آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » د. السّفير محمّد محمّد خطابي: خْوَان غُوْيتِيسُولُوعاشق الثقافة العربيّة في ذكراه

د. السّفير محمّد محمّد خطابي: خْوَان غُوْيتِيسُولُوعاشق الثقافة العربيّة في ذكراه

د. السّفير محمّد محمّد خطابي

صادف الرّابع من شهر يونيو الجاري 2021 الذكرى الرّابعة لرحيل الكاتب الإسباني – الكطلاني المعروف خوان غويتيسولو الذي كان قد وُلد في مدينة برشلونة في الخامس من يناير 1931 ووافاه الأجل المحتوم عام 1917 عن سنٍّ تناهر 86 عاماً بمدينة مراكش ،ودفن بمدينة العرائش بجانب صديقه الكاتب الفرنسي، جان جينيه حيث كان غويتيسولو قد أوصىَ قيد حياته بأن يُدفن في هذه الأرض التي عاش فى كنفها ردحاً من الزّمن وكتب عنها الكثير .

يُعتبر خوان غويتيسولو (Juan Goytisolo) من أبرز الكتّاب الاسبان نظراً لما يمتاز به من صوت أدبي متفرّد بين باقي الأدباء الإسبان، ولنوعية كتبه ورواياته المتعددة، التي أثارت جدلاً واسعاً ما زال يُسمع صداه إلى الآن ليس في إسبانيا وحسب، بل وفي مختلف الأوساط الأوربية، والأميركية، والإنجليزية كذلك لجرأتها، وخاصّيتها، وإشكالية الإبداع فيها، التي تنطلق من التعامل مع اللغة من منظور تفجيرها، وتفكيكها وتغيير مسارها، وإعطائها نَفَساً جديداً ، وَزَخَماً إبداعياً خلاّقاً. كما أنّه يُعتبر مثالاً للإستقلال الفكري، والثقافي، وممثّلا للتجديد في الأدب الاسباني المعاصر بدون منازع .

هيامه بالمغرب وبالثقافة العربية

يجدر بنا التذكير في هذا المقام بهذه المناسبة أنّ الأديب خوان غويتيسولو كان يكنّ محبّةً كبرى، وتقديراً عظيماً للمغرب وللثقافة العربية على وجه العموم، ويشعر بإعجاب كبير نحوها في مختلف مجالات الفكر والخلق والإبداع حيثما نما وسما وترعرع سواء في المشرق العربي أو في المغرب، ففي معرض إعجابه بالحضارة الأندلسية (إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية) وعلى وجه الخصوص بالثقافة العربية، نجده يقول: “إنّ إستيعابي وتمثلي للفضول الأوروبّي الشّره جعلني أتحوّل شيئاً فشيئاً إلى مواطن إسباني من نوع آخر، عاشق لأنماط الحياة، والثقافات، واللغات من مختلف المناطق الجغرافية. لا ينحصر عشقي وإعجابي وَوَلَهيِ بكيبيدو، أو غونغورا، أو ستيرن، أو فولتير، أو مالارميه، أو جويس، بل يتعدّاه كذلك الى إبن عربي، وأبي نواس، وابن حزم، وإلى التركي جلال الدّين الرومي مولانا. انّ هناك عوامل إيجابية، وطاقات إبداعية هائلة مختلفة من كل نوع لهؤلاء وأولئك على حدّ سواء، فعندما يكلّف ألمرءُ نفسه عناء تعلّم لغة صعبة جداً مثل اللغة العربية، وقد بلغ من السنّ عتيّا، فإنه ينبغي أن تكون هناك دواعٍ عميقة جدّاً لذلك، (الكاتب الأرجنتيني المعروف خورخي لويس بورخيس قرّر تعلّم اللغة العربية كذلك عندما ناهز سنّه الثمانين) والحقيقة أنّ الدواعي موجودة. فأنا أعتقد أنه يستحيل فهم الثقافة الإسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق من دون إستيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة العربية، وكلّما دخلتُ في هذه الثقافة، تأكّد لي بشكل جليّ قيمةَ وأهميةَ ما ورثناه عنها في شبه الجزيرة الايبيرية. ويردف الكاتبُ قائلاً في السّياق نفسه: “هناك من ناحية أخرى جانب المودّة في العلاقات الإنسانية التي إنعدمت في المجتمع الأوروبي الذي أعيش فيه وأنتمي إليه، ففي مدينة مراكش، على سبيل المثال، يمكنني أن أكتب وأن أقرأ، كما يمكنني في الوقت ذاته الخروج للنّزهة والتحدّث إلى الناس البسطاء وليس مثل ما هو عليه الأمر في باريس ونيويورك اللتين إنعدمت فيهما العلاقات الإنسانية وتلاشت”. لقد قرأ خوان غويتيسولو – على حدّ تعبيره- : “نصوصاً دينية إسلامية كثيرة وهي نصوص تهمّه جدّاً، إنّه يقرأها مثلما يقرأ أعمالاً لماغلان، أو ابن عربي المُرسي، أو إبن حزم، أو سان خوان دي لاكروث، بمعنى أنّها تبدو له وسيلة تعبير أدبيٍّ راقٍ جديرٍ بالإعجاب والتقدير”.

أثار غويتيسولو قيد حياته ردود فعل متباينة في الأوساط الأدبية والثقافية الإسبانية، وذلك بكتبه أو مقالاته التي لم تكن تخلو من نقد لاذع للمجتمع الاسباني، وللمثقفين الإسبان بشكل عام، ورميهم بروح الإنغلاق وعدم تفتّحهم على ما يدور حولهم من تظاهرات وتحركات ثقافية خاصة لدى جيرانهم العرب.

أثارهذا الكاتب هذه المواضيع في كلّ محفل ومنبر، نظراً لما يربطه بالعالم العربي من أواصر المودّة والإعجاب، حيث احتلّت مدينة مراكش بالذّات حيّزاً مهمّاً في أدبه، وإبداعاته الرّوائية، وبالخصوص روايته المعروفة “مقبرة” أو في سيرته الذاتية “منطقة مسيّجة محظورة” أو في سواهما من المقالات والدراسات حول الثقافة الإسلامية، والمسيحية أو الحضارة العربية على وجه العموم مثل كتابه “إسبانيا في مواجهة التاريخ..فكّ العقد “، وحول الدّور الكبير الذي إضطلع به المسلمون خلال وجودهم بالأندلس، وإيمانه القويّ في مقدراتهم الابداعية، وعطاءاتهم الثرّة في مجالات العلوم على إختلافها، وفي حقول الآداب، والشعر، والفكر، والفلسفة، والموسيقى، والمعمار، وحول التقارب الذي يناشده بين العرب واسبانيا بحكم العوامل التاريخية والحضارية والجغرافية، ودعوته المتواصلة الى إسدال ستائر الحقد والضغينة، وإزاحة حُجُب التجاهل والتنافر والتنابذ، والتعرّف عن قرب على ما يجري في البلدان العربية من غليان فكري، ونهضة ثقافية، وتطوّر حضاري في مختلف المجالات .

ميدان جامع الفنا بمرّاكش تراث إنساني

يلاحظ المتتبّع للصّحافة الاسبانية خلال العقديْن الفارطيْن ما أثاره هذا الكاتب من موضوعات فكرية وثقافية لا تخلو من شجاعة أدبية، وإنصاف محقّ للثقافة العربية والشهادة لها بمواكبة التيارات الفكرية المعاصرة، وإتّهام بني طينته الإسبان بالقصور في هذا المج لقد كان يعتبر في هذا السّياق حصوة في عيون المتزمّتين، والمُنغلقين من الإسبان وغير الإسبان الذين ينكرون على هذه الثقافة إشعاعَها، وتألقَها، وتفوّقَها، والأوج الذي ادركته على إمتداد تاريخها الطويل في مختلف الأصقاع في مشارق الأرض ومغاربها. كما أنه على غرار صديقه الكاتب الألماني الرّاحل “غونتر غراس” كان معروفاً بمناصرته ودفاعه كذلك عن القضية الفلسطينية على وجه الخصوص. ولخوان غويتيسولو يؤول الفضل، من جانبٍ آخر، في أن تصبح” ساحة جامع الفنا” الشهيرة بمدينة مرّاكش تراثاً إنسانياً عالميّاً شفويّاً لا مادياً من طرف منظمة اليونسكو العالمية منذ 18 مايو من عام 2001 حيث تقرّر ذلك على عهد ويد بلديّة وصديقه فيديريكو مايور ثاراغوسا المدير العام لهذه المنظمة الدّولية في ذلك الإبّان.

إسبانيا وحضارة الأندلس

دافع خوان غويتيسولو دائماً عن مغزى التداخل والتكامل الثقافيين عكس ما يحدث في إسبانيا في الوقت الرّاهن من ميولات إقليمية وإنفصالية منكمشة وضيّقة ومنغلقة على نفسها، إلاّ أنّ غاية تدخّلاته وتصريحاته في هذا القبيل لم تكن مفهومة بما فيه الكفاية من قبل. إنّه يشير في هذا الصدد :” أنّ الدفاع عن التعدّد الثقافي والتنوّع الفكري أو تعدّد قنوات الثقافات القائمة في محيط بلد مّا شيء، وإقامة حواجز بين هذه الثقافات وتصنيفيها في حيازة فرضيات ذات مضامين معّينة وطنية أو محليّة شيء آخر مخالف للسّابق. إنّ ثقافة من هذا القبيل منكمشة على نفسها لهي ثقافة مُنكِرة لوجود سواها من الثقافات وإشعاعاتها، فالتزوير المتعمّد للماضي التاريخي، وتشذيب أو حذف أو التغاضي عن كلّ ما هو أجنبي من الثقافات، من شأنه أن يفقر أو يفسد الحقيقة في حدّ ذاتها. كما أنّ ذلك يشكّل حاجزاً يقف حجرعثرة في سبيل التداخل المتناغم للثقافات. إنّ المثال الأعلى للفكر التعدّدي هو أن يكون فكراً متقبّلاً ومفتوحاً خلاّقا. وإنطلاقاً من هذا المفهوم، فإنّنا نورّط أنفسنا ونجعلها تغيّر موقعها الحقيقي من تاريخ إسبانيا. إنّ النيّة المبّيتة التي تجرّد جميع تلك المُعطيات من عناصرها الصالحة بشكل تعسّفي لهويّة وطنية مّا، لهي نيّة تتّسم بنظرة ضيّقة، هامشية، متزمّتة ومنغلقة، ذلك أنّ تاريخ أيّ شعب إنّما هو خلاصةُ التمازج الحضاري والتأثيرات الخارجية التي إستقبلها وهضمها، وإسبانيا خير مثال للبلدان التي إستفادت بشكل إيجابي مباشر، وكبير من الحضارة العربية التي تألقت، وازدهرت، وبلغت أوجها فوق ترابها زهاء ثمانية قرون ونيّف، بالعطاءات الثرّة والخلق والإبداع في مختلف مجالات الحياة التي ما زالت تطبع الحياة الإسبانية، وتميّزها عن سواها حتى اليوم .

أعماله ورواياته

بدأ غويتيسولو الكتابة منذ سنّ 23 سنة (عام 1954 ) وتحمل أولى رواياته عنوان “لعبة الأيدي” التي وضعته في ذلك الإبّان في مصافّ كتّاب الواقعية السّحرية غداة الحرب، إستقر في باريس منذ عام 1956، وبعد أن إنتقل بين كوبا ومدينة ألميرية الإسبانية، بدأ في كتابة نوع جديد من الإبداع الرّوائي الذي سوف يتميّز به منذ ظهور روايته الشّهيرة ” علامات هويّة” عام 1966 التي يقدّم فيها نظرةَ مَضَضٍ وتقزّزٍ عن إسبانيا على عهد الجنرال فرانكو على لسان ” ألفارو ميننديولا” الذي كان في الواقع يعبّر، وينطق باسم الأنا الآخر للكاتب نفسه .

ومنذ أوائل الثمانينات من القرن المنصرم إنتقل خوان غويتيسولو لإقامته الدائمة التي حدّدها بين مديني باريس ومرّاكش حيث إستقر بصفة دائمة في هذه المدينة المغربية منذ عام 1996والتي أهداها روايته الكبرى ” مقبرة” (1980)، ومن أعماله الأخرى: “الإشارات”، “حداد في الجنة” ،و”حكايات جزيرة” و”خوان بدون أرض”، و”السّيرك”، و”الجزيرة” و”نهاية الحفل” و”عناوين هويّة “و”دون خوليان” و”فضائل الطائر المنعزل” و”أسابيع الحديقة” و”ستارة الفم” و”فى ممالك الطوائف” (مذكّرات) وسواها من الأعمال الإبداعية الأخرى مثل “لمحة بعد المعركة”، وملحمة ماركس”، و”موقع المواقع”، حيث تمتزج في هذه الأعمال جميعها هواجسُ الحياة، وتداخل الأزمنة، وتوارد، وتواتر الأصوات، والتصوّف، والأبيات الشعرية العائدة لأرثيبيستي دي هيتا، وإشكاليات الهجرة، وتطوّر اليسار بعد سقوط جدار برلين، وحرب البلقان، والعالم العربي بمسلميه ومسيحيّيه . يضاف إلى ذلك أعمال شكلت سيرته الذاتية أو مذكراته مثل ” منطقة محظورة”، ومن أشهر كتبه عن العالم العربي هو كتابه المُترجم للغة العربية “إسبانيا في مواجهة التاريخ.. فكّ العقد” حيث يُدافع فيه عن الثقافة العربية، ودورها في التقريب بين الشعوب وسواها من الأعمال الاخرى.

وخوان غويتيسولو حاصل على جائزة “فورمينتور”الدّولية الأدبية لعام 2012، وكذلك على أكبر جائزة أدبية في أوربا، وهي”أورباليا” التي تُمنح ببروكسيل، والتي تُعتبر بمثابة نوبل في الآداب الأوربية، وعلى جائزة “أوكتافيو باث” في الآداب، وعلى جائزة “الأدب الأمريكي اللاتيني والكرايب خوان رولفو”، وعلى “الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية” و”جائزة “بلانيتا” الإسبانية كذلك، بالإضافة للعديد من الجوائز الأدبية الرّفيعة الأخرى في مختلف بلدان العالم . ومنذعام 2007 أصبحت المكتبة التابعة لمعهد سيرفانتيس بمدينة طنجة (شمالي المغرب) تحمل إسمه تكريماً له ولإبداعاته المتميّزة .

طرائفه مع جائزة سيرفانتيس

قبل أن يستلم خوان غويتيسولو عام 2015 جائزةَ “سيرفانتيس” في الآداب الإسبانيّة التي تعتبر بمثابة نوبل في العالم الناطق بهذه اللغة، وخلال لقائه مع ثلّة من الصّحافيين والنقّاد الإسبان، كان قد صرّح أنه أثناء حضوره مراسيم حفل تسليمه لهذه الجائزة بجامعة ” ألْكَلاَ دِي إِنَارِيسْ ” ( قلعة النّهر) بالقرب من العاصمة الإسبانية مدريد قائلاً: “لن أرتدي سترة السّهرة السّوداء، أو بدلة “شاكيّ ” أيّ المعطف التقليدي الذي عادةً ما يرتديه المكرّمون في مثل هذه الحفلات الرّسمية كما طلب منّي القائمون على هذه التظاهرة الأدبية الكبرى، بل إنني سأرتدي خلال فعاليات هذه الحفل الأدبي بشكل عادي”، وكان غويتيسولو قد برّر ذلك قائلاً: “إنّه من السّخف أن يُطلبَ من رجلٍ عجوز في الخامسة والثمانين من عمره أن يرتدي أرديةً تنكّريّة، وإذا كان لابدّ لي أن أفعل ذلك، فإنّني أوثر، وأفضّل أن أرتدي جلباباً مغربيّاً”، وبالفعل إرتدى غويتيسولو خلال حفل مراسيم تسلّمه لهذه الجائزة لباساً عادياً بسيطاً، متواضعاً، مُوليّاً ظهرَه للتقاليد المُتحجّرة المتَّبعة والمُجترّة في مثل هذه المناسبات.

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...