ريم هاني
كرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طوال حملته الانتخابية، تعهده بإنهاء الحرب الأوكرانية قبل توليه منصبه، بل خلال الـ 24 ساعة التي تلي فوزه بالانتخابات، وبـ»مكالمة هاتفية واحدة». وإذ يُخلف الرؤساء، عادةً، بوعودهم بعد دخولهم البيت الأبيض، فإنّ ترامب «كسر» تعهده في وقت أبكر، ممدّداً مهلة إنهاء الحرب إلى 100 يوم، ومعيِّناً، كيث كيلوغ، مبعوثاً خاصاً، مهمته «جلب كييف وموسكو إلى طاولة المفاوضات». كما عاد الرئيس الجمهوري إلى التلويح بفرض عقوبات على روسيا، ورفع أسعار النفط، وغيرها من الإجراءات التي تبدو مماثلة لما اتبعه خلفه جو بايدن، في ما يؤشر إلى أنّ الإدارة الجديدة، على غرار الإدارات الأميركية المتعاقبة أخيراً، ربما تمتلك هامش مناورة في القضايا الداخلية، أوسع مما تحوزه حيال تلك الخارجية.
والواقع أنّه على عكس حرب غزة، يجب على ترامب، في حال أراد إنهاء الحرب الأوكرانية، البدء «من الصفر»، نظراً إلى أنّه ما من خطة سلام واضحة يقدر الرئيس الحالي على تبنيها والضغط لتطبيقها. كما أنّه على عكس بينامين نتنياهو، لا تبدو روسيا مستعدة للانصياع لإملاءات الإدارة الحالية واسترضائها. من هنا، أصبحت لهجة ترامب إزاء روسيا أكثر حدّة في الأيام الماضية؛ إذ هدد، في منشور عبر منصته «تروث سوشال»، الأربعاء، بأنّه «في حال لم نبرم الصفقة، لن يكون لديّ خيار آخر سوى فرض مستويات عالية من الضرائب والتعريفات والعقوبات على أي شيء تبيعه روسيا للولايات المتحدة ومختلف الدول المعنية الأخرى». وأردف أنّه لا يتطلع إلى «إيذاء» روسيا، نظراً إلى أنّه «يحب الشعب الروسي وتجمعه علاقة جيدة ببوتين»، على حدّ تعبيره، كما أنّه يجب «ألا ننسى أبداً أن روسيا ساعدتنا في الفوز بالحرب العالمية الثانية، وخسرت ما يقرب من 60 مليون روح في هذه العملية»، لافتاً في المقابل إلى أنّه «سيقدم معروفاً كبيراً جداً لموسكو التي تعاني اقتصادياً»، ويدعوها إلى تسوية الحرب التي وصفها بـ»السخيفة».
ولاحقاً، هاجم ترامب، خلال رسالة عبر الفيديو، في «منتدى دافوس» الاقتصادي العالمي، الخميس، كلاً من السعودية ومنظمة «أوبك»، بسبب عدم رفعهما لأسعار النفط، معتبراً أنّ ذاك هو السبيل الأمثل لـ»قطع» تمويل الحرب الروسية، في وقت تشير فيه المواقف الصادرة عن الرياض إلى أنّ الأخيرة غير منفتحة بعد على ذلك الخيار. وقال ترامب أيضاً إنه تحدث مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وطلب منه الضغط على بوتين لإنهاء الحرب. وخلال المنتدى نفسه، حمّل ترامب نظيره الروسي مسؤولية استمرارها، مشيراً إلى أنّ «أوكرانيا مستعدة للتفاوض». وعلى الرغم من أنّ كييف «رحبت» بتصريحات ترامب خلال «منتدى دافوس»، إلا أنّها لم تسلم، بدورها، من تعليقات الأخير؛ إذ أكّد، الخميس، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، أنّه ما كان ينبغي لأوكرانيا أن «تقاتل لدى غزو روسيا لها»، مبرراً رأيه بأنّ لدى موسكو قدرات «أكبر بكثير» من تلك التي تمتلكها كييف، وبالتالي، كان على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، طبقاً لترامب، أن يقبل بالتوصل إلى اتفاق منذ بداية الحرب، لكنه «أصر على القتال».
حل «جديد»
من جهتها، لا تبدو موسكو مرتدعة بتهديدات الرئيس الجمهوري الجديد، علماً أنّها أعلنت في وقت سابق أنّها هي من «ستقرر متى تنتهي الحرب». وفي هذا السياق، وقبل ساعات من خطاب ترامب، أكد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الخميس، أنّ موسكو لم «ترَ أي عناصر جديدة» في اقتراحات ترامب، مشيراً، في المقابل، إلى أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منفتح على «حوار ندي ومحترم بالنسبة للطرفين». ولاحقاً، ردّ بيسكوف على تهديدات واشنطن بالقول إنّ «انخفاض أسعار النفط لن ينهي أزمة أوكرانيا، إذ إنّه ما من علاقة بين الصراع وتسعيرات الخام العالمي»، بل إنّ الحرب بدأت، بالأصل، بسبب «تعرض الأمن القومي للاتحاد الروسي والمواطنين الروس الذين يعيشون في مناطق معينة، للتهديد». بدورها، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أنّ بوتين «أحيط علماً بتصريحات ترامب عن الحاجة إلى إنهاء الصراع واستئناف العلاقات مع روسيا والحفاظ على الحوار»، معتبرة أن تلك تنذر بـ»تطور إيجابي»، إلا أنّه «الآن، وأكثر من أي وقت مضى، هناك حاجة إلى الأفعال لا إلى الأقوال».
رهان بوتين
وفي حين أنّ نهج ترامب في التعامل مع العلاقات الخارجية يعطي الأولوية لتحقيق مكاسب وصفقات على المدى القصير، على حساب الحفاظ على العلاقات مع «الحلفاء القدامى»، ترى مجلة «فورين أفيرز» أنّ رهان بوتين على «انكسار» خصومه يبدو بحال «جيدة هذه الأيام». وتتابع المجلة أنّ الكثير من المراقبين يفترضون أنّ حل ترامب «السريع» سينطوي على جهود لتأمين ترتيب يسمح لكل جانب بـ»الاحتفاظ بالكثير من الأراضي التي يسيطر عليها حالياً»، وهذا يفسر، على الأرجح، ارتفاع حدة القتال خلال الخريف والشتاء. وفي حين أنّ أوكرانيا ومعظم مؤيديها «يمقتون» تلك الفكرة، باعتبار أنها «ستكافئ العدوان الروسي وتسمح لروسيا بشكل غير قانوني بالاستيلاء على جزء كبير من أوكرانيا»، إلا أنّ مثل هذه الصفقة، طبقاً لأصحاب الرأي المتقدم، ستشكل البديل «الأقل سوءاً» من بين الحلول المتاحة. ونظراً إلى المعلومات المتوفرة حول «قوة كل طرف»، والتزامه بإنهاء الحرب، فإنّ التوصل إلى تسوية تنهي القتال وترفع العقوبات، مع ضمان عدم تجدد الهجمات الروسية والسماح لأوكرانيا «المستقلة فعلياً»، باستئناف الحياة، من شأنه أن «يخدم مصالح الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا»، حتى ولو كان ثمن التسوية هو سيطرة روسيا، عملياً، على الأراضي التي تحتلها، و»إفلاتها من المساءلة»، بحسب المجلة.
أخبار سورية الوطن١ الاخبار