آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » دمشق – أنقرة: عودة الحديث عن «أضنة»

دمشق – أنقرة: عودة الحديث عن «أضنة»

 

رأي نظام مارديني

 

تتسارع وتيرة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ودعوته إلى إعادة العلاقات الطبيعية بين أنقرة ودمشق وإعلان استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد. وقد ردّ الأخير على هذه الدعوات بالقول «نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة لتحسين العلاقة وهذا شيء طبيعي، لا أحد يفكر أن يخلق مشاكل مع جيرانه، ولكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد. اللقاء هو وسيلة، والوسيلة بحاجة إلى قواعد ومرجعيات عمل لكي تُنتج. وإذا لم تُنتج فقد تصبح العلاقات أسوأ». وكانت الخارجية السورية قد سبقت تصريحات الرئيس الأسد ببيانٍ شدّد على أهمية «انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً».ولكن بعيداً عن الضجيج والتكهنات التي تواكب الحديث بشأن إمكانية حصول تقارب سوري – تركي، مع إعلان بغداد أنها تهيّئ لاحتضان حوار لمسؤولين من البلدين (تصريح وزير خارجية العراق فؤاد حسين من واشنطن في 13 تموز 2024) وبدعم روسي إيراني، فإن قرار الحوار راهناً سيشكّل تحدّياً جديداً لدمشق التي كانت أنقرة رأس حربة في العدوان عليها. كما سيشكّل الحوار تحدّياً لأنقرة التي، بدورها، وضعت كل ثقلها في دعم التنظيمات التكفيرية والإرهابية التي استجلبت من كل دول العالم وبطلب أميركي وتمويل من الدوحة، وهو ما أكده رئيس الوزراء، وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، بالقول: «أيّ دعم يذهب إلى سوريا كان يتوجّه إلى تركيا بتنسيق مع القوات الأميركية» (راجع تصريحه للتلفزيون القطري 25 تشرين الأول 2017).

ولرصد التغيير المحتمل، لا بد من العودة إلى الأساس، أي إلى العلاقات القائمة منذ اندلاع الأزمة في سوريا حتى اليوم:

1- إن تركيا عضو في حلف «الناتو»، أي في اصطفاف سياسي وعسكري يتناقض مع اصطفاف كل من سوريا وروسيا وإيران، علماً أن إيران وروسيا هما من مهّدتا لعقد اللقاءات التي تستكمل في بغداد.

2ـ إنّ تركيا من موقعها هذا مارست عدواناً ضد سوريا، وكان موقف أنقرة يستهدف الوصول إلى إسقاط الدولة السورية وتقسيم أراضيها.

3ـ ارتباطاً بذلك، دخلت أنقرة الحرب ضد سوريا بأشكال مختلفة سياسياً ودعم لا محدود لفصائل إرهابية شمل التدريب والإعداد والتسليح وتسهيل إدخالهم إلى الأراضي السورية، وبتمويل خليجي، وخاصة قطري، وترتيب أوضاعهم، وتبع ذلك التدخل العسكري المباشر واحتلال أراض سورية لحماية الفصائل الإرهابية، وبالتنسيق مع إسرائيل التي استقبلت بدورها جرحى هذه المجموعات الإرهابية في مستشفياتها.

في ضوء هذه الوقائع، بدأ التداول من جديد عن إمكانية إعادة اتفاق أضنة الأمني السرّي؛ الذي وقّعته تركيا وسوريا في 20 تشرين الأول 1998، إلى الواجهة، وإمكانية تعديله. ويتيح الاتفاق، في الملحق الرابع منه، للقوات التركية التدخل بعمق 5 كيلومترات على طول الحدود السورية التركية، في حال لم تستطع الدولة السورية ضبط الحدود، في إشارة إلى ضبط نشاط حزب «العمال الكردستاني». ورغم أن الأزمة السورية أوقفت اتفاقية أضنة، إلا أن الاتفاق من وجهة النظر الروسية لا يزال ساري المفعول من الناحية الفنية. ووفقاً لوجهة النظر الروسية، فإن اتفاقية أضنة هي الأساس القانوني لأيّ عمليات تركية داخل الحدود السورية، ولكن بالتنسيق مع دمشق.

