تستهدف الاستراتيجية جعل كلالمعاملات المالية – الحكومية والخاصة – رقمية بنسبة تقارب 90% بحلول عام 2026، وهو ما سيعزز الناتج المحلي للإمارة بما يزيد عن 8 مليارات درهم سنوياً.
لم تعد دبي تكتفي بلقب المدينة الذكية أو المركز المالي والتجاري الإقليمي، بل باتت اليوم ترسم مساراً جديداً نحو مستقبل رقمي خالص، من خلال استراتيجيتها الطموحة “دبي اللانقدية”، التي أُعلنت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024. هذه الخطوة لا تعكس فقط التزام الإمارة مواكبة التحولات العالمية، بل تضعها في صدارة المدن التي تراهن على المدفوعات الرقمية ركيزة للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
ملامح استراتيجية “دبي اللانقدية”
تستهدف الاستراتيجية جعل كل المعاملات المالية – الحكومية والخاصة – رقمية بنسبة تقارب 90% بحلول عام 2026، وهو ما سيعزز الناتج المحلي للإمارة بما يزيد عن 8 مليارات درهم سنوياً.
وتعتمد الخطة على:
التقنيات المالية الحديثة (FinTech) عبر البطاقات والتطبيقات المصرفية.
الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وحماية المعاملات.
حلول الدفع اللاتلامسي التي باتت تشكل معياراً عالمياً بعد جائحة “كوفيد-19”.
شراكات بين القطاعين الحكومي والخاص لتوسيع قنوات الدفع وضمان أمن المعاملات وسهولتها.
رؤية متجذرة وليست وليدة اللحظة
في هذا الإطار، يؤكّد الباحث الاقتصادي د. محمد موسى في حديث إلى “النهار” أن “هذه الخطوة ليست قفزة مفاجئة، بل نتيجة سياسة مالية رقمية أرست دعائمها دبي منذ أكثر من عقد”، موضحاً أن “استراتيجية دبي بلا نقد ليست وليدة اليوم، بل ثمرة تعاون مستمر بين القطاعين العام والخاص، ورغبة حقيقية في جعل الابتكار التكنولوجي المالي جزءاً من السياسة العامة للمدينة”.
ويلفت إلى أن “دبي، بصفتها مدينة عالمية، لا يمكن أن تبقى بعيدة من التحولات التكنولوجية، إذ إن أكثر من 97% من المعاملات الحكومية في الإمارات – وتحديداً دبي – أصبحت رقمية منذ عام 2020”.
هذا التحول، بحسب موسى، “ألغى البيروقراطية والاعتماد على الورق، وساهم في تعزيز الاستدامة البيئية من خلال تقليل الأثر الكربوني للمعاملات التقليدية”.
مكاسب اقتصادية واجتماعية
تتجاوز فوائد هذا المشروع حدود التسهيل الإداري لتشمل تحفيز الاقتصاد الرقمي وتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا المالية، زيادة الكفاءة والشفافية في المعاملات التجارية، تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر ربطها بالبنية التحتية الرقمية، بالإضافة إلى تعزيز صورة دبي مدينة متكاملة تقنياً، قادرة على استقطاب الاستثمارات والسياح والمقيمين الباحثين عن تجربة مالية آمنة وفعّالة.

التحديات المحتملة
رغم الطموحات، يلفت موسى إلى أن هناك تحديات لا بد من التعامل معها، ويذكر منها: 1)ضمان أمان الاستخدام عبر أنظمة حماية متقدمة ضد الاحتيال والهجمات السيبرانية.
2) التوعية المجتمعية لتسهيل تقبّل العمال، المواطنين والسياح لهذا التحول.
3)التكامل الدولي مع الأنظمة المالية والتجارية العالمية لضمان انسيابية التعاملات عبر الحدود.
تجارب دولية مشابهة
دبي ليست وحدها في هذا السباق. العديد من الدول تسعى الى بناء اقتصاد رقمي بلا نقد. وتعتبر السويد من الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال، ومن المتوقع أن تصبح دولة بلا نقد بشكل شبه كامل بحلول 2030.
أما الصين، فدفعت بقوة نحو تعميم الدفع عبر التطبيقات مثل “وي تشات باي” و”علي باي”، لتصبح المدفوعات الرقمية جزءاً أساسياً من الحياة اليومية.
في الهند، أطلقت مبادرات قوية منذ عام 2016 عبر منصة “UPI”، التي حققت مليارات المعاملات الشهرية، ما جعلها نموذجاً صاعداً في التحول الرقمي.
نحو الخليج الرقمي 2030
من خلال هذه الاستراتيجية، تمهّد دبي الطريق، ليس للإمارات فحسب، بل لكل دول الخليج لتبني نموذجاً اقتصادياً متحرراً من النقد بحلول 2030. وكما يؤكد، فإن هذا المشروع “قد يشكّل مدخلاً لتحول اقتصادي ومالي على مستوى المنطقة ككل”.
في المحصّلة، إنّ ما تقوم به دبي اليوم ليس مجرد تحديث في وسائل الدفع، بل هو تحول بنيوي في اقتصادها ومجتمعها يجعلها واحدة من أوائل المدن العالمية التي تعلن عملياً نهاية عصر الكاش. وبينما تتهيأ الإمارة لحصد ثمار هذا التحول – اقتصادياً وبيئياً وتقنياً – تبقى تجربتها نموذجاً تحتذي به المدن الطامحة إلى أن تكون جزءاً من المستقبل الرقمي للعالم.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية