آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » دعوى جنوب أفريقيا وإلزامية قرارات محكمة العدل

دعوى جنوب أفريقيا وإلزامية قرارات محكمة العدل

 

رأي يوسف بسام

 

محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. تأسست عام 1945، وتتولى، طبقاً لأحكام القانون الدولي، الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (البالغ عددها 193 دولة)، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة المأذون لها بذلك (المادة 96 من النظام الأساسي للمحكمة). وهي تقدّم مساهمةً مهمةً في السلم والأمن العالميين، وتوفّر وسيلةً للدول لحل القضايا من دون اللجوء إلى النزاع. وتتولى النظر في جميع القضايا التي تحيلها الأطراف إليها، وجميع المسائل المنصوص عليها بشكلٍ خاص في ميثاق الأمم المتحدة، أو في المعاهدات والاتفاقيات النافذة.

دعوى جنوب أفريقيا

ازداد الاهتمام الإعلامي بمحكمة العدل الدولية بعد أن رفعت جنوب أفريقيا دعوى أمام المحكمة ضد «إسرائيل» في تاريخ 29 كانون الأول 2023، جمعت فيها أدلةً على قتل «إسرائيل» لآلاف الفلسطينيين في قطاع غزة. وجاء في الدعوى أنّ سلوك «إسرائيل» – عبر أجهزة الدولة ووكلائها وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها – يُشكّل انتهاكاً لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة بموجب «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» (المادة الثانية خصوصاً الفقرات: أ، ب، ج، د) (1)، وأظهرت نمطاً منظّماً من السلوك يمكن عبره استنتاج الإبادة الجماعية، وتدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية الفلسطينية الأوسع، والمجموعة العرقية والإثنية، وسبّبت لهم أذى جسدياً وعقلياً خطيراً.

تكمن أهميّة الدعوى (التي تقع في 84 صفحة محكمة (8)) بأنها «دعوى استعجالية» بطبيعتها (3)، مبنية على معلومات واقعية وأدلة جُمعت من مصادر مختلفة، تركّز على عناصر الفعل الإجرامي وعلى عناصر القصد الجنائي، من أجل اتّخاذ تدابير مؤقتة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الفلسطينيين، بدلاً من مناقشة قضية الإبادة الجماعية الكاملة الآن، وهو ما سيحدث في وقت لاحق (4). فعندما تتعلّق الدعوى بجرائم إبادة جماعية، فإن الطّرف المدّعِي، عليه أن يثبت للمحكمة حصول أفعال متعمّدة منسوبة للمدَّعَى عليه. وهنا، إنّ الجدل القانوني سيتعلّق بالوقائع وثبوتها، وعليه بعد ذلك أن يُثبت انطباق التوصيف القانوني المتمثل في جريمة الإبادة الجماعية» على هذه الأفعال.

وعُقدت جلستان يومي 11 و12 كانون الثاني 2024 للاستماع، وكانت البداية مع جنوب أفريقيا، إذ استمع القضاة حصريّاً إلى طلبها باتخاذ إجراءات عاجلة تأمر «إسرائيل» بوقف عملياتها العسكرية في غزة، وأدلى الوفد الإسرائيلي في اليوم التالي ببياناته. ونظراً إلى المدة التي تستغرقها الإجراءات القانونية وبطء وتيرتها، يجوز لمحكمة العدل الدولية، عندما توجب ذلك طبيعة الدعوى والظروف، اتّخاذ قرار بفرض تدابير احتياطية مؤقتة للحفاظ على الحقوق الخاصة بأيّ من أطراف الدعوى، ريثما يُتّخذ القرار النهائي. ويجب فوراً إبلاغ الأطراف ومجلس الأمن بالتدابير المقترحة (المادة 41 من النظام الأساسي). والشيء الذي يتعرّض للخطر هنا هو حماية حقوق أيّ من الأطراف ومنع أفعال خطيرة لا رجعة فيها تُرتكب أثناء المدة التي يتطلّبها التحقيق في حيثيات القضية. وهي تجنّب أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو اتّساعه، ولها الأولوية على جميع القضايا الأخرى المعروضة على المحكمة بسبب إلحاحها. وتُعتبر هذه التدابير، من دون المساس بالقرار النهائي، إلزاميةً بطبيعتها. ويشكّل عدم احترام هذه التدابير الاحتياطية إخلالاً بالالتزامات الدولية للدول المعنية، وتترتب عليه مسؤولية قانونية. ويولي الحكم النهائي للمحكمة مراعاةً كاملةً لاحترام التدابير الاحتياطية الصادرة أثناء التحقيق أو لانتهاكاتها.

وفي تاريخ 26 كانون الثاني 2024، أصدرت المحكمة قراراً ملزماً أمرت فيه «إسرائيل» باتّخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، ورفضت الطلب الإسرائيلي رفضَ الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا. وصوّتت غالبية شبه كاملة من أعضاء لجنة المحكمة لمصلحة اتخاذ إجراءات عاجلة تلبي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا، باستثناء توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة، لأنه من ناحية قانونية لا يمكن للمحكمة أن تأمر بوقف العمليات العسكرية بين دولة وحركة مسلّحة، وهي ليست بين دولة ودولة (كما هو الحال بين روسيا وأوكرانيا)، والمحكمة تختصّ فقط بالأحكام التي تتعلّق بالدول. وأضافت المحكمة أن على «إسرائيل» التزام تجنّب كل ما يتعلّق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحّة في القطاع فوريّاً. ونص القرار على رفع تقرير للمحكمة خلال شهر بشأن مدى الالتزام بتنفيذ الإجراءات المؤقتة، أي وضع «إسرائيل» تحت الوصاية الدولية لمدة شهر.

ويشكّل القرار خطوةً متقدمةً في محاكمة «إسرائيل» التي تعتبر نفسها «دولةً فوق القانون»، ووضعها في قفص الاتهام، وإحراجاً لحلفائها وللولايات المتحدة الأميركية على الصعيد الدولي، بغض النظر عن التزامها بتنفيذه أم لا. يبقى أنه في حال انتقال القضية إلى مناقشة ما إذا ارتكبت «إسرائيل» إبادةً جماعيةً أم لا، فإن الأمر قد يستغرق سنوات.

 

المحكمة وآلية عملها

أُنشئت المحكمة بموجب الفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة (مؤلف من خمسة مواد من المادة 92 إلى المادة 96، تحدّد أهم الأحكام العامة المتعلقة بالمحكمة) الموقّع في سان فرانسيسكو في 26 حزيران 1945، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهي حلّت محل «المحكمة الدائمة للعدالة الدولية». ويُعتبر النظام الأساسي لها جزءاً لا يتجزأ من الميثاق، وهي واحدة من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة التي تشمل: الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية والأمانة العامة. ونصّت المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة على:

«تُنشأ محكمة العدل الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة لتكون الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وتعمل وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي».

كما أنها الجهة الوحيدة من الأجهزة الستة التي يقع مقرّها في قصر السلام في مدينة لاهاي في هولندا، وليس في مدينة نيويورك (المادة 22 من الفصل الأول من نظام المحكمة). تتألف المحكمة من 15 قاضياً (يُضاف إليها قاضٍ واحد من كل طرف في هذه القضية)، يُنتخبون لولاية مدتها تسع سنوات من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. تُطرح خمسة مقاعد للانتخابات كل ثلاث سنوات، مع عدم وجود حدّ لعدد الولايات المتتالية. ولا يمثّل أعضاء المحكمة حكوماتهم، بل هم قضاة مستقلّون ومن جنسيات مختلفة، ولا يوجد أيّ قاضٍ من الجنسية نفسها، ويجب أن يتمّ توزيعهم جغرافياً بشكل عادل واختيارهم بطريقة تكفل تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم (المادة 9 من النظام الأساسي للمحكمة) (5).

تبدأ القضية المرفوعة أمام المحكمة عندما تقدّم الأطرافُ المرافعات وتبادلها والتي تحتوي على: بيان تفصيلي للوقائع والقانون الذي يعتمد عليه كل طرف، ومرحلة شفهية تتكوّن من جلسات استماع عامة يُخاطِب فيها الوكلاء والمحامون المحكمة. ويمكن للمحكمة أن تحكم في نوعين من القضايا، هما: «القضايا الخلافية» وهي نزاعات قانونية بين الدول، و«الإجراءات الاستشارية» وهي طلبات للحصول على فتاوى بشأن المسائل القانونية المحالة إليها من أجهزة الأمم المتحدة وبعض الوكالات المتخصّصة.

