في روايته الجديدة “خمسة/خمسة”، الصادرة عن دار متون المثقف بالقاهرة، يقدّم الكاتب والمخرج السينمائي اليمني حميد عقبي عملًا جريئًا وعابرًا للأجناس، حيث تلتقي فانتازيا الرعب مع السياسة، ويتداخل الحب مع سؤال الهوية، ويصبح الجسد مسرحًا للمقاومة والانكسار معًا.
الرواية تنطلق من باريس، ثم القاهرة وتعود إلى باريس ثم النورماندي بفرنسا، حيث نتابع قصة حب بين سعيد، الشاب اليمني الفقير، وملاك، الفتاة التي تنتمي لعائلة يمنية متنفذة، تحلق الرواية في عوالم النخبة والمنفى، الألم والجبروت والفساد . في البداية، نظن أن العمل سيأخذ مسارًا رومانسيًا تقليديًا، لكن الكاتب يفاجئنا بانزياحات متتالية نحو الغرائبي، ثم إلى الرعب والجنس، ثم إلى تفكيك الزمن والمعنى.
الحدث المفصلي يقع في يوم “خمسة/خمسة”، الذي لا يمر كغيره من الأيام، بل يتحوّل إلى مصيدة زمنية وجودية، تُسقِط الشخصية في دائرة متكررة من الألم، الفقد، والتشظي. لا نعود أمام قصة حب فحسب، بل أمام سرد يتكسّر على نفسه، تتبدّل أزمنته، ويُعاد ترتيب مشاهده على طريقة السينما التجريبية والمسرح الذهني. تتكرر الأحلام، تنفصل الروح عن الجسد، وتدخل الشخصيات في مشاهد شبحية، حيث تتحدث الأشياء، ويصبح الموتى أوفى من الأحياء.
الرعب في الرواية أبعد من كونه مجازيًا كونه يتجسد بصريًا عبر مشاهد سوداوية، بعضها يمتزج بكوميديا لاذعة، وبعضها الآخر يقتحم فضاء الميتافيزيقا: هناك أجساد تتحلل، أشجار تنطق، رسائل تتساقط من السماء، وأبواب تفضي إلى أماكن غير متوقعة. كل ذلك يُستخدم كأدوات لطرح أسئلة وجودية وأخلاقية.
في قلب هذه الهلوسة، تظل الحرب اليمنية هي الخلفية الثقيلة، الحاضرة بصمت كابوسي. الرواية لا تسرد الحرب كحدث سياسي بل كتجربة داخلية ممزقة، كبشاعة تستمر في اقتحام الحب، والذاكرة، والمستقبل. لا أحد يخرج منها سالمًا: لا الأم، لا العائلة، لا العاشقون، ولا حتى الوطن. يتسرب صوت اليمن في الرواية من بين الصمت، ومن تشققات الروح، لا عبر الشعارات، بل من جراح الطبقة والقبيلة والذكورة المنفلتة.
الرواية مكتوبة بلغة مشحونة، ذات إيقاع شعري وسينمائي. الجمل قصيرة حادة، متوترة، تنزلق أحيانًا إلى التأمل الفلسفي، وأحيانًا إلى تفجّر شعري لا يخلو من الإيروتيكا والاحتجاج. نقرأ وكأننا نشاهد فيلماً داخل عقل مريض، أو نُحتجز داخل حلم لا نعرف كيف نستفيق منه.
تُعتبر “خمسة/خمسة” واحدة من أكثر روايات عقبي طموحًا على مستوى البناء والتقنيات، حيث يدمج بين التجريب ما بعد الحداثي والجرأة في تفكيك السلطة الذكورية والمجتمعية. الرواية ليست متاحة فقط لقرّاء الرومانسية أو السياسية، بل لمحبي الرعب النفسي، السرد الغرائبي، ومحبي كافكا وماركيز على حد سواء.
“خمسة/خمسة”رواية عن الحب في زمن الحرب وهي أيضًا مسرح داخلي يضج بالأشباح، الأسئلة، والذكريات المعطوبة.