علي عبود
لم تتوقع الإدارات الأميركية المتعاقبة أن “تتمرد” بعض دول العالم، كروسيا والصين، وتبدأ بالتخطيط للتحرر من هيمنة الدولار، وهذا ماحصل فعلا خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا بعد اندلاع الحرب الأطلسية ـ الروسية على أرض أوكرانيا.
ولا يقتصر الأمر على الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية فقط، بل يشمل أيضا بعض الدول الحليفة أوالصديقة لأميركا، وهاهو وزير الصناعة والثرورة المعدنية السعودي يعلن بأن “الحكومة السعودية منفتحة على تطبيق أدوات اقتصادية جديدة، بما في ذلك استخدام (البترويوان) في التسويات المتبادلة”!
وإذا كان الوزير السعودي حرص على التأكيد بأن “المملكة ستظل منفتحة على الأفكار الجديدة وستعمل على عدم الخلط بين السياسة والتجارة”، فإن الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية بسبب سياساتها التي تعارض السياسات الأميركية، قررت تبني آليات دفع جديدة والتعامل التجاري بعملاتها الوطنية للتحرر من هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.
صحيح أن الوزير السعودي لم يعط تاريخا لبدء استخدام عملة “البترويوان”، لكن المملكة بدأت فعليا بدفع ثمن مبادلاتها التجارية باليوان الصيني، وهذا بحد ذاته مؤشر مهم لأن السعودية تُعدّ ثاني أكبر مُورّد للنفط إلى الصين بما لايقل عن 86 مليون طن سنويا ماسيعزز من مكانة “البترويوان” في حال سريان تطبيقه بين البلدين، أي بقبول السعودية اليوان بدلا من الدولار في مبيعات النفط للصين.
ونشير في هذا السياق إلى أن قيمة الإستثمارات الصينية في المملكة وصلت إلى 16.8 مليار دولار في عام 2023، مقابل استثمارات سعودية في الصين بقيمة 1.5 مليار دولار، وستزداد قيمة الإستثمارات بين البلدين في الأعوام التالية بعد توقيعهما لعدة أتفاقيات إقتصادية.
ولا يبدو إن الصين مستعجلة للتحرر من استحواذ الدولار الأميركي على سوق الطاقة، وخاصة أسواق النفط، فهي تسير ببطء لتحقيق هدفها، وحققت نجاحا ملحوظا في هذا المسار حيث صار اليوان عملة ثانية تفرضها بكين على الأسواق، ومنها الدول الخليجية التي باتت تبدي تعاونا أكبر مع بكين.
ويرى المحلل المالي ريتش تورين في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي أن مساعي الابتعاد عن الدولار لا تشمل اليوان الصيني وحده بل هناك بلدان أخرى لديها عملات رقمية للبنوك المركزية مثل مجموعة بريكس ما يمكنها من لعب أدوار ثانوية في التحول التدريجي بعيدا عن الدولار.
ووفقًا للمجلس الأطلسي، فإن 134 دولة واتحادًا نقديًا، يمثلون 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يستكشفون الآن تطوير العملة الرقمية للبنوك المركزية، فهي تتيح للبنوك بالدفع شبه الفوري بين الدافع والمدفوع له، في حين عملية الدفع عبر نظام “سويفت” مكلفة وبطيئة جدا.
الخلاصة: ما يؤكد إلغاء نظام “الدولرة” تدريجييا وبسرعة إن المدفوعات الرقمية باليوان مقابل النفط “البترويوان” أصبحت هي القاعدة بالنسبة للصين، دون أن يعني هذا الإطاحة بالدولار، لكنها تحولت إلى خيار فعال للتحرر من هيمنة الدولار السائدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
(أخبار سوريا الوطن-1)