مالك صقور
ظهرت الديمقراطية في أثينا ، في القرن الخامس قبل الميلاد . وتنسب هذه الديمقراطية إلى بيركليس .( لكن أول أشكال اليمقراطية ظهرت في الهند في القرن السادس قبل الميلاد . ) .
يروي تشارلز روبنصون في كتابه ( أثينا في عهد بيركليس ) : يعتبر بيركليس – زعيم الديمقراطية الأثينية . ونقلاً عن المؤرخ بلوتارخ من مؤرخي القرن الأول بعد الميلاد . ” عندما دخل بيركليس دور الاحتضار – جاء عدد من النبلاء والأصدقاء يعودونه . جلسوا قرب فراشه ، وراحوا يعددون مآثره وفضائله ، وقدراته ويمجدون أعماله العظيمة ، وانتصاراته العديدة ، وهو كقائد لهم ، وكقاهر لإعدائهم ، أقام نصباً تذكارياً تخليداً لمدينتهم أثينا وتكريماً لها . غيرأن بيركليس أبدى دهشته من مديحهم واطرائهم للأعمال التي قام بها وللمنجزات التي حققها ، والتي هي نتيجة الظروف أكثر من مما هي شيئ آخر ، فضلاً عن إنها أمور قد حصلت لعديد من القادة ..وتعجب من إغفالهم ذكر الأمر الذي هو الأهم والأخطر – كما يقول بيركليس –” إن أحداًمن الناس في أثينا لم يلبس ثياب الحداد بسببي ومن أجلي “. وقد اعتبر تشارلز روبنصون أن هذا إسراف بالمباهاة ، لاسيما ، أن القائل هو أبو الديمقراطية الأثنية . ويعلق روبنصون قائلاً : ” ..ولكن هل من قائد أو زعيم أو حاكم ظهر في التاريخ إلاّ واعتبر نفسه غير مسؤول عن شقاء شعبه و أمته ، ومصائب بلاده “.
ولكن انتشار الديمقراطية يرتبط بجهود الأغريق القديمة ، من غير أن أذكر أن أفلاطون كان ضدها لأنها هي السبب في إعدام أستاذه سقراط .المهم انتشرت الديمقراطية وألهبت عقول البشر ومازالت. … لكن كان تطبيق الديمقراطية في ذاك الزمان يختلف عن زماننا ، بعد هيمنة الأمبرياليات .. وتشعب مفهوم الديمقراطية التي هي بالأصل : ” أن يتمتع الشعب بحصة متساوية من السلطة . والمواطن يسمى مواطن عندما يكون شريكا في صنع القرار . وحرفياً تعني الديمقراطية : ( حكم الشعب ) ..ومع التطور اللاحق صارت الديمقراطية ديمقراطيات ؛ وكل يفصًلها على قدّه ومقاسه . في الأنظمة الشيوعية طبقوا مفهوم الديمقراطية المركزية ..أما في الغرب وفي أماكن متفرقة من العالم فتم تطبيق المصطلحات التالية :
– ديمقراطية توافقية
– ديمقراطية موجهه
– ديمقراطية شمولية
– ديمقراطية إجرائية
– ديمقراطية طائفية
– ديمقراطية تمثيلية
– ديمقراطية تعددية
– ديمقراطية دستورية
– ديمقراطية رقابية
– ديمقراطية مباشرة
وأهم من كل ذلك – البرهان عليها هي صناديق الاقتراع ..وميزة الانتخابات هي أن صوت الجائع يساوي صوت الشبعان ؛ وصوت الفقير يعادل صوت الغني ؛ وصوت الراعي في البرية مثل صوت الوزير .وصوت الآذن يضاهي صوت المدير العام .أما طريقة فرز الأصوات فصارت فناً من الفنون ..والبقية بسلامة فهمكم ..
ولما كان الشيئ بالشئ يذكر…سأسمح لنفسي بهذه القصة الواقعية عن الديمقراطية :
في صيف 1980 كنت والكاتب الكبير وليد إخلاصي في دمشق في مقهى القنديل ( اللاتيرنا ) ، وبعد جلسة ماتعة مع الشاعرين الكبيرين ممدوح عدوان وعلي الجندي ، قال لي أ. وليد عندي موعد مع رجل شامي عتيق ، وعدني أن يقص علي قصة كان شاهداً عليها . كان الموعد في مقهى ( الهافانا ) ..
سأروي القصة كما سمعتها من غيرزيادة أو نقصان :
” في الخمسينات ، والاصح القول في منتصف الخمسينات ، مرّ شخصان من امام هذا المقهى ، كل واحد منهما يعتمر طربوشاً، وتحت إبطه مصنف ، رفع الأثنان يمناهما بالسلام لرواد المقهى ، فوقف كل من كان في المقهى وردّوا التحية مبتهجين . صادف أنه كان يوجد شخص أجنبي ، فسأل من هؤلاء ؟!!! فأتاه الجواب من الجميع : هذا فخامة رئيس الجمهورية وهذا دولة رئيس الوزراء .. لم يصدق الرجل ، فقام ولحق بهما ،كان الرجلان يسيران ببطء ، ويتحدثان بتناغم وانسجام ، وهما يتجهان جنوباً ، عبرا ساحة جسر فكتوريا ،وتابعا سيرهما باتجاه محطة الحجاز ، وفي نهاية الشارع انعطفا إلى اليمين ، ودخلا فندق الشرق ( اورينت بلاس ) . أيضا ً ، هب ّ واقفاً كل من كان في بهو الفندق ..والأجنبي يتبعهما ، فاتجه إلى الاستعلامات سائلاً من هؤلاء ؟!!! فدهش عامل الاستعلامات ، وهل من لا يعرفهما ..هذا فخامة الرئيس شكري القوتلي وهذا دولة رئيس الوزراء .
فبهت الرجل ، وقفل راجعاً إلى مقهى الهافانا ، وكان النادل يسكب له القهوة ..وقف وقال بصوت عال :
” هذه الديمقراطية لا تليق بكم ” ….
هذا الأجنبي كان هو الملحق العسكري في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية ..” ..
بعد سنةّ أو سنتين أو ثلاث حلّتْ الوحدةَ العربية بين سوريا ومصر …وبقية القصة تعرفونها ..
ومازالت الديمقراطية ، والحرية ، والمساواة ، ورغيف الخبز حلم شعوب كثيرة ..
(موقع سيرياهوم نيوز-1)