| عبدالمنعم علي عيسى
من شأن التصويت الذي يجري تحت قبة مجلس الأمن الدولي تجاه أي صراع دائر أو تجاه أي تفصيل فيه أن يرسم طبيعة الانقسامات الحاصلة تجاه هذه الأخيرة كلها، وكذا يأتي ليكشف عن الثقل الذي يتمتع به كلا «المعسكرين» اللذين سيرتسمان بفعل التصويت آنف الذكر، ولربما يجيء أيضاً ليقدم تصوراً عن حدة الاستقطاب التي تشي بالكثير مما يدور حول ذلك الصراع بما فيها مرامي الأطراف المشاركة فيه، حتى ليصح اعتباره على أنه يمثل أرضية لفهم السياسات التي تنتهجها هذه الأخيرة حياله، وتلك التي يمكن أن تنتهجها في مراحل لاحقة انطلاقاً من كون الفعل، أي التصويت، يقدم دليلاً لا لبس فيه عما يدور في ذهنية صانع القرار الفاعل خصوصاً إذا ما جرى ربط ذلك كله بمحطات سابقة وراهنة جنباً إلى جنب مع طبيعة العلاقة التاريخية التي تربط ما بين «المصوتين» وبين مركز الصراع.
بدأت مسألة اهتمام الأمم المتحدة بإدخال «المساعدات الإنسانية» إلى سورية مع القرار 2156 الذي صدر في العام 2014، آنذاك كانت إدلب، وجزء كبير من أرياف حلب وحماة، قد خرج عن سيطرة الحكومة السورية وانقطعت بذلك الشرايين التي تصلها بالقلب السوري، الأمر الذي فرض على كل الأطراف الداخلة، ومنها روسيا، في الصراع القبول بذلك القرار الذي نص على دخول المساعدات إلى الأراضي السورية من دون الحصول على موافقة الحكومة السورية عبر أربعة معابر أحدها مع العراق والآخر مع الأردن، فيما الباقيان مع تركيا، ثم فرض أيضاً قبول التمديد له الذي كان يجري كل ستة أشهر، لكن تمديد تموز لعام 2020 ألغى ثلاثة منها، وأبقى على معبر «باب الهوى» مع تركيا في حالة النشاط، والجدير ذكره أن كل «التمديدات» التي كانت تجري شهري كانون ثاني وتموز من كل عام كانت تشهد سجالات واسعة داخل «قبة» مجلس الأمن وفي أروقته وتلك حالة كانت تبدو طبيعية قياساً لاختلاف الرؤى والمشاريع في الوقت الذي راحت فيه هذه الأخيرة تتلون وتتصاعد على خلفية التوتر الذي تشهده العديد من بؤر العالم الساخنة حتى إذا كان يوم الـ 24 من شباط من العام المنصرم، بدا أكيداً أن الكثير من السياسات السابقة سوف تجد منعطفات لها، بل أن هذه الأخيرة سوف تزداد حدتها التي ستستمدها على وقع السخونة الحاصلة في الساحة الأوكرانية التي باتت تمثل مصدر تهديد للعالم على وقع مشروعين أحدهما يرمي إلى دحر نظام الهيمنة الأحادية، فيما الثاني يجهد بكل ما يملك للحفاظ على هذه الأخيرة، ولربما تبدى ذلك، أكثر ما تبدى، في المخرجات التي آلت إليها قمة «فيلينوس» التي عقدها «حلف شمال الأطلسي» قبل أيام.
كان القرار 2672 الصادر عن مجلس الأمن يوم الـ 10 من كانون ثاني الماضي قد حمل التمديد لآلية إدخال «المساعدات الإنسانية» إلى سورية لستة أشهر تنتهي يوم 10 تموز الجاري، وفي مداولاته التي سبقت صدوره كانت موسكو قد اشترطت ربطه بمشاريع «التعافي المبكر» خصوصاً منها تلك التي ترتبط بمسائل الطاقة ومياه الشرب، وما جرى هو أن الغرب جهد في حينها لتعويم «الحالة الإنسانية» التي قال: إنها يجب أن «تطغى على أي اعتبارات أخرى» وفقا للتوصيف الذي استخدمته السفيرة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفلند، ومن حيث النتيجة صوتت موسكو لمصلحة التمديد إلا أنه كان من الواضح أن «الكرة» سوف تتنامى عندما تحين لحظة التمديد قياساً لحال الاستعصاء السياسي الناتج عن عدم قدرة الأطراف على التوافق ثم عن عدم قدرة تلك الأطراف فرض رؤيتها على بعضها بعضاً.
على مدى خمسة أيام شهد مجلس الأمن توترا وتبادلا للاتهامات ما بين روسيا التي استخدمت حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار تقدمت به كل من سويسرا والبرازيل، المكلفتان بإدارة «الملف الإنساني» في سورية وهو يقضي بالتمديد للقرار 2672 لسنة كاملة قبيل أن تقدما مشروعاً معدلاً قضى بالتمديد لـ9 أشهر لقي هو الآخر مصير سلفه على الرغم من الوساطة الإماراتية لتقريب وجهات النظر، وبين الغرب الذي رفض مشروعاً تقدمت به روسيا كان في مضمونه يجهد نحو تغيير الآليات السابقة في هذا الملف تحقيقاً للمرامي التي سعت موسكو إليها شهر كانون الثاني المنصرم ولم يتسنَّ تحقيقها على وقع التصعيد الحاصل ما بين المشروعين الروسي والغربي في سورية والذي يمثل، كما يبدو، «حجر زاوية» في الصراع الدائر راهنا حول إرساء ملامح نظام دولي جديد طالما أن القديم يحتضر وإن لم يكن قد دخل مرحلة لفظ أنفاسه بعد، فيما الخشية من أن تطول المدة قبيل أن يفعل، إذ لطالما كان من شأن الفعل، أي طول مرحلة لفظ الأنفاس، أن يرمي بحمولاته الثقيلة على كل البؤر الساخنة التي لن تحل مشاكلها إلا بعد الوصول إلى تسويات كبرى.
إضافة لما سبق الراجح أن موسكو ذهبت نحو التمترس وراء مواقفها في مجلس الأمن استجابة لتفضيل سوري يرى أن الذهاب في التمديد للآلية التي وافقت عليها القيادة السورية في الـ 13 من آذار المنصرم، على خلفية زلزال الـ 6 من شباط، والتي قضت بالسماح بمرور المساعدات عبر المعابر الثلاثة، باب الهوى والراعي وباب السلامة، لمدة ثلاثة أشهر جرى تمديدها لثلاثة أشهر أخرى في الـ 13 من حزيران، يمثل خياراً أفضل ريثما يتم الخروج باتفاق جديد إذا ما سنحت ظروف أخرى، في وقت لاحق.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن