في ظل تواصل التصعيد بين إسرائيل وإيران وتلميح واشنطن لإمكانية دخولها على الخط، تكثّف دول الخليج، من دون بوادر أمل حتى الآن، اتصالاتها الدبلوماسية العاجلة لتجنب استمرار حرب تدور رحاها عند أبوابها.
وبدأت الرياض “منذ اليوم الأول” جهودا دبلوماسية تهدف إلى التهدئة، بحسب ما يقول الخبير المقرّب من الحكومة السعودية علي الشهابي لوكالة فرانس برس، مضيفا أن “لا مؤشرات إيجابية” في القريب العاجل.
وبدأت إسرائيل الجمعة هجوما على إيران يستهدف خصوصا مواقع عسكرية ونووية، وتردّ إيران بإطلاق صواريخ بالستية ومسيرات على مناطق مختلفة في الدولة العبرية. وتقول إسرائيل إن هجومها “وقائي” لمنع طهران من تطوير قنبلة نووية تشكّل خطرا على أمن إسرائيل. إلا أنها تمرّر بين الحين والآخر رسائل للشعب الإيراني من أجل إسقاط الحكم الحالي في الجمهورية الإسلامية.
وكانت دول الخليج العربي، لا سيما السعودية، حتى وقت قصير مضى على خصومة شديدة مع إيران التي اتهمتها بالتدخل في شؤون دول عربية ودعم مجموعات مسلحة فيها، إلا أن الرياض وطهران اتفقتا على تهدئة منذ حوالى سنتين.
وقد يشكّل انهيار النظام الإيراني أو تفككه تهديدا حقيقيا لاستقرار منطقة الخليج الغنية بالنفط، والتي تضم قواعد عسكرية أميركية استراتيجية.
ويُعدّ الاستقرار والسلام ركيزتين أساسيتين في صعود القوى الخليجية، مثل السعودية وقطر والإمارات، التي تسعى إلى تطوير وتنويع نشاطات اقتصادها المعتمد على النفط، من خلال تعزيز قطاعات أبرزها الأعمال والسياحة.
لذا، حرّكت الحرب بين العدوين اللدودين قادة الخليج نحو تكثيف الاتصالات مع طهران وواشنطن وحلفاء إقليميين وغربيين من أجل الضغط الدبلوماسي لوقف التصعيد.
– “أفضل سيناريو” –
ويرى الشهابي أن أفضل سيناريو للأزمة الحالية هو “التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة”.
لكن الهجوم الذي شنَته إسرائيل الجمعة عرقل مسار المحادثات التي كانت جارية بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني، وألغيت الجولة السادسة التي كانت مقررة في مسقط الأحد.
ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء إيران إلى “استسلام غير مشروط”، محذّرا من أن المرشد الأعلى الإيراني قد يكون هدفا لواشنطن لكن “ليس في الوقت الحالي”، ما أثار تكهنات حيال تدخل أميركي محتمل.
وقد تؤدي هذه الخطوة إلى ردّ إيراني على مجموعة من القواعد والأصول العسكرية الأميركية في الخليج.
ويقول حسن الحسن، الباحث المتخصص في سياسة الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن دول الخليج “لا تملك القدرة على التأثير في سلوك إسرائيل أو إيران أو على نتائج هذه الحرب”.
– منع “انهيار” إيران –
وطلب ترامب في البداية من إيران العودة إلى طاولة المفاوضات في أعقاب الهجوم الإسرائيلي، لكن مسؤولا مطلعا على المحادثات قال إن طهران أبلغت وسطاء من قطر وعُمان بأنها “لن تتفاوض في ظل الهجوم” الإسرائيلي.
وأكد ترامب الأربعاء أن ايران تواصلت مع الولايات المتحدة من اجل التفاوض، بعد أيام من بدء التصعيد، مضيفا “قلت إنه فات الاوان للمباحثات”.
وأضاف “هناك فرق هائل بين (أن يتم ذلك) اليوم وقبل أسبوع”.
ورغم إعلان عُمان التي كانت تستضيف إجمالا المحادثات الإيرانية الأميركية، مواصلة اتصالاتها مع دول عدة لاحتواء التوترات الإقليمية، يشكّك الحسن في قبول عروض الوساطة الخليجية في هذه المرحلة، موضحا أن “إسرائيل ليست في مزاج للتسوية وترامب يبدو غير راغب في ممارسة أي ضغط على نتنياهو”.
ويتابع “من الصعب أن نرى كيف يمكن للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، والتي يبدو أن أهدافها توسعت بسرعة من تدمير برنامج إيران النووي والصاروخي إلى إطاحة النظام، أن تنتهي بشكل جيد بالنسبة لجيران إيران في الخليج العربي”.
واعتبر أن احتمال تحوّل إيران إلى “دولة فاشلة” على الجبهة الشرقية لدول الخليج سيكون كابوسا لتلك الدول. بالإضافة الى وجود خطر تغير الحكم الحالي بآخر “أكثر تطرفا وتشدّدا”.
وانضمّت الإمارات أيضا الى دعوات التهدئة.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان الثلاثاء إن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أجرى “اتصالات دبلوماسية مكثفة تركزت على سُبل تعزيز الجهود المبذولة لخفض التصعيد وتجنب اتساعه”.
وقام محمد بن زايد باتصال هاتفي الثلاثاء مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان الذي تحدث أيضا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأسبوع الماضي.
– “ثمن باهظ” للتصعيد –
أما قطر التي شاركت مع الولايات المتحدة ومصر في التوسط لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، فكانت تفاوضت مع إيران للإفراج عن خمسة أميركيين في العام 2023.
وحذّر رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر في منشور على منصة إكس من أن “ليس من مصلحة دول الخليج أن ترى إيران الجارة الكبيرة تنهار”، موضحا أنها “معرضة لمخاطر التصعيد مباشرة قبل غيرها… وتدفع ثمنا باهظا للتصعيد الراهن”.
ويرى دبلوماسي عربي أن “إسرائيل تهدّدنا جميعا في الخليج”، متهما الدولة العبرية بـ”الاستهتار بأمننا”.
وقد يهّدد أيّ تصعيد يتجاوز حدود المواجهة الحالية ليس فقط أمن دول الخليج، بل أيضا مشاريعها التنموية الطموحة التي تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات.
ويقول الحسن إنه رغم التعاطف الضئيل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخليج، لكن “لا أحد يرغب في العيش في فوضى تتمكّن فيها إسرائيل من ضرب أي طرف متى شاءت دون أي اعتبار للقانون الدولي”.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم