آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » دراما الأزمة في ظل الحرب … بلال شحادات لـ«الوطن»: الدراما السورية أضاعت البوصلة! .. حين يحمل الفن سلاحاً كما الجندي المقاتل!

دراما الأزمة في ظل الحرب … بلال شحادات لـ«الوطن»: الدراما السورية أضاعت البوصلة! .. حين يحمل الفن سلاحاً كما الجندي المقاتل!

| محمد قاسم الساس

إذا افترضنا أن الدراما فن إنساني يدعو إلى السلام، فإنها على العكس فيما يخص الدراما السورية ومعالجتها للحرب.

إنّ فن الدراما يعالج سلوكيات البشر ضمن حكايات فيها أحداث وأبطال كي يطرح على الجمهور أسئلة تستفزه نحو التغيير من أجل تحقيق أعلى قيمة من الإنسانية، أو يقدم له حلولاً تنفعه في تطوير العلاقات بين أفراده، لكننا لو اتخذنا موقع المراقب الخارجي لكل الأعمال الدرامية التي انتشرت منذ بداية الحرب في سورية وحتى يومنا هذا، لوجدناها أعمالاً مسيسة تقف مع طرف ضد الآخر وكأنها جندي يحمل السلاح على الجبهة ضد عدوه. مع العلم أن هذا الاستنتاج يستثني الجماعات الظلامية الإرهابية التي لا تستحق أن تندرج ضمن قائمة البشر أصلاً.

ولحصر أعمال الدراما السورية التي عالجت الحرب التقت «الوطن» الناقد والسيناريست «بلال شحادات»، الذي يرى من وجهة نظره عدم نضج أي تجربة درامية عالجت الحرب في سورية على مدى أعوام، باعتبار أن الحرب في سورية لم تنته بعد، ومهما حاولت الدراما تغطية ما يجري فإنها ستبقى قاصرة ما دامت الحرب مشتعلة بين الأطراف المحلية والدولية. قائلاً: «نحن في حاجة ماسّة إلى عدة سنوات بعد انتهاء هذه الحرب حتى نستطيع تحليل ونقد تجربة الحرب درامياً إن كنا نهدف إلى تقديم دراما صادقة تستطيع تقديم ظاهرة الحرب ضمن رؤية إيجابية لا تأجيج فيها لطرف ضد آخر».

وأضاف: «بناءً على ما تم إنتاجه من دراما بالتزامن مع سنوات الحرب وتطورها وانقلاباتها وكل المتغيرات التي طرأت عليها فالنتيجة القاسية التي يمكننا ملاحظتها هي الشيزوفرينيا الدرامية (الانفصام الدرامي في المعالجة والرؤية والمقولة) التي قسّمت الجمهور وقسّمت الحكايات وقسّمت الممثلين، وقسّمت حتى جهات الإنتاج والتوزيع، إلا ما ندر منها.

هذا الانقسام أعطى فرزاً علنياً لكل من يعمل في الدراما السورية، وللجمهور أيضاً، حيث صار هناك دراما المعارضة ودراما التأييد ودراما عدم الانحياز – أو الدراما التي اختارت الابتعاد عن الحرب وأطرافها المتصارعة- ولكل دراما جمهورها الذي يرفض أن يتابع ما يقدمه الآخر ولو من باب العلم بالشيء مع الأسف».

قالوا في المثل الصيني: «قل لي وسوف أنسى، أرني وربما أتذكر، أشركني وسوف أحفظ». تلك المشاركة بالضبط هي ما تستميل المشاهد للأعمال الدرامية، حين يتفاعل مع أحداث الكلمة التي تجسدها الحركة، والإيحاءات النفسية والكلمة المنطوقة، فتغرس في نفسه القيم غرساً، سواء كانت إيجابية أم سلبية.

الحديث عن الدراما هو حديث عن لغة ضخمة في التعبير والتغيير وصناعة الرأي العام، تعتمد على مجموع الحواس، وليس على مجرد السماع، وتخاطب الإنسان كله، وتستهدف المتعة والإثارة والتعليم في وقت واحد».

الأعمال الدرامية ليست فقط أداة للترفيه والإمتاع والتسلية والتثقيف، إنما هي أداة لتوجيه الرأي العام، الذي يعرف على أنه «الرأي السائد بين أغلبية الشعب الواعية في فترة معينة بالنسبة لقضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش، وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الإنسانية الأساسية مسّاً مباشراً».

فأين تكمن المشكلة؟ لماذا لا نرى البديل الهادف للدراما السورية الحالية؟

يجيب شحادات: «يرجع إخفاق الدراما إلى عجزها في تقديم مشروع درامي قادر على جذب كل الأطراف من أجل متابعة تثير المتعة وتكون موضوعية تنتهي بتقديم مقولة تفيد في البحث عن حلول أو المبادرة بإرساء سلام (ولو على مستوى الدراما فقط)، لأن ذلك من شأنه أن يثير في الجمهور التفكير في الأخطاء التي ارتكبها علّه يبادر من أجل سلام فعلي ينهي تلك الحرب».

