أجمع المحللون والمختصون في تل أبيب على أنّ زيارة رئيس الوزراء الأخيرة إلى واشنطن واجتماعه هناك مع دونالد ترامب كانت فاشلةً، وأكثر من ذلك، فقد أكّدوا أنّ ترامب تعامل مع نتنياهو على أنّه مُغفلاً ولم يُلبِ أيّ طلبٍ له.
وفي التفاصيل جاء أنّه قبل يومٍ واحدٍ من الرحلة، ألغت حكومة نتنياهو جميع الرسوم الجمركية على الواردات من الولايات المتحدة، في محاولةٍ استباقيّةٍ للتعامل مع الرسوم المقبلة التي كان من المتوقع أنْ يفرضها ترامب على شركائه التجاريين.
لكن لم تُجْدِ المحاولة. فبينما كان نتنياهو يصعد إلى الطائرة أعلن ترامب حزمة رسوم جمركية شاملة، شملت فرض 17 بالمائة على المنتجات الإسرائيليّة. ومع ذلك، بدا أنّ الأمور تسير لصالح نتنياهو فور وصوله إلى بودابست، حيث استُقبل في قصر بودا بمراسم فخمةٍ.
وبعد إعلان المجر انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية، أجرى أوربان ونتنياهو مكالمة احتفالية مع ترامب، الذي أصرّ على أنْ يسافر نتنياهو إلى واشنطن على الفور، ظاهريًا من أجل إنهاء “سوء التفاهم” بشأن الرسوم.
وبدا الأمر وكأنّ نتنياهو، كما في كثيرٍ من محطات مسيرته السياسية، قلب الأزمة إلى فرصة. فسيكون أول زعيمٍ عالميٍّ يزور البيت الأبيض بعد إعلان الرسوم، وسيسعى للتوصل إلى اتفاقٍ تجاريٍّ.
وبراحة بال، استمتع نتنياهو ووفده بجولة ليلية في نهر الدانوب مساء السبت، استعدادًا لما توقعوا أنْ يكون عرضًا جديدًا للوحدة في المكتب البيضاوي، لكنهم لم يدركوا أنّ قائد الوحدة الخاصة السابق كان يسير نحو كمين.
ثلاث ضربات
كان ترامب قد استقبل صباح الإثنين فريق (لوس أنجلوس دودجرز) الفائز ببطولة البيسبول في البيت الأبيض، وقد جلب معه نفس الأجواء الهادئة إلى لقائه مع نتنياهو، لكن مع مفاجآت غير متوقعة.
في الليلة التي سبقت اللقاء، وصف مكتب نتنياهو اجتماعه مع وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، ومستشاره القانوني بيير جنتين، وممثل التجارة جيمسون غرير، بأنه “دافئ ومثمر”، لكن في المكتب البيضاوي، تجنب ترامب بوضوح الالتزام بإلغاء الرسوم على إسرائيل. وقال: “نحن نتحدث عن تجارةٍ جديدةٍ تمامًا، ربما لا”، ثم كرر “ربما لا”.
ثم بدأ بالضغط حقًا. وقال: “لا تنسى، نحن نساعد إسرائيل كثيرًا. نحن نمنح إسرائيل 4 مليارات دولار سنويًا، وهذا مبلغ كبير”، وهنأ نتنياهو بنبرةٍ ساخرةٍ على قدرته على الحصول على هذا الدعم: “تهانينا، بالمناسبة. هذا جيد جدًا”. ثم تابع: “نحن نمنح إسرائيل مليارات الدولارات سنويًا. مليارات. إنّها من بين أعلى المبالغ لأيّ جهةٍ. نحن نمنح الكثير من الدول أموالاً، هذا لا يصدق”.
أمّا فيما يخص تركيا، فأظهر ترامب أيضًا أنّه غير مستعدٍ للاستجابة لمطالب نتنياهو. فقد أشاد بالرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان، أحد أبرز منتقدي إسرائيل، والذي وصفته إسرائيل مرارًا بأنه دكتاتور معادٍ للسامية.
فبعد أقل من أسبوعين على دعاء أردوغان إلى “تدمير إسرائيل الصهيونية”، قال عنه ترامب إنه “ذكي جدًا”، وهنأه على “السيطرة على سوريّة”. وقال ترامب موجهًا حديثه إلى نتنياهو: “أي مشكلة لديك مع تركيا، أعتقد أنّه يمكننا حلها، طالما أنّك عقلاني، يجب أنْ تكون عقلانيًا”.
ورأى موقع (تايمز أوف إسرائيل) في تحليله أنّه إذا كان نتنياهو يعتقد أنّ تعيين ترامب لمسؤولين مؤيدين لإسرائيل، وإشادته العلنية بترامب، والتقليد الواضح لانتقاداته للدولة العميقة والأخبار الكاذبة ستكون كافية لضمان أربع سنوات سلسة، فقد تلقّى في المكتب البيضاوي صفعةً مؤلمةً.
ورغم أن نتنياهو يُتقن الحفاظ على علاقةٍ جيّدةٍ مع ترامب أفضل من معظم الزعماء، فإنّ الرئيس الأمريكيّ لا يبدو متأثرًا كثيرًا بالإطراء أو بالمناورات. فهو لإظهار مرونة مفاجئة في بعض الملفات، وفي أخرى يتخذ قرارًا ويتمسك به حتى النهاية.
وشدّدّ الموقع الإسرائيليّ على أنّ “ترامب مصمم على تغيير قواعد التجارة العالمية مع الولايات المتحدة، والحلفاء المقربون مثل إسرائيل سيدفعون الثمن. بطريقة ما، نجح أردوغان، الذي لا يتحدث حتى الإنجليزية، في كسب إعجاب ترامب، ولا يبدو أنّ نتنياهو قادر على تغيير ذلك.”
وعلى الأقل في الوقت الحالي، لا يزال ترامب يعتقد أنّ المحادثات مع إيران يمكن أنْ تحل المشكلة النووية، بصرف النظر عن اعتراضات إسرائيل.
واختتم الموقع الإسرائيليّ: “جاء نتنياهو إلى واشنطن على أمل حل أزمة الرسوم وتقديم نموذج للعالم حول كيفية التفاوض مع ترامب، وهي نتيجة كانت ستُشكِّل انتصارًا يحتاجه رئيس الوزراء بشدة، حيث يعود الآن إلى احتجاجات متواصلة، ومحاكمة فساد، وفضيحة (قطر غيت) التي تلاحقه، وكما كان بإمكان لاعبي فريق (دودجرز) أنْ يقولوا له في البيت الأبيض: إذا فشلت ثلاث مرات، بشأن الرسوم، ومحادثات إيران، وتركيا، فأنت خارج اللعبة”.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات_راي اليوم