منذ وصول بايدن إلى السلطة مطلع عام 2021 أخذ التغيير في السياسة الخارجية التركية منحىً أكثر شمولاً وعمقاً

 

وكان المسار السوري – التركي لإعادة العلاقات الطبيعية قد انطلق في ربيع عام 2022 بعدما خشي الكرملين من حصول مقايضة تركية – أميركية تؤدي إلى توسيع سيطرة أنقرة في شمال سوريا على حساب «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مقابل موافقة الأتراك على انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو». لذلك، عارضت روسيا وإيران أيّ هجوم تركي لوّحت به أنقرة أواخر شهر أيار 2022، وتوسّطت موسكو للحيلولة دون الهجوم، وساهمت في ولادة مسار أمني عسكري سوري – تركي جديد اعتباراً من زيارة رئيس الاستخبارات التركية السابق هاكان فيدان لدمشق في أيلول 2022. سعت روسيا إلى رعاية مسار «تطبيع» بين أنقرة ودمشق يُمكّنها من ضبط التحركات التركية، وإغراء أنقرة بالبقاء قريبة من روسيا، خوفاً من سير تركيا بعيداً في الخطط الأميركية لحرب أوكرانيا. كما أن الروس أرادوا من إطلاق مسار تفاوضي بين دمشق وأنقرة إبقاء الملف السوري من اهتمامهم، وعلى الأخص بعد تراجع دورهم العسكري في سوريا لانشغال الكرملين في الحرب في أوكرانيا.

وتوّجت التحركات الروسية في سلسلة من المشاورات العسكرية والأمنية باجتماع وزراء الدفاع: التركي والسوري والروسي في موسكو، أواخر عام 2022. لاحقاً، تمكّنت إيران من فرض نفسها على المسار، وبذلك نشأت «الرباعية». استضافت موسكو اجتماعات الرباعية على مستوى نواب وزراء الخارجية مطلع نيسان 2023، ثم وزراء الدفاع في 25 نيسان، ثم وزراء الخارجية في 10 أيار. كان يمكن لهذه الاجتماعات أن تحقق خرقاً يمهّد للقاء رؤساء دول الرباعية، والذي كان إردوغان يُعوِّل عليه، كي يدعم حظوظه في انتخابات الرئاسة التركية (التي جرت في 14 أيار 2023).

منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى السلطة مطلع عام 2021، أخذ التغيير في السياسة الخارجية التركية منحىً أكثر شمولاً وعمقاً في إطار مقاربة ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية مع تزايد مخاوف أنقرة من تنامي الدعم الأميركي لـ«قسد» في شمال شرق سوريا.

وقد دفعت هذه التحدّيات السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيس إردوغان إلى إجراء تغييرات واسعة في سياسته الخارجية، شملت تحسين العلاقات مع السعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، وغيرها، كأننا إزاء عودة إلى تفعيل سياسة «صفر مشاكل» التي تبنَّتها تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تشرين الثاني 2002. وإذا كانت عوامل مختلفة قد دفعت أنقرة إلى تغيير كامل لمقاربتها الإقليمية، فقد كان للعلاقة مع سوريا خصوصية إضافية واضحة ممثلة بصراع مرير مع الدولة السورية نتج منه وجود نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري في تركيا.

ما تريده تركيا من إعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق يتلخص في السعي إلى توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ونزع ورقة اللاجئين بالتالي من المعارضة التركية. وتستهدف تركيا من إعادة العلاقات مع دمشق أيضاً الاتفاق على آلية مشتركة للتعامل مع التنظيمات الكردية السورية، ليس لحماية الأمن التركي المباشر وحسب، ولكن أيضاً لمنع قيام «كيان كردي» ما على الجانب السوري من الحدود. ولأن الوجود العسكري الأميركي في سوريا وثيق الصلة بوجود الفصائل الكردية، يعتقد الأتراك أن تعاونا تركياً – سورياً لإعادة الدولة السورية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة «قسد» سيُفضي في النهاية إلى خروج الأميركيين من سوريا.

ليس ثمّة شك في أن دمشق تشاطر الأتراك هدف احتواء التنظيمات الكردية والتخلص من الوجود الأميركي. ولكنْ لدمشق أهداف أخرى من عملية تطبيع العلاقات مع أنقرة. فكما أن خروج أميركا من سوريا يجعل من السهل بسط نفوذ نظام دمشق على الحدود من شمال شرق البلاد وشرقها، فإن موافقة تركيا على الانسحاب من الشريط الشمالي غربيّ الفرات يعني عملياً نهاية الجماعات الإرهابية واستعادة الدولة قطاعاً كبيراً من الأرض السورية. ولأن الاقتصاد السوري وصل فعلياً إلى حدّ الانهيار، فإن المصالحة مع تركيا قد تساعد على عودة الآلاف من الأيدي العاملة السورية، وعلى عودة جزء ملموس من رأس المال السوري الذي هجر البلاد إلى تركيا.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الأسد يشارك في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ بدمشق

  شارك السيد الرئيس بشار الأسد بالاحتفال الديني الذي أقامته وزارة الأوقاف اليوم إحياءً لذكرى المولد النبوي الشريف في رحاب جامع سعد بن معاذ بدمشق، حيث ...