ومن بين القضايا التوضيحية قضية لاغراند، التي استمعت إليها محكمة العدل الدولية في عام 2001. فقد انحازت المحكمة إلى طلب ألمانيا تعليق عقوبة الإعدام بحق المواطنين الألمان المحتجزين في الولايات المتحدة. وعبر اعتبار التدابير المؤقتة ملزمة قانوناً، حاولت المحكمة ممارسة سلطتها. ومع ذلك، اختارت الولايات المتحدة تجاهل أوامر المحكمة هذه وإعدامَ المواطنين الألمان في تحدٍّ لأوامر المحكمة، ولم يكن هناك أيّ تداعيات أو توبيخ حقيقي نتيجةً لعدم امتثالها.

في عام 2004، خلص رأي استشاري للمحكمة إلى أنّ الجدار الذي بنته «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحول القدس الشرقية والنظام المرتبط به، يتعارض مع القانون الدولي.

في شباط 2007، برّأت محكمة العدل الدولية صربيا من تهمة الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك أثناء حرب البلقان التي استمرت ما بين عامَي 1992 و1995، ولكنّ المحكمة قالت إنّ صربيا مذنبة لأنها فشلت في منع الإبادة الجماعية في سربرينتشا (شرق البوسنة) التي راح ضحيتها أكثر من 7 آلاف من مسلمي البوسنة (6).

في عام 2013، أصدرت المحكمة حكماً بالإجماع في قضية النزاع الحدودي الكمبودي التايلاندي، خلصت في البداية إلى امتلاكها الصلاحية، وأنّ طلب التفسير مقبول، ووجدت أنّ هناك نزاعاً بين الطرفين متعلّق بمعنى ونطاق حكم عام 1962 (منح منطقة معبد شنخة برياه فيهير كلّها إلى كمبوديا) طبقاً للمادة 60 من النظام الأساسي للمحكمة. وأشارت إلى تدابير مؤقتة تتطلب من الدولتين سحب جنودهما من المنطقة المتنازع عليها وبعض المناطق المجاورة لها.

في كانون الثاني 2020، اعتمدت المحكمة بالإجماع تدابير مؤقتة تلزم ميانمار التوقف عن جميع أعمال الإبادة الجماعية بحقّ شعب الروهينغا، وضمان عدم ارتكاب قوات الأمن أعمال إبادة جماعية، واتخاذ خطوات للحفاظ على الأدلة المتعلقة بالقضية.

في آذار 2022، قضت المحكمة بضرورة تعليق روسيا العمليات العسكرية في أوكرانيا فوراً، رداً على طلب أوكرانيا اتخاذ تدابير مؤقتة في قضيتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية أمام المحكمة. وهذا ما لم يحدث، لكن عدداً من الدول فرضت عقوبات على روسيا.

في نهاية 2022، طلبت الجمعية العامة فتوى من المحكمة بشأن الممارسات الإسرائيلية التي تمسّ حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

في آذار 2023، اعتمدت الجمعية العامة قراراً (7) يطلب من المحكمة إصدار فتوى بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغيّر المناخ، ولا تزال الإجراءات الاستشارية ساريةً.

ويمكن لأي دولة عضو أن ترفع دعوى ضد أي دولة عضو أخرى، سواء أكانت في صراع مباشر أم لا، عندما تكون المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي على المحكّ. في قضية غامبيا ضد ميانمار على سبيل المثال، لم تكن غامبيا معنيةً بشكل مباشر بمزاعم الإبادة الجماعية الموجهة ضد ميانمار، لكن لم يمنعها هذا من رفع الدعوى نيابةً عن منظمة التعاون الإسلامي. وفي حالة وجود نزاع حول معنى أو نطق الحكم، على المحكمة تفسيره بناءً على طلب أي طرف وفقاً للمادة 60 من الفصل الثالث للنظام الأساسي للمحكمة.

 

إلزامية قرارات المحكمة

تُعتبر أحكام محكمة العدل الدولية ذات وزن كبير، وهي أحكام نهائية وملزمة للدول الأطراف في القضية المرفوعة أمامها وغير قابلة للاستئناف، ولا يجوز الطعن في إصدارها بالنقض أو الطعن، مع مراعاة أن الحكم المطلوب تنفيذه قد استوفى المتطلبات الشكلية والموضوعية (المادة 94 -1 من الميثاق، والمادة 60 من النظام الأساسي). إلّا أنّ القضاة ليس لديهم سلطة لفرض هذه الأحكام، وليس لدى المحكمة آلية لتنفيذها.

وإذا رفضت دولة ما أداء الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب حكم ما، فإن الحل الوحيد المتبقي هو اللجوء إلى مجلس الأمن (الهيئة التنفيذية للمنظمة بأكملها) الذي يمكنه التصويت على قرار وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، بناءً على طلب الدولة المتضررة، ويمكنه تنفيذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر عن المحكمة (المادة 94-2 من الميثاق)، رغم أن هذا القرار سيخضع لنظام التصويت المتبع في المجلس، وهو ما يعني احتمال نقضه عن طريق استخدام الفيتو في المجلس من قبل الولايات المتحدة، نظراً إلى دعمها المستمر وغير المشروط لـ«إسرائيل»، وبالتالي لا يمكننا توقع أي إجراء تنفيذي. يمثّل مجلس الأمن العملية السياسية التي تتبع عملية إصدار الحكم (العملية قانونية)، إذ إنّ ارتباط المحكمة بالقرار ينتهي بمجرد صدوره، ولا يحق للمحكمة تحديد وسائل التنفيذ إلّا إذا طلب أطراف النزاع ذلك صراحةً بالاتفاق بينهم. وقد أوكلت هذه المهمة إلى مجلس الأمن لخطورتها البالغة، إذ إن رفض الدولة الامتثال لقرار المحكمة هو خطأ دولي وخرق لالتزام راسخ بالقانون الدولي العرفي وانتهاك خطير لمبادئ العدالة، ومن الواضح أن ذلك ينطوي على تهديد خطير للسلام والعدالة والقانون، لأنه يمثل ضوابط لعمل الأمم المتحدة.

وعليه، يتوجب تفسير المادة 94 -2 من الميثاق على أنها تُلزم مجلس الأمن بالتصرف والتعامل مع الوضع وفقاً لما يراه ضمن الحدود التي وضعها الميثاق في المادة 24، وهي حفظ السلم والأمن الدوليين. وفي هذا الصدد يمكن للمجلس حسب الرأي السائد في الفقه أن يستخدم تدابير القمع لتلافي تبعات رفض الامتثال لقرارات المحكمة إذا اعتبر أن ذلك يشكّل خطراً على حفظ السلم والأمن الدوليين.

ويجب التمييز بين أربع حالات تدخّل فيها مجلس الأمن الدولي:

الدولة طرف في الميثاق أو النظام الأساسي الذي صدر الحكم من أجلها، ويجوز لها أن تلجأ إلى المجلس لإجبار الطرف الآخر على تنفيذ الحكم، كما يجوز لها عدم القيام بذلك عندما يشكّل عدم التنفيذ تهديداً دولياً.

إذا ترتّب على عدم التنفيذ تهديد للسلم أو انتهاك له أو عمل من أعمال العدوان حسب تقدير الطرف الآخر، الذي يجوز له عرض الأمر على مجلس الأمن وما إذا كان الحكم صادراً عن محكمة العدل الدولية أو هيئة تحكيم أخرى، لأن المجلس مهتم بفحص مدى آثار عدم الامتثال.

لا يقرر المجلس من تلقاء نفسه أن عدم امتثال أي طرف لحكم المحكمة أو أي جهاز قضائي أو تحكيم آخر يهدد بحدوث احتكاك دولي أو يهدد السلم والأمن الدوليين، وفي هذه الحالة يمارس المجلس سلطته بموجب الفصل السادس.

يقرّر المجلس أن عدم الامتثال لقرار قضائي أو تحكيمي هو تهديد للسلم الدولي أو انتهاك له أو عمل من أعمال العدوان، فيمارس صلاحياته وفقاً للفصل السابع، بخاصة المادة 39 (8).

يمكن أيضاً للطرف الذي يشعر بوجود عدم امتثال لحكم المحكمة أن يعرض ذلك أيضاً على الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب المواد 10، 11، 14، 22 و35 من الميثاق، وأيضاً في ما يتعلق بأحكام القرار 377 المعروف باسم «الاتحاد من أجل السلام». ومن واجب الأمين العام للأمم المتحدة ضمان الامتثال للحكم عملاً بالمادتين 98 و99 من الميثاق (9).

ينطبق اختصاص المحكمة على جميع النزاعات التي تشمل عنصراً قانونياً، وفي تفسير أي معاهدة في القانون الدولي. ويمكن لأحكام المحكمة وقراراتها أن تقرّ الحقائق والقانون الواجب التطبيق، وتحدد ما إذا كانت الدولة مسؤولةً عن أي فعل ينتهك التزاماتها الدولية. فأي فعل يُعتبر غير مشروع دولياً إذا ما أمكن عزوه إلى سلوك الدولة أو أي أفراد يتصرفون بالنيابة عنها أو تحت سيطرتها.

ومثل هذا الفعل يقتضي مسؤوليةً دوليةً للدولة ويتيح مجالاً للتعويضات. وفي هذه الحالة، تكون الدولة المعنية ملزمةً بأن تجبُر بشكل كامل الأضرار التي نجمت عن سلوكها غير المشروع دولياً، وفقاً للمبادئ العامة للقانون الدولي العام في ما يتصل بمسؤولية الدولة (المادة 36 من النظام الأساسي).

والمحكمة في أحكامها لا تقرر بنفسها مقدار التعويضات وطبيعتها. فمسألة التعويضات تحال ثانيةً إلى التفاوض المباشر بين الدول. وفي دعوى الاختلاف بين الدول بشأن مقدار التعويض المقرر عن انتهاك التزام دولي وطبيعته ومداه، في استطاعة الدول أن تقرر عرض هذا النزاع على المحكمة وهو من اختصاصها (المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة).

وهي في أحكامها تُطبق قواعد القانون الدولي القائمة مثل: الاتفاقيات الدولية، القانون العرفي، الاختصاص، مبادئ القانون والعقيدة. ويجوز للمحكمة أيضاً، إذا وافقت الأطراف المعنية، أن ترسي حكمها على مفاهيم أوسع من «الإنصاف» (المادة 38 من النظام الأساسي). وفي هذه الحالة، سيكون حكمها أشبه بـ«التحكيم» أكثر من كونه إصدار حكم.

تُعتبر جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هي بحكم الواقع أعضاء في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية (المادة 93-1 من ميثاق الأمم المتحدة). ولكنّ قبول اختصاص المحكمة يبقى اختيارياً، وهذا يعني أنه على الدول أن تتوافق فيما بينها على إحالة القضايا القانونية إلى المحكمة.

إنّ تجاهل قرار المحكمة يضع عبئاً كبيراً على الدولة غير الممتثلة له (10)، وإذا اختارت «إسرائيل» عدم الامتثال (وهذا في الغالب ولا يمكن إجبارها على ذلك)، فإننا نأمل أن تنفَّذ عقوبات اقتصادية وديبلوماسية بحقها وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة. ويبقى الكلام الفصل للميدان وللعمل المقاوم.

 

* أستاذ في القانون الدستوري والعلاقات الدولية

 

هوامش

1) تعرّف المعاهدة التي أُقرت عام 1948 الإبادة الجماعية بأنها «الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية». وتُلزم الاتفاقية جميع الدول الموقعة، ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها. ووقّعت كل من جنوب أفريقيا و«إسرائيل» على الاتفاقية، وكلاهما لم يتحفّظ على المادة التاسعة من هذه الاتفاقية، والتي تنص أنه في حال الخلاف بين أطراف هذه الاتفاقية في أحد بنودها، أو في عدم احترام موادها وانتهاك قواعدها، يتم الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، أي إن «إسرائيل» قبلت أن تكون المحكمة حكماً.

2) العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية التي تضمّنها الملف:

المقدمة، اختصاص المحكمة، الحقائق (المقدمة – خلفية: قطاع غزة، الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، الهجمات التي حدثت في إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 – أعمال الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني: قتل الفلسطينيين في غزة، التسبب في أضرار جسدية وعقلية جسيمة للفلسطينيين في غزة، الطرد الجماعي من المنازل وتهجير الفلسطينيين في غزة، حرمان الفلسطينيين من الحصول على الغذاء والماء الكافيَين، حرمان الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى المأوى الملائم والملابس والنظافة والصرف الصحي، الحرمان من المساعدات الطبية الكافية للفلسطينيين في غزة، تدمير الحياة الفلسطينية في غزة، فرض إجراءات تهدف إلى منع الولادات الفلسطينية – التعبير عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل مسؤولي الدولة الإسرائيلية وآخرين – تحديد نية إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين)، ادعاءات جنوب أفريقيا، التدخل المطلوب، طلب اتخاذ تدابير مؤقتة (الظروف القاهرة تتطلب اتخاذ التدابير المؤقتة، الاختصاص الظاهر للمحكمة، الحقوق المطلوب حمايتها وطبيعتها المعقولة والارتباط بين هذه الحقوق والتدابير المطلوبة، خطر الخلل الذي لا يمكن إصلاحه والاستعجال، التدابير المؤقتة المطلوبة)، حفظ الحقوق وتعيين الوكلاء.

3) الدعوى الاستعجالية في المفهوم القانوني هي طلب يهدف إلى اتخاذ تدابير عاجلة ومؤقتة لمنع استمرار أعمال تُفاقِم من خطورة الوضع، وينجُم عنها أضرارٌ غير قابلة للإصلاح في المستقبل، ولا يمكن بالتالي الانتظار إلى حين الفصل النهائي للحفاظ على حقوق الأطراف التي تكون لها أولوية قصوى.

4) فريق القانون من أجل فلسطين (ليلا جادهاف، كاثرين رافي، جيمس هندرسون، وأنيشا باتيل) – قضية الإبادة الجماعية في غزة: ملخص شامل لمعركة جنوب أفريقيا القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية – 10 يناير 2024 – https://law4palestine.org/ar/.

5) القضاة الحاليون هم من: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، سلوفاكيا، المغرب، لبنان، الهند، فرنسا، الصومال، جامايكا، اليابان، ألمانيا، أستراليا، أوغندا والبرازيل.

6) رفضت المحكمة طلب البوسنة بدفع صربيا تعويضات بمليارات الدولارات لأسوأ مذبحة ارتُكبت في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية. وقالت المحكمة إن المذابح التي تعرّض لها مسلمو البوسنة في مدينة سربرينتشا تمثل إبادةً جماعيةً، إلا أنها لا تستطيع تأكيد مسؤولية صربيا عنها. وتم البتّ في الأسس الموضوعية للقضية بعد حوالى 15 سنة، وذلك بعد اتخاذ تدابير مؤقتة أثناء الحرب.

7) أشاد معظم المتحدّثين بتلك الجلسة باعتبارها علامةً فارقةً في مسيرتهم المستمرة منذ عقود في النضال من أجل العدالة المناخية.

8) حدث هذا في قضية رفعتها نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة عام 1984، للمطالبة بتعويضات عن الدعم الأميركي لمتمردي الكونترا. وحكمت محكمة العدل الدولية لمصلحة نيكاراغوا، لكن الولايات المتحدة رفضت قبول النتيجة. ثم رفعت نيكاراغوا الأمر إلى مجلس الأمن، إذ استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد مشروع القرار الذي يدعو إلى الامتثال الكامل والفوري لحكم المحكمة. أميرة سعيد – حجية أحكام محكمة العدل الدولية – https://jordan-lawyer.com/2021/02/16.

9) فريق القانون من أجل فلسطين (ليلا جادهاف، كاثرين رافي، جيمس هندرسون، وأنيشا باتيل) – قضية الإبادة الجماعية في غزة: ملخّص شامل لمعركة جنوب أفريقيا القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية – مرجع سابق.

10) المرجع السابق.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قلق إسرائيلي من قرار “الجنائية الدولية”: تفاصيل الاتهامات سرية وتُعرّض المسؤولين لخطر الاعتقال

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تشير إلى أنّ المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، ولاسيما أنّ تفاصل ...