على صخور وادٍ في سلسلة جبال القلمون الشرقية بريف دمشق، يطل دير مار موسى الحبشي الذي بُني منذ أكثر من 1800 عام، فبداياته العمرانية كانت في العهد الروماني، ومرّ بمراحل وتطورات كثيرة حتى أصبح منصة للحوار بين الأديان ومقصداً سياحياً في وقتنا الراهن.
من برج روماني إلى صرح ديني

شُيِّد الدير كبرج روماني في القرن الثاني الميلادي لمراقبة طريق الحرير الواصل بين تدمر والشام، وفق رئيس الدير الأب جهاد يوسف، الذي أوضح في حديثه لمراسل سانا أنه بعد رحيل الرومان في القرن السادس، تحوَّل الموقع إلى مركز رهباني، حيث استقرَّ النسَّاك في صوامع الكهوف والمغاور المحيطة بالبرج آنذاك، وبعد تجمُّع عدد كبير منهم، بدؤوا ترميم البرج المهدم وتحويله إلى دير، واستمر بناؤه سنوات طويلة.
دير مهجور… وإعادة ترميم
وبحسب الأب يوسف، أُهمل الدير عام 1703 بسبب قلَّة عدد الرهبان وتقدُّمهم في السن، إضافة إلى تغيُّر الظروف المناخية المتمثلة بنقص المياه التي كانت تُجمَّع من الثلوج والأمطار، وبقي مهجوراً حتى عام 1982، فتحول في تلك الفترة إلى ملجأ للرعاة والصيادين.

وأفاد يوسف بأنه في العام ذاته وصل الأب الإيطالي باولو دالوليو إلى الدير وأمضى عشرة أيام في خلوة داخل إحدى المغارات، وبحلول عام 1984، بدأ بترميم الدير بمشاركة متطوعين من سوريا ولبنان وإيطاليا، بهدف تحويله إلى واحة للقاء بين المسيحيين والمسلمين، واستمرت أعمال الترميم حتى 1991، وتم تنظيم مخيمات صيفية للعمل والصلاة فيه.
وأشار يوسف إلى أنه بعد الترميم، أسس الأب باولو والأب يعقوب مراد (المطران الحالي لأبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك) حياةً رهبانية في الدير، حيث ضم راهبات ورهبان كاثوليك وأرثوذكس.
جهود بيئية
يتميز الدير برسوماته الجدارية التي تعود إلى القرنين الحادي عشر والثالث عشر، مما جعله قبلةً للسياح وعلماء الآثار على مستوى العالم، حيث تم ترميم هذه الرسومات بالتعاون بين المدرسة الإيطالية والجهات المعنية في سوريا، ودرّب الخبراء الإيطاليون السوريين على تقنيات الترميم.

الأب يوسف لفت إلى أنه إلى جانب المواضيع الثقافية، يهتم الدير بمواضيع البيئة عبر مشاريع للزراعة ومكافحة التصحر، كما أن الوادي المحيط بالدير تم إعلانه “محمية بيئية” تحظر إشعال النار والصيد وقطف النباتات والبناء الإسمنتي، إلا أن هذه الصفة أُلغيَت لاحقاً بقرار سياسي بسبب موقف النظام البائد من الأب باولو.
ووجه الأب يوسف نداءً إلى وزارتي السياحة والزراعة لإعادة تفعيل ملف المحمية والعمل على مكافحة التصحر.
استقبال الزوّار
وبيّن رئيس الدير أنهم جهّزوا أربع مغارات وغرفاً لاستقبال الزوّار القادمين من خارج سوريا، سواء للسياحة أو الدراسة في المكتبة أو المشاركة في الحوار الديني والثقافي، كما يتم تنظيم العديد من الأنشطة في الدير من قبل المتطوعين.

“دير مار موسى ليس تراثاً لسوريا فقط بل للعالم أجمع”، جملة ختم بها يوسف حديثه مضيفاً: “نحن نحافظ على هذه المساحة كمركز للسلام والحوار، ونطالب بحماية بيئتها لتبقى نموذجاً للتآخي الإنساني”.
ويقع دير مار موسى الحبشي على مسافة 80 كم شمال دمشق و12 كم شرق مدينة النبك، على ارتفاع 1320م عن سطح البحر، وتتبع منطقته إدارياً لمحافظة ريف دمشق.



اخبار سورية الوطن 2_سانا