سرديّتان لحدث تأريخي واحد
ثمّة سرديّتان حول حدث تحرير العراق خلال حروب الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي: السرديّة الأولى، وهي السائدة والمعروفة، وتذهب إلى أن العراق كان بلداً محتلاً وخاضعاً للدولة الفارسية الساسانية التي اتخذت من طيسفون عاصمة لها، وكان سكانه خليطاً من بقايا الشعوب الرافدانية القديمة الناطقين بالنبطية غالباً، وقد اجتاحه العرب المسلمون القادمون من الجزيرة العربية ودحروا الفرس واستوطنوا العراق الذي صار لاحقاً مستقراً لدولة العرب المسلمين في طورهم العباسي وفيه قامت بغداد عاصمتهم.

إنّ هذه السرديّة تعبّر عنها ضمناً في نسختها المبالَغ بها الفكرة التي يكررها البعض هذه الأيام بإلحاح مريب يشكك بعروبة العراق وشعبه وحتى لهجته العامية، هذا الجهد الذي يجد هوىً في نفوس الطائفيّين الانعزاليّين من الساسة الشيعة والكرد العراقيين والقوميين الفرس في إيران وجماعات العدميين الليبراليين واليساريين من أتباع واشنطن وتوابعها، والتي تصوّر الفتح العربي الإسلامي للعراق كأنه غزو خارجي أجنبي اجتاح العراق فجعله بلداً عربياً في بضع سنين بعدما كان محتلاً من قبل الفرس، هي فكرة واهية وواهمة تتناقض مع إحداثيات الجغرافيا ووقائع التاريخ المُعَتَّم عليها والتي سنحاول هنا أن نضيء على جوانب منها.
أمّا السرديّة الثانية، المختلفة والمُعَتَّم عليها، والتي سنحاول أن نلمَّ شتاتها وأشلاءها من بطون كتب التراث التي سجّلتها، فتقول إنَّ القبائل العربية استوطنت وسط العراق وجنوبه، ومنها بكر بن وائل وفرعها بنو شيبان، وربيعة وتغلب والنمر وبنو أسد وبنو ذبيان وطيء ومضر وإياد وغيرها، منذ بضعة قرون (تتراوح بين ثلاثة وخمسة قرون) قبل الإسلام، كان لها دور حاسم في تحرير العراق من الاحتلال الفارسي. وإن هذه القوى القبلية نجحت فعلاً في تحرير معظم أراضيه قبل أن تقع معركة القادسية (16-19 تشرين الثاني 636 م) والتي كرّست هذا التحرير وقضت أيضاً على الدولة الفارسية الساسانية إلى الأبد بعد هزيمة الفرس في معركة نهاوند (640 م) وفرار الإمبراطور كسرى يزدجرد الثالث الذي سيقتله خنقاً بعد سنوات قليلة مجيروه الفرس طمعاً بتاجه الذهبي.

إنّ السردية الثانية تستند منهجياً إلى نوعين من المعطيات والسياقات، الأول تأريخي سنتعرّض له بشيء من التفصيل بعد قليل، والثاني جغرافي ويمكن أن نقول حوله الخلاصات المكثفة الآتية:
إنَّ الجغرافيا العراقية مفتوحة تماماً من جهة الغرب ومن أدنى العراق إلى أقصاه شمالاً على الجزيرة العربية وبلاد الشام، فلا عوائق أو عوارض طبيعية، وهناك تداخل وتشابه كبير بين صفات الإقليمين. ويمكن للمسافر، قديماً وحديثاً، أن ينطلق من وسط العراق وجنوبه إلى أعالي نجد، ثم الحجاز وبالعكس متى شاء، ويصل إلى مبتغاه بيسر وسرعة تفوق سرعة الخط الغربي بين الحجاز وفلسطين الشام (عبر غزة فدمشق) بمحاذاة البحر الأحمر. وحتى اليوم، لا تزال قوافل الحجيج العراقيين تنطلق من بغداد والمدن العراقية الأخرى عبر طريق ومنفذ عرعر، فالمدينة المنورة ومكة المكرمة من دون توقف وخلال بضعة أيام.
كل ما تقدّم يشكّل الأرضية الجغرافية التي سيعزف التاريخ عليها موسيقى الأحداث الكبيرة التي هزَّت تاريخ المنطقة ورسمت جغرافيتها وإناسيّتها بعد القرن السابع الميلادي وحتى سقوط دولة بني العباس في 1258م. أمّا في البعد التأريخي، فيمكن أن ندلي بالخلاصات المكثفة التالية ضمن استعراض نبدأه بالقول:

العرب في العراق قبل الإسلام

لقد استوطن العرب جنوب العراق ووسطه وأقاموا دولة لهم هي دولة المناذرة (268م-633م). ودولة أخرى في شماله هي مملكة الحضر «عربايا» في القرن الثالث الميلادي، وخاضوا حرباً مديدة ضد الدولة الفارسية وانتصروا عليها في موقعة ذي قار (في الربع الأول من القرن السابع الميلادي) على اختلاف الروايات وأكثرها ترجيحاً سنة 610 م، أي قبل ربع قرن من القادسية، وبمشاركة قيادية من قبيلة بني شيبان وزعيمها المثنى بن حارثة.
وحتى قبل هذا التاريخ، لم يكن وجود العرب موضع شك أو جدال، فهم كانوا موجودين في وادي الرافدين وبلاد الشام القديمة (بلاد آرام) منذ القرن التاسع قبل الميلاد، كما كشفت عن ذلك الأدلّة الأركيولوجية المعتمدة والموثقة، ومن أهمّها نصب شلمانصر الثالث وتفاصيل معركة قرقرة (853 ق.م)، صعوداً حتى نشوء وتوسع ممالك عربية، وعربية آرامية (نبطية وسريانية) مختلطة، في الحضر والرُّها وتدمر وسَلْع (بترا)، وعربية خالصة في المناذرة والغساسنة. ولكنّنا لن نتوقف عند تلك العهود القصية، بل سنعود إلى فترة ظهور الإسلام.

عرب العراق في العصر الإسلامي
كان النبيّ العربيّ الكريم قد عرض الإسلام على شيوخ القبائل العربية العراقية وقادتها، وفي طليعتهم شيخ قبيلة بني شيبان المثنى بن حارثة، خلال موسم الحج بمكة قبل الهجرة، ولكنهم اعتذروا بوجود عهود ومواثيق تخصّ تحالفاتهم القديمة مع الدولة الفارسية التي تحتل العراق، ولأن إسلامهم ستترتّب عليه التزامات قد تتعارض مع تلك العهود والمواثيق وهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة التمكين والوقوف بوجه الفرس، وقَبِلَ النبي عذرهم. وبعد سنوات قليلة، وَفَدَوا وبينهم المثنى على المدينة قبل وفاة النبي وأعلنوا إسلامهم. وبعد وفاته وبدء العهد الراشدي، بدأ هؤلاء العرب العراقيون حربهم ضد الوجود الفارسي الاحتلالي.

في التفاصيل، نعلم أن قائد بني شيبان المثنى بن حارثة طلب من الخليفة أبي بكر أن يأذن له بقتال الفرس، فأذن له فشنَّ هو والقبائل المتحالفة معه ما نسمّيه في عصرنا «حرب عصابات» ضد الوجود الفارسي وأوقع فيهم خسائر معتبرة. واستمرت الحرب سجالاً حتى تمكّنت هذه القبائل، وبدعم بدأ محدوداً من عرب الحجاز المسلمين، من السيطرة على أراضي العراق كلها من الموصل شمالاً حتى مياه الخليج جنوباً، ومن تكريت شرقاً حتى صفين قرب الرقة غرباً، قبل أن تقع موقعة القادسية. لقد كانت «القادسية» من الناحية الاستراتيجية معركة دفاعية، صدّ العرب المسلمون فيها هجوماً مضاداً شاملاً قام به الفرس بهدف استعادة سيطرتهم على العراق فهزموا فيها شرّ هزيمة، وكان الدور الحاسم هذه المرة لعرب الجزيرة. أي أنها لم تكن عملياً معركة هجومية قام بها العرب ضد الجيوش الفارسية؛ فهذه الجيوش كانت قد هزمت في عدة معارك؛ أهمها معركة بويب وتراجعت إلى الداخل الفارسي وراحت تستعد لشن هجوم مضاد.

مَن بدأ حرب الفتح؟
يذهب بعض الباحثين إلى أن الحرب ضد الفرس في العراق بدأها العرب العراقيون أنفسهم قبل أن يأتيهم المدد من الحجاز. لنقرأ بهذا الخصوص ما ورد في كتاب الباحث العراقي الراحل مهدي المخزومي: «وبنو شيبان هم الذين سهّلوا مهمة العرب في فتح العراق وفارس بعدما عجموا عود الفرس وجربوا القتال ضدهم، فقد طلب المثنى بن حارثة الشيباني إلى أبي بكر الصديق أن يُنْجِدَهُ لمحاربة الفرس الذين أصبحوا في ذلك العهد في حال من الانحلال بحيث لا يصبرون معه على الضربات القوية التي يسدّدها لهم خصوم أقوياء، فقد أدركهم الضعف ودبَّ في حكمهم الفساد» (ص 4 – الفراهيدي: أعماله ومنهجه). ينبئ كلام المثنى عن عقلية استراتيجية نافذة واستشرافية، والواقع فإن أستاذنا المخزومي يضع الدور العربي العراقي في مرتبة المساعد والمُسَهِّل خلال أحداث فتح العراق، وفي رأيي هو دور أكبر من ذلك كما سنحاول أن نبيِّن.

حرب عصابات عراقية ضد الفرس
نعلم أيضاً من كتب التاريخ القديمة أن المثنى كان قد أسلم هو وقومه في أواخر عهد النبي العربي الكريم محمد بن عبد الله، وزار المدينة ثانيةً بعد وفاة النبي وتسنّم أبي بكر الصديق الخلافة، وطلب من الخليفة أن يأذن له بقتال الفرس فأذن له فعاد إلى العراق وبدأ بشن الغارات على جيوش الفرس. وثمة رواية مشهورة أخرى في كتب التراث تقول إن الشيباني بدأ بقتال الفرس وشنِّ الغارات عليهم في جنوب العراق ووسطه قبل وفوده الثاني على المدينة، وأن أبا بكر الصديق حين بلغه خبر انتصاراته على الفرس قال لمن حوله من الصحابة «مَن هذا الذي تأتينا أخبار وقائعه قبل أنَّ نعرف نسبه؟»، فأجابه قيس بن عَاصِم: «هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد، إنه المثنى بن حارثة الشيباني»، وبعد ذلك ورد المثنى بنفسه إلى المدينة يستأذن الخليفة بحرب الفرس بمن معه من أفراد قبيلته وحلفائها، فأذن له.

ظلَّ القتال يدور سجالاً، وفق التقاليد الحربية العربية الموروثة والمعبّر عنها بعبارة «الكرّ والفرّ»، بين عرب العراق والفرس حتى وصلهم أول مدد من الحجاز قوامه ألف مقاتل بقيادة أبو عبيد بن مسعود الثقفي (وهو والد المختار الثقفي المعروف بالمطالب بدم الإمام الحسين بن علي وقاتل قاتليه)، واجتمعت قوات الثقفي بقوات قبائل عرب العراق وقوامها أكثر من ألف مقاتل، ومنها بكر بن وائل بفرعها بنو شيبان، وبنو أسد وبنو ذبيان وطيء بقيادة عدي بن حاتم الطائي، ثم وقعت معركة الجسر (تسمى أيضاً معركة قس الناطف) قرب الكوفة في تشرين الثاني – نوفمبر سنة 634 م، وهُزم فيها العرب المسلمون واستُشْهِد قائدهم الثقفي واستشهد معه ابنه جبر الثقفي، وعدد كبير من المقاتلين العرب، ثم وصل المدد الثاني من الحجاز وكان محدوداً يقوده جرير بن عبد الله في سبعمئة مقاتل، لكنه لم يلتحق بقوات المثنى بل آثر البقاء بعيداً عنها.
وحدث خلاف وجفاء بين القائدَين جرير والمثنى، ودارت بينهما مكاتبات متشنجة نفهم منها أنَّ جريراً رفض أن يلتحق بقوات قبيلة شيبان وحلفائها ويصير تحت إمرة المثنى، واستمر الخلاف واشتد حتى تدخل الخليفة عمر بن الخطاب وحل الخلاف جذرياً بأن أرسل جيشاً جديداً قوامه ستة آلاف مقاتل بقيادة سعد بن أبي وقاص قائداً وأميراً على جميع الجيوش العربية في العراق.
ومن التفاصيل المهمة دلالات في هذه المراسلات التي دارت بين جرير والمثنى قبل وصول سعد بن أبي وقاص بقواته، والتي لا تخلو من الدوافع الانتمائية «القطرية» قول جرير في رسالة له إلى المثنى الشيباني (وأمّا قولك: إن المهاجرين والأنصار لحقوا ببلدهم – بعد موقعة الجسر – فإنه لما قُتِلَ أميرهم لحقوا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وأمّا ما ذكرت أنك أقمت في نحر العدو فإنك أقمت في بلدك، وبلدك أحبُّ إليك من غيره). والإشارة واضحة إلى عراقية المثنى وقبيلته والقبائل الحليفة له ومنها قبيلة تغلب التي شاركت في القتال ضد الفرس، وكلُّ هؤلاء ظلّوا في العراق ولم ينسحبوا مع المنسحبين من عرب الحجاز إلى بلادهم بعد الجسر.

عرب العراق المسيحيون ينقسمون
من الجدير بالذكر والتدبّر هنا أن قبيلة تغلب بقيادة ابن مردي الفهر التغلبي وغيرها من قبائل عرب العراق كالنمر وربيعة ومضر وإياد، قاتلت الفرس دون أن تكون قد أسلمت، بل بقيت على دينها المسيحي. وتقول إحدى الروايات إنَّ قاتل مهران، قائد جيوش الفرس في معركة بويب، هو شاب تغلبي نصراني. ففي تاريخ الطبري (2/649) نقرأ: «جلب فتية من بني تغلب أفراساً، فلما التقى الزحفان يوم البويب قالوا: نقاتل العجم مع العرب، فأصاب أحدهم مهران يومئذ». ويتكرّر المعنى نفسه في قول الطبري في موضع آخر (2/653): «وقتل غلامٌ من التغلبيين نصرانيَّ مهرانَ، واستوى على فرسه». غير أن ذلك لا يعني أن جميع العرب النصارى قاتلوا في صفوف العرب المسلمين، بل إن منهم من قاتل أو طلب الدعم من الفرس فهزموا كما حدث في معركة أليس (سنة 633 م) والتي قاتلت فيها قبائل عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة إلى جانب القوات الفارسية. وقد عاقب خالد بن الوليد هذه القبائل بعد الهزيمة عقاباً قاسياً ودموياً بقتل الأسرى، وكان ذلك موضع انتقاد وتحفّظ من عدد من الصحابة، وهناك من المؤرخين من يجمع بين فعلة ابن الوليد هذه وعزله عن «إمرة الأمراء» أي قيادة جيوش الشام بقرار من الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب بمجرد مبايعته بالخلافة، وتكرّر الأمر مع بعض أفخاذ قبيلة ربيعة من النصارى الذين قاتلوا مع الفرس في معركة الحصيد وتكبّدوا فيها خسائر فادحة.

كان المثنى قد أصيب بجرح في معركة الجسر، والتي هُزِمَ فيها العرب المسلمون – كما أسلفنا – وقُتل قائدهم أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وقاد المثنى عملية انسحاب منظّم لينقذ ما تبقّى من القوات العربية، ولم يثنه جرحه عن المشاركة في معركة بويب بعدها، ولكنه توفّي لاحقاً بعدما انتقضت جراحاته عليه، إنما بعدما انتصر في معركة بويب، وثأر فيها للعرب من هزيمة الجسر، رغم مقتل أخيه مسعود بن حارثة الشيباني في هذه المعركة، وكانت وفاة المثنى قبل معركة القادسية بعام أو بعض عام كما قلنا.
ونفهم مما قيل في هذا القائد الفذّ بعض الدلالات؛ فالإخباري أبو عبيدة التيمي قال: «المثنى بن حارثة افتتح السواد، ساد في الجاهلية والإسلام». أمّا المؤرخ هشام بن محمد ابن الكلبي فقال معرِّفاً به وناسباً له قتل مهران: «المثنى بن حارثة صاحب يوم النخيلة الذي قتل مهران» ثم فتحَ جميع أرض سواد العراق.

إنجاز تحرير العراق عملياً قبل القادسية
يذكر بعض المؤرخين العرب المسلمين القدماء أنَّ العراق كان قد تم تحريره حتى شواطئ دجلة شرقاً من قبل مقاتلي قبائل العرب العراقيين ومعهم مقاتلو الدعم العربي الحجازي حتى قبل موقعة القادسية ووصول قوات المدد الكبير بقيادة سعد بن أبي وقاص؛ فابن خلدون مثلاً يقول في تاريخه (2 ق2/90) عمّا حدث بعد انتصار العرب في معركة بويب: «وأرسل المثنى الشيباني في آثار الفرس فبلغوا ساباط (قرب المدائن – طيسفون)، وسخَّروا السواد بينهم وبين دجلة، لا يلقون مانعاً». ونقل الطبري (2/653) عن عطية بن الحارث قال: «لما أهلك الله مهران، استمكن المسلمون من الغارة على السّواد (العراق) في ما بينهم وبين دجلة، فمخروها لا يخافون كيداً ولا يلقون فيها مانعاً. وانتقضت مسالح العجم فرجعت إليهم، واعتصموا بساباط، وسرّهم أن يتركوا ما وراء دجلة». وأمّا شمالاً، فنقرأ في «الأخبار الطوال» لأبي حنيفة الدينوري الآتي: «فسرَّح المثنى في أدبارهم – أدبار الفرس – حذيفة، وأتبعه، فأدركوهم بتكريت دوينها من حيث طلبوهم يخوضون الماء، فأصابوا ما شاؤوا من النعم، حتى أغاروا على صفّين وبها النمر وتغلب متساندين – ممن لم ينحازوا مع قبائلهم إلى العرب المسلمين – فأغاروا عليهم حتى رموا بطائفة منهم في الماء» (ص 114). وردت هذه المقتبسات عن الطبري وابن خلدون والدينوري في مبحث لعلي الكوراني العاملي بعنوان «قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية»، وهذا يعني أن القوات العربية بلغت تكريت شمالاً، ثم انعطفت غرباً حتى بادية صفين قرب مدينة الرقة على الحدود العراقية السورية اليوم، فيما بلغت شرقاً شواطئ دجلة الشرقية وهي الحدود الطبيعية بينها وبين بلاد فارس! وقد حدث كل هذا قبل موقعة القادسية الكبرى، والتي جاءت رداً ساحقاً على محاولة الفرس استعادة العراق من العرب بهجوم مضاد واسع النطاق قاده الفارسي رستم فرخزاد، فكانت فيه نهايته ونهاية إمبراطوريتهم إلى الأبد وعودة العراق إلى حاضنته الإناسية والجغرافية الجزيرية «السامية» بعدما تغرب عنها خلال الاحتلال الفارسي منذ سقوط بابل بأيدي قورش الفارسي الأخميني سنة 539 ق.م، ولتنقلب الصورة الجيوسياسية فتصبح بلاد فارس ذاتها خاضعة لدولة العرب المسلمين وعاصمتها بغداد.

*كاتب عراقي