الرئيسية » عربي و دولي » خطة محلية ــ خارجية لعزل التيار الوطني

خطة محلية ــ خارجية لعزل التيار الوطني

| ابراهيم الأمين

كان من الصعب الحديث، قبل أسبوعين أو أقل، عن التوترات الكبيرة الكامنة في الشارع المسيحي. كان الكلام سيبدو كأنه تحريض أو مقدمة لأحداث ما. لكن الوقائع التي تلت الانتخابات النيابية الأخيرة، وطريقة التعامل مع ملف الحكومة التي لم تشكّل، والاستنفار الذي رافق مغادرة الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري، كل ذلك، كان يشي، إلى جانب بعض المعطيات، بأن هناك من لا يدرك حقيقة أن «الساحة المسيحية» هي الأكثر عرضة لتكون ساحة لتصفية حسابات سياسية تتجاوز مصالح ومطالب القوى المسيحية نفسها.

عندما اندلعت أحداث 17 تشرين، لم يكن هناك من إجماع فعلي، لا لفظي، لغالبية الفاعلين في هذا الحراك، سوى الحملة على باسيل. ومع الوقت انحسرت الموجة الاعتراضية على «كلن يعني كلن»، وبقيت المعركة مفتوحة ضد التيار وعون وباسيل وصولاً إلى الاعتداء المباشر عليهم بلغة غريبة بعض الشيء. وترافق ذلك مع إعلان السعودية الحرم على أي علاقة مع عون وباسيل، ومعاقبة سعد الحريري على أي تعاون معهما أو مع حزب الله، ثم جاء الأميركيون بقرار معاقبة باسيل بعد تهديده وتخييره بين العقوبات وبين العلاقة مع المقاومة.
عملياً، لم تتوقف حملة الشيطنة ضد التيار وعون وباسيل، لكنها أخذت بعداً مختلفاً بعد الانتخابات النيابية، لأن ملايين الدولارات، والدعاية اليومية على مختلف الصعد، لم تدفع التيار إلى موقع الخاسر نيابياً. ورغم أن خصومه حصدوا أصواتاً ومقاعد أكثر في الوسط المسيحي، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لجعل التيار في عزلة تمنع عليه المشاركة في إدارة أي حكومة جديدة. لذلك، كان القرار بأن يكون الأداء في الأشهر الأخيرة من ولاية عون مشابهاً لما حصل مع العماد إميل لحود، لجهة عزله وترك الأمور بيد مجلس الوزراء. لكن الحكومة التي يتمثل فيها التيار الوطني، وفيها حليف قوي له هو حزب الله، لم يكن بالإمكان إدارتها بطريقة مختلفة. وجاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو ليظهر للأطراف الخارجية قبل الداخلية أن السير نحو تفاهمات قابلة للتنفيذ، إنما يتم من خلال دور مركزي للتيار الوطني الحر، ولباسيل شخصياً، ووصل الأمر بالأميركيين إلى إصدار قرار رئاسي بمنح الوسيط عاموس هوكشتين استثناء لعقد لقاءات مباشرة مع باسيل برغم إدراجه على لوائح العقوبات. إذ إن اجتماعات باسيل – هوكشتين في لبنان والخليج وأوروبا كانت ضرورية لتسريع عقد التفاهم، وكان الأميركيون يعرفون أن باسيل هو رجل ثقة أول عند المقاومة بوصفها القادرة على تعطيل أي تفاهم يخص الصراع مع العدو. لذلك حاول رئيس الحكومة المكلف مرات كثيرة أخذ الأمور في ملفات كثيرة صوب مكان لا يكون فيه لعون أو باسيل أي تأثير، وصولاً إلى الامتناع عن تشكيل حكومة جديدة بدعم من حلفائه.
الاستراتيجية الواضحة عند كل خصوم التيار وعون وباسيل كانت تقوم على فكرة أنه بعد خروج عون من القصر الجمهوري، ستكون هناك جولة جديدة من المواجهات معه. وثمة ترقب عند خصومه من اللبنانيين لعقوبات أميركية جديدة ضده وضد أفراد عائلته وضد قيادات في التيار الوطني الحر، إضافة إلى حملة إعلامية مستمرة تحاول تحميل عون المسؤولية عن الأزمات التي يواجهها لبنان، وصولاً إلى إبعاد التيار عن أي تأثير في معركة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وحتى دفعه إلى موقع يسهل إبعاده عن أي حكومة جديدة في المرحلة المقبلة، بالتالي فتح الباب أمام سياسة الإقصاء والانتقام حتى من الموظفين العامين المحسوبين على التيار.

إذا لم تبادر بكركي إلى خطوات عملانية، فالشارع المسيحي مقبل على مواجهات لا توترات

على أن معركة عزل التيار لم تعد ممكنة بالوسائل التي اعتمدت سابقاً. ما يجري اليوم هو المرحلة الأكثر خطورة، والتي تعكس حادثة «أم تي في» أحد أوجهها. لأن المقصود بما حصل، الانتقال من مرحلة تصنيف التيار كحزب فاشل مسؤول عن الفوضى والخراب، إلى حزب يسعى لتشكيل ميليشيات تشكل خطراً على الأمن الوطني. ويجري العمل، بقوة، لتوريط الجيش اللبناني في هذه المهمة انطلاقاً من الخصومة القائمة اليوم بين التيار وبين قائد الجيش العماد جوزيف عون حول انتخابات رئاسة الجمهورية. وفي حال توسع العمل القمعي ضد التيار بحجج متنوعة، سنكون أمام عملية تطابق مع ما تعرض له التيار الوطني الحر عندما نفي العماد عون إلى باريس، وصار حزباً سرياً يتعرض ناشطوه للملاحقة والاعتقال والإقصاء.

طبعاً، لا يمكن الاعتقاد بسهولة نجاح مثل هذه الخطوة. لكن الخطير في الأمر أن متطلبات عزل التيار وشيطنته وتحويله إلى مجموعة خارجين عن القانون، تشتمل ضمناً على مواجهات قاسية لن يكون لها مسرح سوى الشارع المسيحي، لأن الأمر غير ممكن الآن في الأماكن الأخرى، فهو مستحيل عند الشيعة، ومصدر قلق حقيقي عند الدروز، وليست له أهمية كبيرة عند السنة. بينما يراهن خصوم التيار في لبنان وخارجه على أن ضربه في الشارع المسيحي هو المدخل الوحيد لإضعافه، تمهيداً لعزله والقضاء عليه.
وبمعزل عن خطة التيار لمواجهة هذا المخطط، يمكن لطرف آخر، مثل بكركي، أن يبادر سريعاً إلى خطوات تمنع انفجاراً لن تقتصر ساحاته على المنصات الإعلامية، الواقعية منها والافتراضية، بل سينتقل حكماً إلى الجامعات والمدارس والأحياء والقرى، وسيكون عنوان الكارثة التي سيدفع المسيحيون كافة ثمنها.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار
x

‎قد يُعجبك أيضاً

بن غفير يهدد بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية وسموتريتش يفرض شروطه على نتنياهو.. وغانتس يقول لنتنياهو إنه سيدعم أي صفقة تُعيد الرهائن من غزة وموفد إسرائيلي في قطر لبحث وقف لإطلاق النار

هدّد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، بالانسحاب من الإئتلاف الحكومي، خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر، بعد أن أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ...