د. مازن سليم خضور
بداية العام الدراسي في سورية يعتبر تحدياً في ظل الحرب والأوضاع منذ العام 2011 والاستهداف المباشر للمنظومة العلمية والتربوية من حيث الكادر التدريسي والتعليمي من جهة، واستهداف البنية التحتية من جهة، واستهداف الطلاب أيضاً، وهذه الاستهدافات سنتحدث عنها بإيجاز ضمن هذا المقال.
منذ بداية الحرب على سورية كان قطاع التعليم من أكبر القطاعات المتضررة فنسبة السكان الذين كانوا يحصلون على التعليم قبل الحرب كانت 95% مقابل أقل من 5% نسبة الأمية، وفي العام 1972 أصدرت الحكومة السورية حينها قانون محو الأمية، الذي حقق خطوات ملموسة بهذا الصدد، وبحلول العام 2008 تم إعلان كل من القنيطرة والسويداء وطرطوس محافظات خالية من الأمية بشكل كامل، وتبعتها في العام 2010 إعلان محافظات درعا واللاذقية وحماة خالية من الأمية، كذلك وحسب الخطط الموضوعة فكان ينبغي الوصول إلى صفر أمية في العام 2015/2016، وذلك وفق تصريحات حكومية نشرت في وقتها إلا أن مجريات الحرب غيرت كل هذا و بعد مرور عشر سنوات من الحرب صدر تقرير لـ”الأمم المتحدة (الإسكوا) و جامعة سانت أندروز” صدر في أيلول 2020 أنه “يوجد في سورية أكثر من 2.4 مليون طفل غير الملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المائة تقريباً من الفتيات.
ومن المرجح أن يكون العدد قد ارتفع خلال عام 2020 نتيجة تأثير جائحة “كوفيد-19” التي أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سورية.
لم تعُد واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا صالحة للاستخدام لأنها تعرضت للدمار أو للضرر أو لأنها تُستخدم لأغراض عسكرية.
أما الأطفال القادرون على الالتحاق بالمدارس، فإنهم يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظة، وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة أو التهوية.
الضرر الذي حصل على المنظومة التربوية والتعليمية والثقافية في سورية كان كبيراً جداً لناحية خروج عدد كبير من المدارس من هذه المنظومة، واستخدامها كمقرات عسكرية من قبل التنظيمات الإرهابية وسجون في انتهاك صارخ لكل القوانين والتشريعات، حتى إن المدارس والطلاب لم يكونوا بمنأى عن التفجيرات الإرهابية التي حصلت، ولازال استهداف طلاب مدرسة عكرمة الجديدة، وعكرمة المخزومية في فترة الخروج من المدرسة بتفجير مزدوج أدى إلى ارتقاء/ 45 /شهيداً أغلبهم من الطلاب شاهداً على إجرام تلك التنظيمات.
من جهة ثانية لم يكن العاملون في القطاع التعليمي بمنأى أيضا عن الاستهداف بعمليات الخطف والقتل من قبل التنظيمات الإرهابية، هذا ما دفع العديد إلى المغادرة إلى خارج القطر، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية التي عانى منها الجميع.
هذا من جهة بقطاع التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي أما فيما يخص التعليم العالي فالمشهد ذاته لناحية استخدام هذه الجامعات كمقرات للتنظيمات الإرهابية، ومنع الطلاب من الحصول على التعليم، واستهداف الكادر التدريسي والتي أدى إلى هجرة قسم كبير من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات والمعاهد العليا السورية إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى تدمير الأبنية الخاصة بالجامعات وسرقة محتوياتها، وهذا ما أكدته رئاسة جامعة الفرات عن انتهاكات ميليشيا “قسد” بحق المؤسسات التعليمية والتخريب الممنهج الذي تعرضت له كليات الجامعة في فرع الحسكة وتفاصيل منع الطلاب من التقدم للامتحانات الجامعية بكلية الزراعة.
وأكد رئيس جامعة الفرات الدكتور طه الخليفة في لقاء تلفزيوني بأنه تم استهداف ممنهج لبعض مباني جامعة الفرات في الحسكة من قبل طيران الاحتلال الأمريكي، وتبِع ذلك ترحيل كافة المستلزمات العلمية والمخبرية الموجودة في الكليات إلى أماكن مجهولة و التي تُقدّر قيمتها بعشرات المليارات.. مشيراً إلى “خطورة الانتهاكات وأعمال التدمير التي طالت الأبنية الجامعية وتهدد مستقبل آلاف الطلاب في محافظة الحسكة.
كل هذا رافقه عمليات تتريك للمناهج في الشمال المحتل وبناء مدارس وجامعات مناهجها مختلفة عن مناهج وزارة التربية والتعليم العالي كما يفعل الاحتلال التركي من جهة وميليشا “قسد” من جهة، وكذلك في مخيمات اللجوء في الدول المختلفة.
يأتي هذا في وقت تم إجراء خطوات عملية على الأرض من قبل الحكومة لإعادة المنظومة التعليمية إلى مسارها الصحيح من خلال مجموعة من الخطوات منها إعادة تأهيل المنشآت التعليمية المختلفة، وتحديث للمناهج التربوية وإقامة مسابقات لرفد الكوادر التعليمية المختلفة فيما قررت اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي قبول جميع الطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية العامة بفروعها كافة في الجامعات والمعاهد السورية للعام الدراسي 2022-2023 والبالغ عددهم 131892 طالباً وطالبة، وتم التركيز على زيادة عدد المقاعد لبعض الاختصاصات في الكليات والمعاهد التي يحتاجها سوق العمل وبما ينسجم مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
و التركيز أيضاً على الاختصاصات الأكثر احتياجاً لإعادة الإعمار ومراعاة متطلبات التطوير العلمي والتكنولوجي العالمي، والمواءمة بين سياسة الاستيعاب وجودة العملية التعليمية، وزيادة الطاقة الاستيعابية في بعض الكليات الهندسية والمعاهد التقانية المرتبطة باحتياجات سوق العمل، مشدداً على أهمية الارتقاء بمستويات التعليم والبحث العلمي في الجامعات والمعاهد الحكومية، وتأمين كافة المستلزمات والتجهيزات للنهوض بالمنظومة التعليمية.
و زيادة عدد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات والمعاهد، وتوسيع الملاكات لأعضاء الهيئة التدريسية، إضافة إلى تحديث وتزويد المخابر بالتجهيزات الحديثة ووسائل التعليم التقانية، كما يتم التركيز على الجوانب التطبيقية والعملية وبرامج التدريب وتطوير الكتاب الجامعي من خلال التحول التدريجي إلى الكتاب الرقمي.
كل هذا يجب أن يترافق مع خطوات لعودة المهجرين والعمل على إعادة تأهيل الكوادر البشرية والمحافظة عليها، وتحديث المناهج للحفاظ على هذه المنظومة التي كانت رائدة على مستوى المنطقة.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة