس السلطة وفريقه على الخطة الأميركية!

أمَّا في الشق المتعلّق بـ«حماس» والمقاومة عموماً في قطاع غزة، فتؤكد الخطة على: منع «حماس» والمقاومة من تثمير انتصارها، والعمل على إخراجها وإبعادها من وعن «القطاع». وليس صدفة أن المقترح القطري الأخير قد تضمن إخراج القائدين القسّاميين يحيى السنوار ومحمد الضيف ضمن صفقة التبادل المقبلة! يتزامن مع ذلك (عملياً) إسقاط الحكومة الإسرائيلية، برئيسها ومتطرفيها، بسبب فشلها وعنادها وعدم تعاونها. طبعاً، سيجري تصوير هذا الأمر وكأنه توازن في التعامل مع القيادتين في تل أبيب وغزة! هذه معادلة مُخِلَّة جوهرياً بالتأكيد: مصادرة الانتصار ومعاقبة المنتصر صاحب الحق، ومساواته بالمهزوم المحتل والمجرم الذي بات يشكل عبئاً على أصحاب الخطة. هؤلاء يعملون بدأب وإصرار وضغوط وتـآمر، لضمان مصالح العدو الأساسية، وبالتالي، مصالح واشنطن وفريقها: رغم هزيمة العدوان الإرهابي البربري الذي كانوا فيه داعمين وشركاء للكيان الصهيوني. وقد جرت الإشارة إلى هذه المعادلة (أي إبعاد قادة غزة وتغيير حكومة تل أبيب)، في الإعلام السعودي، بوصفها مصلحة أو مطلباً فلسطينياً وعربياً!

يتصل بإبعاد المقاومة عن القطاع، توفير إشراف إقليمي، من قبل الدول التي وافقت على «الالتزام» بالخطة، كما أعلن بلينكن في المرحلة الأولى من جولته الأخيرة: أي تركيا والسعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر. والإشراف المذكور سيمتد إلى الضفة الغربية لفرض «التجديد» المطلوب أميركياً. وفي الوقت نفسه، لبعث الحياة في التطبيع القائم، بعد أن تراجع وأُحرج نتيجة عملية «طوفان الأقصى»، وما استتبعها من هزائم وجرائم إسرائيلية. سيجري كل ذلك تحت لافتة «حل الدولتين». لهذا الغرض استُحضر قرار القمة العربية في بيروت عام 2002. ذلك القرار طالب بـ«الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967، مقابل الاعتراف العربي الكامل» بدولة العدو. كان القرار، في الواقع، تبنياً للاقتراح السعودي الذي قدّمه، باسم المملكة وضغطَ من أجل إقراره، الأمير عبدالله ولي العهد السعودي آنذاك.

في ظل هذه الخطة، وكجزء منها، للاحتواء ولتبرير توسيع وتعزيز التطبيع، تصبح «الدولة الفلسطينية»، كما في عنوان وخطة بلينكن وسوليفان، دولة تابعة وخاضعة ومرتهنة مباشرة (أو مداورة) لواشنطن وتل أبيب وحلفائهما، عبر قيود وإجراءات والتزامات وابتزاز وممثلين «جدد»، من ضمن خطة الهيمنة الأميركية، وكإحدى «ضمانات» أمن الكيان الصهيوني الموعودة!

تصطدم هذه الخطة بإصرار نتنياهو على مواصلة المعركة، وفقاً للصيغة القائمة، آملاً تحقيق انتصار يجنبه الهزيمة والعقاب. ثم إن نتنياهو مرتهن، في بقائه وموقفه، للطرف الأكثر عنصرية وغلواً في فريقه الحاكم. شكّل هذا الأمر، وخصوصاً بعد تلاحق الهزائم، عنصر إرباك لواشنطن التي انتقلت قيادتها إلى المطالبة، علناً، بتغيير الحكومة الإسرائيلية، بعد أن كانت تطالب، من دون جدوى، بتغيير بعض مواقفها.

هذه الخطة تصطدم، أيضاً، بعوامل أعند بعد انكشاف الدور الأميركي: في مرحلتي الإبادة، ثم العجز والإخفاقات والهزائم والسقوط المعنوي والأخلاقي لإسرائيل وواشنطن خصوصاً. ليس من السهل عزل المقاومة في غزة، ولا إخماد المقاومة المتنامية في الضفة شعبياً وسياسياً وعسكرياً، ما يعد بانتفاضة كبرى إذا ما استمر التصعيد الإرهابي الإسرائيلي. الشعب الفلسطيني مستنفر ومدرك لحجم ما حققه من انتصار، وما تكبده من خسائر هائلة، وما يُحاك ضده من مكائد ومؤامرات: لتبديد بطولاته، وتضييع تضحياته، وإثارة الانقسام في صفوفه، وتصفية قضيته. المعركة مفتوحة وشاملة. والخطة الأميركية ينبغي أن تُواجه بخطة تحررية مضادة متكاملة: جدية، وجذرية، وجديرة ببطولات وتضحيات الشعب الفلسطيني، وبمواجهة مؤامرات ومشاريع الفريق الأميركي. أمّا فلسطينياً، فمن المفيد والحيوي جداً الإصغاء إلى مُقترح، أكثر من ردده أخيراً د. مصطفى البرغوثي: تشكيل حكومة ثورية فلسطينية مؤقتة، واحدة وموحَّدة، تقود كفاح الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الانعطافية والمصيرية.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قيادي بحركة “حماس”: لا صفقة تبادل مع إسرائيل دون وقف الحرب على غزة وهناك اتصالات لتحريك المفاوضات ونتنياهو العقبة

قال القيادي في حركة “حماس”، خليل الحية، إن اتصالات تجري حاليا لتحريك ملف المفاوضات، مؤكدا أن الحركة تبدي مرونة تجاه ذلك، وأنه لا صفقة تبادل ...