إن الميناء الأمريكي العائم على ساحل غزة بحجة نقل المساعدات الإنسانية والتخفيف عن المحاصرين في قطاع غزة مشروع خبيث له خفايا إسرائيلية أمريكية خطيرة.
هذا الميناء الذي اقترب موعد تشغيله بتكلفة بلغت ثلاثمئة وعشرين مليون دولار وبحماية ألف جندي أمريكي جرى تجهيزه من أنقاض الأبنية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي وفيها جثث الفلسطينيين المفقودين ولم يستطع أهاليهم إنقاذهم رغم صراخهم لساعات طويلة ليدفنوا في هذه الأبنية المدمرة ويستخدمها الأمريكيون لرصف الميناء حتى بات يطلق على من يمشي على هذا الرصيف بأنه يمشي على بقايا الموتى.
إن الغرض من بناء الولايات المتحدة لهذا الميناء لأهداف خفية تريدها من خلاله, فكيف توافق “إسرائيل” على إقامة هذا الميناء الذي كانت ترفضه سابقاً, رغم أن السلطة طالبت مرات عدة بإقامتة, إن لم يكن لها أهداف مشتركة مع الجانب الأمريكي, هذا التوافق بينهما دفع الباحثة في معهد “كوينسي” الأمريكي، كيلي بيوكار فلاهوس، لوصفه بأنه “مسرحية”، موضحة أن قرار إنشاء الميناء “لا يتعلق برئيس تخلص من حبه العارم لإسرائيل، بل يتعلق بإعطاء الإسرائيليين قطعة من العظم له، ليسترضي جمهوره في الداخل”. بل وذهبت الباحثة للتشكيك في قدرة بايدن على استرضاء قاعدته الانتخابية بهذه الخطوة، قائلة إن الوقت كفيل بإخبارنا, ولكن إذا دققنا بالسياسة التي تستخدمها الولايات المتحدة للتدخل في الدول الأخرى فهو عن طريق ملف حقوق الإنسان, وهو العنوان الذي استخدمته واشنطن لإقامة هذا الميناء ليكون مبرراً للتدخل العسكري وتحقيق ما تريده و”إسرائيل”.
هذا الميناء هو جزء من مرحلة ما بعد الحرب ليكون عنوانها الجانب الإنساني, ولهذا فإن قرار وقف تمويل الأونروا، وإنشاء ميناء جديد، واختراع منظمات «إنسانية» جديدة تتولّى توزيع المساعدات، يُمهّد الطريق أمام أسلوب جديد لإدارة قطاع غزة، يجعل الولايات المتحدة والدول العربية المطبعة هي مصدر الخدمات لسكان القطاع وتفرض نفسها مصدراً للحياة أيضاً، عبر تزويد سكان غزة بالغذاء والدواء, ومن ضمن هذا المشروع الجديد لإدارة قطاع غزة، يأتي مشروع الميناء، وموقعه هو في الجزء الشمالي من القطاع. كي تبقى منطقة معزولة أمنياً عن جنوب القطاع تأتي البضائع إلى شمال القطاع عبر البحر، بضمانات أمريكية، وتفتيش إسرائيلي، ولا تأتي من رفح, والأهم هو أنّ الميناء أداة من ضمن المشروع الإسرائيلي – الأمريكي لإبعاد الفلسطينيين عن خيار المقاومة، عبر ابتزازهم بما يبقيهم على قيد الحياة: بمعنى إن أردتم البقاء على قيد الحياة والحصول على الطعام، فعليكم نبذ المقاومة”, وهذا ما يؤكد بأن الميناء ليس سوى أداة لتشديد الحصار على الفلسطينيين, إضافة إلى أن لإسرائيل أهدافها لأن الميناء سيشكل بديلاً عن معبر رفح لإخراجه من الخدمة، لأنها تعتبره مدخلاً للأسلحة إلى المقاومة إضافة إلى رغبتها في إخلاء القطاع من خلال تهجير الفلسطينيين تحت عنوان “الهجرة الطوعية” للسيطرة على القطاع الغني بمخزون نفطي وغازي, وإقامة مشروعها الكبير قناة بن غوريون لتكون البديل عن قناة السويس إلى شواطىء غزة, وهذا لا يتحقق بوجود الفلسطينيين وسيطرة المقاومة الفلسطينية على القطاع,
فعلى صعيد تهجير الفلسطينيين فإن “إسرائيل” تريد استغلال الميناء للتهجير من أجل حل الأزمة الديموغرافية التي تتزايد بمرور الوقت, ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في آب 2022، وصفت فيه الزيادة السكانية الفلسطينية بـ”شيطان الديموغرافيا” الذي يهدد “إسرائيل” وقالت : في الوقت الذي تغفون فيه، قد يتحول اليهود إلى أقلية”, وهذا ما دفع بالمسؤولين الإسرائيلين إلى ضرورة استغلال الميناء لتهجير الفلسطينيين, وخلال اجتماع خاص لنتنياهو مع نواب في الكنيست أشار إلى ضرورة استخدام الميناء لترحيل الفلسطينيين من القطاع, وهنا تكمن الخطورة وهي أن يشهد الميناء حركة نقل بالاتجاهين، نقل مواد غذائية وطبية للقطاع، ونقل الفلسطينيين من غزة ضمن مخطط التهجير الذي فشلت الحرب الإسرائيلية في تحقيقه.
أما فيما يتعلق بالخطوة الهامة من وراء هذا الميناء هو السيطرة على آبار النفط والغاز في ساحل غزة, وبالتالي لا بد من استغلال هذه الخطوة لا سيما بعد المسح الذي أجرته شركة المسح الجيولوجي منذ 2010، والذي أقرت فيه بوجود آبار في هذا القسم من البحر المتوسط، وأن المنطقة عائمة على آبار من الغاز والنفط, ويعتقد الباحث الإسرائيلي، بنحاس عنباري، في مقال نشره “مركز القدس للشؤون العامة” الإسرائيلي أن هناك احتمالية لتجديد مبادرة إنتاج الغاز البحري في غزة، والتي أوقفت بسبب سيطرة حماس على القطاع.
نضال بركات
سيرياهوم نيوز٣_الثورة