وأضاف: «انشغال كل فصيل من فصائل الدراما التي ذكرتها سابقاً بتقديم المسوغات لأبطالها كي يفعلوا ما يخدم مصالح جهة التمويل السياسية أو يحقق أهداف هذه الشريحة من الجمهور الذي يتابعها من دون الاعتراف بأي طرف آخر، وفوق ذلك تحويله من دون سابق إنذار إلى عدو شرير لا سبيل إلى القبول به نهائياً.

فوق هذا كله فشلت الدراما السورية في معالجة ظروف الحرب درامياً لأنها اعتمدت على إثارة الشفقة وتبكيت المشاعر بما يخدم عواطف جمهورها على حساب شيطنة الطرف الآخر من دون مبررات دامغة ومقنعة. وللأسف كل الأطراف تورطت في تقديم دراما ناقصة تخدم مصالحها وتبعاً لذلك لا يسعنا الجزم بأن هناك مسلسلاً درامياً واحداً استطاع معالجة الحرب من خلال حكاية متينة وقوية تستطيع جذب كل الأطراف وتستفزهم للبحث عن حلول بدلاً من توجيه الاتهامات والتنكيل والاستهزاء، رغم وجود قلة من الأعمال التي سعت لجمع كلا الطرفين معاً، إلا أنها لم تستطع أن تطرح نفسها كظاهرة يمكن التعويل عليها، بل بقيت محاولات يتيمة».

يُعتبر الفن أحد المقومات الأساسية في صياغة الوعي والثقافة ولاسيما في البيئات العربية، ويعتبر الفن من الأدوات الأساسية لصرف الانتباه عن قضايا معينة أو التركيز على موضوعات بعينها، ولا يمكن أن نغفل عن هذا التأثير على الحياة الفنية كأحد آليات المواجهة والسيطرة على الوعي والتأثير.

وبناءً عليه فلن يكون من المنطقي الحديث عن نهضة الدراما السورية بالشكل الذي عهدناه من قبل في ظل التسييس الدائم للأوضاع الفنية والتدخل العام في الصناعة، علماً بأن الأخيرة تعتمد جدياً على الفن كأحد آليات السيطرة الثقافية وإحكام إبقاء الوضع من دون تسوية نهائية.

ويؤكد بلال شحادات أن كل الأعمال الدرامية التي كان بطلها الرئيسي في الحكاية هو الحرب أثبتت فشلها في المعالجة الموضوعية والإنسانية لما جرى على أرض الواقع، قائلاً: «يا ليتها لم تكتب ولم تنتج ولم تعرض على الجمهور، لأنها ساهمت أكثر في انفصام الجمهور بين مؤيد ومعارض، وهذا أكبر إخفاق يمكن للدراما أن تصل إليه.

الحرب لم تنته بعد، وطالما أنها ما زالت مشتعلة فلا دراما قادرة على معالجتها مهما كانت موضوعية. وأكبر عيب يمكن أن تتهم به الدراما هو أنها قسمت الحكاية إلى حكايتين والجمهور إلى جمهورين والمعالجة الدرامية إلى معالجتين. وهذا يجعل منها دراما غبية ليست من الذكاء بمكان كي تجذب كل دراما جمهور الطرف الآخر وتجبره على المتابعة نتيجة مصداقيتها وتقنعه بفحوى قضيتها العادلة. لذا يمكننا القول بأن الدراما شاركت في الحرب بدلاً من معالجتها وانقسمت مع أطراف ضد أطراف ما جعلها عارية عن الموضوعية وغير جاذبة لمن يعارضونها».

حين تتوقف الدراما السورية عن تصوير الطرف الذي تدافع عنه بأنه ملاك طاهر، نجدها في أحيان أخرى حين تصور الطرف الآخر الذي تصارعه بأنه شيطان رجيم، عندها تستطيع تقديم حكايات تتوازن فيها القوى، وتستطيع أن تجمعهم رغم خلافاتهم من أجل إحلال السلام الذي يعني كل السوريين على السواء، وحينها ستكون الدراما قد عالجت الحرب بشكل صحيح وساهمت في إرساء قواعد للتفاهم الإنساني بين الأطراف المتصارعة، وحينها ستكون الدراما السورية فناً راقياً ذا أهداف إنسانية.

من يستجهن هذا الكلام أو يستنكر فحواه فليذهب ويشاهد معظم الأعمال الأجنبية التي عالجت الحروب في مختلف أرجاء العالم وليدقق كيف أنها لم تقف مع طرف ضد آخر إلى الأقصى، وكيف أنها جمعت الأضداد وساهمت في إحلال السلام، وجذبت جمهور الطرفين المتصارعين في أي حرب عالجتها.

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

زوبعة طه حسين بمصر

د. خالد فتحي عبارة واحدة لفراس سواح .”انا أفضل من طه حسين، ” كفت كي تثور زوبعة عاتية بمصر اسمها طه حسين، وكي يجد أمناء ...