سامي عيسى :
متغيرات كثيرة فرضت نفسها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، تحت تأثير عوامل ضاغطة منها ما هو مرتبط بسياسات الحكومات السابقة المختلفة، ونهجها الاقتصادي وتطبيقه على أرض الواقع، ومنها ما هو مرتبط بالتوجه الاقتصادي الجديد، الذي يحتاج إلى سياسات واضحة وصريحة جديدة، تتماشى مع هذا التغيير لتحقق المطلوب، ليس في الحالة الاقتصادية العامة فحسب، بل يمشي الأمر على مختلف الجوانب الأخرى الاجتماعية والخدمية.
وزارة المالية بعد تشريحها للواقع المالي، والبحث في مكونات الحالة الضريبية ومساهمتها في تعزيز مصادر دخل الخزينة، بدأت بإعادة ترتيب البيت الداخلي لها بما يتناسب مع آلية عملها الجديدة، واتخاذ خطوات جادة في هذا المجال، وخاصة ما يتعلق بموارد الخزينة من الضرائب والرسوم وغيرها والتي أثقل بعضها كاهل العملية الإنتاجية والمواطن على السواء..!
وهذه بدورها تحتاج لإعادة ترتيب ورسم سلم للأولويات، تحاول وزارة المالية والجهات التابعة صعود هذا الترتيب، “خطوة بخطوة” منها سلسلة إجراءات اتخذتها الوزارة، تحمل جملة إعفاءات ضريبية أثارت جدلاً واضحاً، حول تأثيرها على واقع الخزينة العامة ومواردها الرئيسية، الأمر الذي دعا وزارة المالية إلى تشكيل لجنة خاصة للإصلاح الضريبي، بدأت مشوارها بسلسلة من الاجتماعات لمناقشة النظام الضريبي وكيفية إصلاحه، ليتماشى مع توجهات الحالة الاقتصادية الجديدة، ويوصف بنظام ضريبي أكثر عدالة وفعالية..
مسارات تنفيذية
لجنة الإصلاح بدأت مشوار التغيير، ورسمت خلال اجتماعاتها الثلاثة، والأخير عقد في وزارة المالية مؤخراً، والذي خلص إلى نتائج نوعية تمثلت باعتماد جداول زمنية دقيقة وتنظيم مسارات تنفيذية متكاملة، ضمن خطة إصلاح شاملة تهدف إلى تطوير النظام الضريبي وتعزيز كفاءته وعدالته، حيث تركّز محاور الإصلاح على تبسيط الإجراءات، تقليل الضرائب وتوحيدها، ترسيخ الشفافية، دعم الشراكة مع القطاع الخاص، وتوسيع التحول الرقمي، بما يعزز الثقة ويسهم في تحقيق الالتزام الطوعي.
وتأتي هذه الخطوات استكمالًا للاجتماع التأسيسي الأول الذي أطلق أعمال اللجنة بهدف معالجة التشوهات في النظام الضريبي .
الخبير الاقتصادي ” الدكتور فادي عياش”قال خلال اللقاء مع صحيفة “الحرية” إنه يجري حالياً تحديث وتطوير العديد من التشريعات المالية، التي من شأنها تحسين إيرادات الخزينة العامة للدولة من جهة، وتخفيض التكاليف ما يساعد على تحريك عجلة الاقتصاد وكذلك تخفيف الأعباء على المواطنين من جهة ثانية، وهذا بدوره يساهم في تحقيق حالة من التوازن بين الإيرادات والنفقات من جانب وتحقيق العدالة بالتكليف والمردود من جانب آخر.
في خضم هذه الثورة التشريعية، قد تتأثر الإيرادات العامة خلال فترة التحديث، ولكن من المتوقع أن تتحسن الإيرادات من خلال عدالة التكليف، وشفافية التحصيل والإنفاق وليس عبر الجباية الجائرة، دون معايير واضحة ومنصفة كما كان سائداً سابقاً.
سلوك ضريبي جديد
فالنظام الضريبي الجديد يحدد ضريبة بنسبة 10 % فقط على الصناعيين، وسيتم تخصيص 25 % من حصيلة ضريبة المبيعات، التي ستحل بديلاً عن ضريبة الإنفاق الاستهلاكي اعتباراً من بداية 2026، ستخصص لدعم قطاعي الصناعة والتصدير، وكذلك تم لحظ المنشآت الصناعية المتضررة أو المدمرة، حيث ستُعفى بالكامل من الضرائب حتى إعادة تأهيلها..
وأضاف” عياش”: لا بد من التنويه بأن قانون الضريبة على المبيعات الجديد، يعتبر خطوة تمثل تحولاً جوهرياً في مسيرة إصلاح السياسة الضريبية السورية. حيث إنه يعزز مبادئ التنافسية والعدالة ويعمل على تبسيط الإجراءات، لا سيما أن السلع الغذائية والأساسية ستُعفى بشكل كامل من الضريبة، بما يضمن عدم تحميل المواطنين أعباء إضافية على احتياجاتهم اليومية.
الحد الأدنى
وبحسب “وزير المالية”، فإن النسب المقترحة في القانون الجديد، تُعد الأدنى على الإطلاق مقارنة مع دول المنطقة والعالم، فقد تم اقتراح نسبة لا تتجاوز 5%، بينما لا تقل عن 11% وحتى 24% في غالبية الدول العربية وحتى الأوروبية. وهو ما يمكن اعتباره ميزة تنافسية كبيرة للإنتاج والصناعة الوطنية، وكذلك على مستوى القدرة الشرائية، وتحفيز الطلب الكلي، ما يسهم في تعافي الاقتصاد المحلي.
المسؤولية المجتمعية
وبالتالي ما يمكن اعتباره تطوراً كبيراً في النهج الجديد للمالية السورية، هو اعتمادها مفهوم المسؤولية المجتمعية لقطاع الأعمال، كما لحظ تمويل البحث العلمي، والتي تساعد على تشجيع قطاع الأعمال لزيادة مساهمته في تحقيق أعمال التنمية، حيث يتيح النظام الضريبي الجديد للمنشآت الصناعية تخصيص ما نسبته 25% من الضرائب المستحقة لدعم مشاريع ذات طابع مجتمعي، منها تمويل البحث العلمي، باعتباره ركيزة أساسية لأي عملية تطوير صناعي واقتصادي.
وتكتمل الجهود الإصلاحية من خلال تعزيز الدخل التصرفي المتاح للعاملين، والذي يمكن اعتباره زيادة غير مباشرة للدخل، والذي من شأنه تفعيل الطلب المحلي الكلي والمساهمة في تحسين مستوى المعيشة، من خلال زيادة الحد الأدنى من الدخل المعفي من الضرائب.
(اخبار سوريا الوطن 2-الحرية)