| يحيى دبوق
ما الذي يدفع إسرائيل إلى الحديث، الآن، عن السلبية في المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة للنزاع البحري مع لبنان، بعد صمت رسمي وغير رسمي استمر أسابيع عقب الطرح الذي حمّله لبنان لـ«الوسيط» الأميركي عاموس هوكشتين؟ ما الذي بدّل التموضع؟ وما معنى أن يتحدث هوكشتين عن «تقليص الفجوات»، وأن تتحدث «مصادر إسرائيلية» عن «خيبة أمل»؟
هوكشتين شدد على ضرورة التفاؤل وعلى «إيمانه» بالقدرة على التوصل إلى «اتفاق مثالي» بين لبنان و«إسرائيل». وأعرب في حديث إلى الإعلام العبري، أمس، عن اعتقاده بوجود فرصة للتوصل الى اتفاق يشكل معلماً بين لبنان و«إسرائيل»، من دون علاقات مباشرة. وقال: «نحن لا نعمل في التطبيع. نحن نعمل على إيجاد حل يدعم اللبنانيين الذين يعانون من انهيار اقتصادي وأزمة، إذ يحصلون على ثلاث أو أربع ساعات كهرباء يومياً». وأضاف: «التقيت وزيرة الطاقة (كارين الهرار) ومسؤولين إسرائيليين آخرين خلال وجودي هنا، وأنا أتحدث عن هذا أيضاً مع اللبنانيين. وما يهمّ هو أن يفهم سكان المنطقة أن الطريق الوحيد هو اتفاق من خلال المفاوضات، وليس عبر العمليات العسكرية ولا عبر طرق أخرى، وفقط عبر المفاوضات».
لكن، ماذا عن تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله؟
من المؤكد أن هذه التهديدات حضرت بقوة على طاولة القرار في تل أبيب، وإن لم يجر تظهير ذلك مواقف وأفعالاً و«استعراضات». والأهم من ذلك هو ارتداع إسرائيل، بسياسييها وعسكرييها وإعلامها وخبرائها، عن ردود متناسبة مع التهديدات، وهي عادة غير متّبعة من الجانب الإسرائيلي، بل عمدت بدلاً من ذلك إلى الحديث عن «سلبية» و«خيبة أمل»، فيما ركّزت التقارير العبرية، أمس، دفعة واحدة بما يوحي كأنها موجّهة، على أنه «رغم أزمة الطاقة التي يعانيها لبنان، فان القيادة اللبنانية لم تقرر بعد ما إذا كانت ستجري مفاوضات جادة مع إسرائيل لحل القضية وإفادة مواطنيها».
اللعب على وتر الأزمة الاقتصادية، بمعنى الرهان عليها لفرض الإرادة الإسرائيلية على اللبنانيين في مفاوضات كانت غير متكافئة إلى ما قبل عملية المسيّرات، لا يعني بالضرورة أن «إسرائيل» لا تزال، كما سابقاً، تراهن على هذه الأزمة لفرض شروطها. ولكن، في مواجهة التهديدات الجدية لنصر الله، فإن التركيز على المفاوضات وعلى «الأخذ والعطاء» فيها، يجنّب إسرائيل التصعيد الكلامي التهديدي المؤذي لها، ما يفسر انكفاءها عن الرد بتهديدات مقابلة، وهو أمر تجيده.
وفي هذا السياق، يصعب تصديق أن «خيبة الأمل» الإسرائيلية مبنية على «الموقف اللبناني» الذي نقله هوكشتين أمس إلى المسؤولين الإسرائيليين، ما يوحي كأنه كان طوال الفترة السابقة يخفي «الموقف اللبناني» عن «إسرائيل»! «خيبة الأمل» ليست من موقف لبنان الذي علمت به «إسرائيل» فور تلقي هوكشتين له من المسؤولين اللبنانيين قبل أسابيع، وإنما من واقع تبلور في الأيام القليلة الماضية، وتدخّل حزب الله لتظهير جدية ذهابه بعيداً، عسكرياً إن تطلب الأمر، لتحصيل الحق اللبناني. وخيبة الأمل، هنا، قد تكون مبنيّة على تبدّد الرهانات على أن الأزمة الاقتصادية في لبنان تقيّد حزب الله، وهي ناتجة أيضاً من كلمة نصر الله، ومن الأفعال التي سبقتها وأظهرت الجدية اللبنانية، ووضعت الكرة في الملعب الإسرائيلي والأميركي: حل مُرضٍ للبنان مع تصعيد، أو حلٍّ مُرضٍ للبنان دون تصعيد.
تحريض في إسرائيل لواشنطن على استبعاد لبنان من نظام «سويفت»
هذا ما نريده من الرئيس الأميركي، وليس التحدث عن القيم المشتركة، في لقاءاته في إسرائيل».
على خلفية هذين السؤالين، تأتي أهمية متابعة ما يرد من واشنطن، قبل متابعة ما يرد من تل أبيب. إذ قال منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، للإذاعة العبرية أمس، إن هدف واشنطن هو «استمرار المفاوضات بين إسرائيل ولبنان وتوقف التهديدات، وكنا واضحين بهذا الخصوص، ونحن مستمرون في الحوار قدر الإمكان، من أجل استمرار هذه المحادثات التي نريدها أن تثمر فعلاً».
قد يكون في كلام كيربي إجابات عن التساؤلات، لكنه أيضاً كلام حمّال أوجه، إذ يفيد بأن هناك إرادة أميركية في مواصلة التسويف، كما يفيد – في الموازاة – بأن هناك توجّهاً لرضوخ ما تبعاً لمتغيّر التهديدات التي يحرص على المطالبة بوقفها.