يُعدّ الفجل من النباتات الجذرية التي تنتمي إلى الفصيلة الصليبية (Brassicaceae)، ويُزرع في مختلف أنحاء العالم منذ العصور القديمة لأغراضٍ غذائيةٍ وطبيةٍ. تميّز الفجل بمذاقه اللاذع الناتج عن احتوائه على مركّبات الكبريت العضوي، وبقيمته العالية في تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض. تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أهم مكونات الفجل الكيميائية وخصائصه البيولوجية والعلاجية المدعومة بالأبحاث العلمية الحديثة.
أولاً: التركيب الكيميائي للفجل
يحتوي الفجل على مجموعة غنيّة من المركّبات الفعّالة، من أبرزها:
الفيتامينات: خصوصًا فيتامين C، وفيتامينات المجموعة B مثل B6 وB9، إضافة إلى كمياتٍ قليلة من فيتامين A وK.
المعادن: مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم، الحديد، والفوسفور.
المركبات الفينولية والفلافونويدات: ذات الخصائص المضادة للأكسدة.
الغلوكوزينولات (Glucosinolates): وهي مركبات كبريتية تتحول عند تكسيرها إلى الإيزوثيوسيانات، المعروفة بقدرتها على مقاومة الالتهابات والخلايا السرطانية.
الألياف الغذائية: التي تساهم في تحسين عملية الهضم وتنظيم مستوى السكر في الدم.
ثانياً: الفوائد الصحية والعلاجية للفجل
1. تعزيز صحة الجهاز الهضمي
يساعد الفجل في تحفيز إفراز العصارات الهضمية ويُسهم في تسهيل عملية الهضم بفضل محتواه من الألياف. كما تشير دراسات إلى أن مستخلصات الفجل قد تقي من القرحة المعدية عبر خفض إفرازات الحموضة وحماية الغشاء المخاطي المعدي.
2. دعم الكبد وإزالة السموم
تؤكد بحوث علمية أن لمستخلص الفجل الأسود دورًا مهمًا في تنشيط الإنزيمات الكبدية وتعزيز قدرة الكبد على إزالة السموم. كما يُستخدم تقليديًا لعلاج اليرقان ومشكلات الكبد الناتجة عن تراكم الدهون أو المواد السامة.
3. تنظيم ضغط الدم ووظائف القلب
يُعدّ الفجل مصدرًا غنيًا بالبوتاسيوم، الذي يساعد على توسيع الأوعية الدموية وخفض ضغط الدم. كما أن مضادات الأكسدة الموجودة فيه تقي من أكسدة الكولسترول الضار (LDL)، ما يقلل من خطر الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب.
4. الوقاية من السرطان
أثبتت دراسات مخبرية أن مركبات الغلوكوزينولات والإيزوثيوسيانات في الفجل تملك قدرة على تثبيط نمو الخلايا السرطانية، خاصة في سرطانات القولون، والثدي، والمعدة. وتعمل هذه المركّبات عبر تحفيز إنزيمات إزالة السموم من الجسم وتعطيل الجينات المسببة للورم.
5. تنظيم مستوى السكر في الدم
الفجل منخفض السعرات والكربوهيدرات، ويحتوي على مركبات تقلل من امتصاص السكر في الأمعاء. كما تشير دراسات حيوانية إلى أن مستخلص الفجل قد يحسّن حساسية الإنسولين ويُسهم في خفض مستويات الجلوكوز في الدم.
6. دعم صحة الجهاز التنفسي
في الطب الشعبي، يُستخدم عصير الفجل لعلاج الاحتقان والسعال ونزلات البرد، إذ يعمل كمذيب طبيعي للبلغم ومطهّر للجهاز التنفسي. وتدعم بعض الأبحاث هذا الاستخدام نظرًا لخصائصه المضادة للبكتيريا والالتهابات.
7. تقوية المناعة ومقاومة الالتهابات
يُعتبر الفجل من المصادر الجيدة لفيتامين C الذي يلعب دورًا محوريًا في تحفيز الجهاز المناعي، كما أن مضادات الأكسدة الأخرى تساهم في الحد من الالتهابات المزمنة التي قد تؤدي إلى أمراض القلب والسرطان.
8. تعزيز صحة الجلد والشعر
يساعد محتوى الفجل من الماء والمعادن والفيتامينات على ترطيب البشرة وتحفيز إنتاج الكولاجين. كما أن الخصائص المضادة للأكسدة والبكتيريا تجعله مفيدًا في مكافحة حب الشباب والالتهابات الجلدية.
9. دعم الكلى والتخلص من السموم
للفجل تأثير مدرّ للبول، مما يساهم في تنظيف الكلى والمجاري البولية من السموم والأملاح الزائدة. وقد أشارت دراسات إلى أن استهلاك الفجل يساعد في الوقاية من تكوّن الحصى البولية.
ثالثاً: الاستعمالات الغذائية والطبية
يُستهلك الفجل طازجًا في السلطات أو كعصير أو كمستخلص طبي. كما يدخل في صناعة المستحضرات الدوائية العشبية الموجّهة لعلاج أمراض الكبد والجهاز التنفسي والهضمي. وأثبتت بعض الأبحاث أن مستخلص الفجل الأسود يمكن أن يُستخدم كعامل طبيعي لحماية الكبد من الأدوية السامة مثل الباراسيتامول.
رابعاً: التحذيرات والآثار الجانبية المحتملة
رغم فوائده، يجب الاعتدال في تناول الفجل، إذ إن الإفراط قد يؤدي إلى:
اضطرابات هضمية أو غازات بسبب محتواه العالي من الألياف.
تهيج الغدة الدرقية في حال الاستهلاك المفرط لأن الغلوكوزينولات قد تؤثر على امتصاص اليود.
كما يُنصح مرضى القرحة الشديدة أو القولون العصبي بتناوله بحذر.
ختاما:
الفجل نبات غذائي ودوائي ذو قيمة بيولوجية عالية، يجمع بين الفوائد الوقائية والعلاجية في آنٍ واحد. تركيبته الغنية بالمركبات الكبريتية والفينولية تمنحه خصائص قوية مضادة للأكسدة، ومطهّرة، ومنظّفة للجسم. تؤكد الأبحاث الحديثة أن استهلاك الفجل المنتظم، باعتدال، يُسهم في دعم الكبد، وتحسين الهضم، وتنظيم السكر والضغط، والوقاية من أمراض العصر، مما يجعله عنصرًا مهمًا في النظام الغذائي الصحي.
(أخبار سوريا الوطن1-أكاديمية العلوم الطبية)