يبدو أن الثغرات والإشكاليات الموجودة في قانون العقود رقم /51/ لعام 2004 أصبحت بحاجة إلى تعديل ليكون أكثر صرامةً وصوناً للمال العام، “تشرين” تحاورت مع المعنيين وأصحاب الشأن حول أهمية تعديل القانون والخطوات التي تستدعي ذلك ومن المستفيد من بقائه على حاله ؟؟
الدكتور ربيع قلعجي رئيس لجنة الحسابات والموازنة في مجلس الشعب/ سابقاً / أكد في حديثه لـ” تشرين” أن تعديل قانون العقود أصبح ضرورة لأنه معرقل لتنفيذ الموازنات الاستثمارية وخاصة منه المواد المتعلقة بطرق وأساليب تأمين متطلبات واحتياجات القطاع العام، مبيناً أن شأنه شأن أي قانون أو نص تشريعي آخر لا يخلو من الثغرات، وهو بالنهاية كما يقال ليس نصاً مقدساً ويمكن تعديله إذا اقتضت الحاجة لذلك.
د. قلعجي لـ” تشرين”: عدم استخدام القانون كما يجب أفقده روحه
وأوضح قلعجي أن القانون جاء ليحقق هدفين؛ أولهما تأمين احتياجات الجهات العامة سواء بعقود البناء والتشييد أو عقود التوريد، وقد أرفق معه المرسوم رقم 450 الذي يعدّ بمنزلة دفتر الشروط العامة /التعليمات التنفيذية/ لكنها صدرت بمرسوم وجاء بديلاً أيضاً عن ثلاثة أنظمة كانت موجودة سابقاً هي المرسوم ٢٢٨ للعام ١٩٦٩ ونظام العقود للقطاع العام ذات الطابع الاقتصادي ١٩٩٥ ونظام العقود في الشركات الإنشائية والمرسوم ٢٣ للعام ١٩٨٢، وكان الهدف تأمين احتياجات الجهات العامة من عقود الإنشاء أو عقود التوريد، أي إن القانون حدد ست طرق لتأمين احتياجات الجهات العامة.
و هي الشراء المباشر: حيث يتم اللجوء إليه إذا كانت المواد المطلوبة متوفرة في الجهات العامة، المناقصة: هي الخطوة الثانية حيث حدد القانون اللجوء إلى المناقصة في حال تجاوز قيمة النفقة الحد المسموح به للشراء المباشر، وكانت المواد المطلوب تأمينها ذات مواصفات محددة، طلب عروض الأسعار: حيث يلجأ إلى طلب العروض عندما يتعذر على الجهة العامة تحديد مواصفات وشروط موحدة للاحتياجات المطلوب تأمينها، والمسابقة: وتعتبر الخطوة الرابعة حيث يجوز للوزير اللجوء إلى المناقصة لوضع دراسات ومخططات لمشروع معين أو لتنفيذ مشروع أعدت له مخططات، وتمنح الجوائز والمكافآت للفائزين بناء على تقرير اللجنة .
أما الخطوة الخامسة فهي العقد بالتراضي: حيث يجوز للجهة العامة التعاقد مع من تختاره في حالات حددها القانون منها: فشل المناقصة، طلب العروض مرتين متتاليتين، الحالة الطارئة التي تستوجب السرعة، وغيرها .
وأخيراً تنفيذ الأشغال بالأمانة: بوساطة متعهدين، يمكن أن تنفذ هذه الأشغال بطريق الأمانة على مسؤولية الجهة العامة التي تتولى التنفيذ.
الثواب والعقاب
وأكد قلعجي أن إحدى نقاط الضعف في القانون أننا لا نستخدم سوى جزء من هذه الطرق، وأن عدم استخدام القانون بشكل كامل يغيب عنه الكثير فهو يتحدث عن الكفاءات وتغيب عنه الحوافز / الثواب والعقاب /، ما أبعد القانون وأفقده روحه ولو سألنا أنفسنا أين نحن من هذا مقارنة بالدول العربية والتطورات العالمية ومعايير المحاسبة والقوانين الدولية لكانت الإجابة بأن القانون ٥١ غير مناسب وهو بعيد كل البعد عن القوانين.
قلعجي: مقارنة بالدول العربية والتطورات العالمية ومعايير المحاسبة والقوانين الدولية لكانت الإجابة بأن القانون ٥١ غير مناسب وهو بعيد كل البعد عن القوانين
شروط مقيدة وصارمة
كما بين قلعجي أن المعايير المحلية للقانون تتلاءم مع المعايير الدولية والصادرة عن الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين الذي قام بوضع مجموعة من الشروط والأحكام والقواعد الناظمة لعمل المتعهد أو المقاول وعلاقته مع الجهات العامة، هذه القواعد هي ذاتها دفتر الشروط وهي مرنة لكنها في هذا القانون مقيدة وصارمة لذلك تنفر الجهات ذات العلاقة من التعاقد مع الجهات العامة.
قصور في القانون
وأشار قلعجي إلى أن القانون فيه بعض القصور لجهة العديد من المواد منها المادة ٦٣، والتي فيها الكثير من الإشكاليات بل تعتبر السبب الأهم في المشكلات الموجودة مع القطاع العام وهي السبب في كثرة الدعاوى في مجلس الدولة والتي تتضمن موضوع الأسعار خلال فترة التعاقد، أي إنه في حال حدوث زيادة أسعار خلال الفترة العقدية فإنه يحق للمتعهد تحمل ما مقداره ١٥ بالمئة من قيمة العقد، من الجهة والباقي تتحمله الجهات العامة، موضحاً أن هناك إشكاليات حول تطبيق هذه المادة لأنه كل جهة تفسرها كما يحلو لها ووزارة المالية هي الحكم وعندما تمت مراسلة (المالية) باعتبارها المشرع للاستفسار، لم تقدم أي توضيح .
بعيد كل البعد عن القوانين و لا يوجد آلية واضحة في القانون للتعامل مع متغيرات سعر الصرف
أبنية على الهيكل
الدكتور ربيع قلعجي أشار إلى أن موضوع زيادة الأسعار تفاقم خلال السنوات العشر الأخيرة، ما أدى إلى زيادة الإشكاليات بين المتعهدين وجهات القطاع العام، لذلك يتم اللجوء إلى مجلس الدولة لحل الإشكاليات وإجراء تحكيم بين الجهات، ما أدى إلى زيادة عدد الدعاوى وتباطؤ التنفيذ، والدليل أنه في جميع المحافظات السورية نجد هناك أبنية كثيرة على الهيكل، والسبب هو العثرات الموجودة في قانون العقود الذي لم يعطِ الصلاحيات بحل هذه الإشكالات بسرعة وسهولة، وبالتالي الكل يلجأ الى القضاء الذي بدوره يتأخر في البت نتيجة كثرة الدعاوى الموجودة، والأهم حسب قلعجي أنه لا توجد آلية واضحة للتعامل مع تغيرات سعر الصرف، ما أدى إلى حدوث منازعات واختلافات.
وأضاف قلعجي: إن الإشكالية الأخرى موجودة في المادة ٤٩ من القانون وفيها اختلاف كبير وتتحدث عن السلع ودفعة مقدمة حيث يلزم القانون بعدم المطالبة بأي فروقات عند أخذ سلفة من الجهات العامة، علماً أن سعر الصرف يزداد، ولحل هذه الإشكالية أشار قلعجي إلى أنه من أحد الحلول أن يتم فرض فائدة على السلفة لكن الجهات المعنية رفضت وجاء الرد بعدم الموافقة عليه أيضاً .
خلل كبير
فالقانون عندما يلزم بعدم المطالبة بأي فروقات بالأسعار اللاحقة لتنفيذ العقد يعتبر خللاً كبيراً، باعتبار أن السلفة تقدم من باب المساعدة وعدم منح المتعهد فروقات سعر الصرف وبالتالي تدفع بالمتعهد للإحجام عن استكمال عقده وتنفيذه، وخاصة أن الزيادة الكبيرة كانت في سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة .
ضعف في التنفيذ
كما أضاف الخبير القانوني، كنا نلاحظ أثناء عملنا بإعداد قطع الحسابات الخاصة بالميزانية الختامية، أن هناك ضعفاً كبيراً في تنفيذ بنود الموازنة لاسيما بند الاستبدال والتجديد ولدى الاستفسار تكون الإجابة بأن المتعهد/ استنكف أو نكل / وهو مصطلح كثيراً ما نسمع عنه/ عند التنفيذ وهكذا حتى وصلنا إلى ما نحن فيه، الأمر الذي يؤكد ضرورة تعديله ووضع معايير وضوابط عند أخذ فائدة عليها، مشيراً إلى أنه خلال اطلاعنا على قوانين الدول المجاورة، وجدنا أن قانون العقود المصري يلجأ في حال أي تغيير في الأسعار للجهة العامة التي تقوم بمراجعة تلك الأسعار كل ثلاثة أشهر ويحق لها تعديل السعر بعد مرور ٦ أشهر على التعاقد، وخاصة أن عقود الإشغال والمقاولات تستمر لأكثر من عام حكماً.
وبالعودة إلى دفتر الشروط العامة ٤٥٠ يؤكد قلعجي أن هناك خللاً أيضاً في المادة ٣٦ والمعاناة من الروتين في مجلس الدولة حيث يمر حوالي ١٥ يوماً للقيام بالكشف الذي يمر أيضاً على حوالي ١٥ موظفاً، تكون المدة المحددة انتهت ولم يقبض المتعهد ، الكشف وهي أيضاً إحدى المشكلات التي كانت تواجهنا، و تجعل الأمور تتداخل بالمدة الزمنية وبالتالي تجعل الكل في حالة ضياع .
خلل وفساد
وتطرق قلعجي إلى الإدارة، التي اعتبرها سبب الخلل والفساد، مطالباً بإصدار قرار من الجهات الحكومية لمحاسبي الإدارات، بأن يخضعوا إلى المحاسبة والتدقيق على عملهم، وهذا يتطلب بالتأكيد تعديل قانون العقود، إلا أن الإجابة جاءت بأنه من الصعب تعديل القانون، وأن هذا الطلب ليس في مكانه، و طالبنا بإصدار ملحق للقانون يساهم في حل بعض الإشكاليات التي تحدث وتواجه المتعهد وجهات القطاع العام ريثما يتم تعديل القانون، لكن أيضاً لم يتم الأخذ بالتعديل وتم الرفض من دون أي مسوغ .
وما زاد الطين بلة، أنه قامت الحكومة بإصدار قرار يقضي بالاستجرار من المركزي؛ يقضي بأنه لا يجوز لأي جهة عامة شراء أي جهاز، سواء كان طبياً أو غير ذلك إلا عن طريقها حصراً، أي حصر الموضوع بمتعهد واحد فقط، مبيناً أن الهدف من القرار / سامٍ/ لكن التنفيذ فيه الكثير من الخفايا والإشكاليات، نظراً لما يحدث من تأخير في إيصال المطلوب ريثما تكتمل الكمية المطلوبة و الطلبات مع بعضها، والأمثلة على ذلك متعددة.
الدندن لـ” تشرين”: لابد من التعديل للحد من الهدر والفساد
بحاجة للتعديل
بدوره أستاذ القانون مجيب الدندن أكد في حديثه لـ(تشرين) أن قانون العقود ٥١ لعام ٢٠٠٤ كأي قانون تظهر فيه ثغرات أو سلبيات عند التطبيق وبعد مرور عقدين على نفاذه تظهر الحاجة لتعديل هذا القانون ليكون أكثر قدرة على صون المال العام والحد من الهدر والفساد، ولاسيما أن كافة الجهات العامة الاقتصادية والإدارية والإنشائية تطبق هذا القانون في عقودها مع مراعاة الخصوصية لهذه الجهات، مؤكداً أهمية تدريب وتأهيل الكوادر المكلفة بإبرام التعاقدات وفق أحكام قانون العقود.
بعد مرور عقدين على نفاذه تظهر الحاجة لتعديل هذا القانون ليكون أكثر قدرة على صون المال العام والحد من الهدر والفساد
تساؤلات
أخيراً تبقى الكرة في ملعب الجهات الوصائية، ونحن في انتظار مسوغات الهدر والصفقات الناتجة عن العقود المبرمة ما بين بعض موظفي الجهات العامة وبين متعهدي القطاع الخاص باسم القانون.. والتساؤل: هل حقاً تعديل القانون يجب أن يكون مشروطاً بحسن اختيار القائمين على المفاصل المنفذة له.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين