آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » د. عبد الحميد فجر سلوم: من شرق سورية الى اوكرانيا.. ماذا يحصل في عالم اليوم؟

د. عبد الحميد فجر سلوم: من شرق سورية الى اوكرانيا.. ماذا يحصل في عالم اليوم؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

**

بعد فترةٍ من الزمن أمضيتها في ساحل اللاذقية، وفي قريتي، كان لا بُدّ من العودة إلى الكتابةِ في صُحُفي المعتادة..

وطبيعي أن يكون البدأ بِما يحصل في بلادي..

فالتطورات تتسارعُ من الجنوب وحتى الشمال..

ففي الشمال، في ريف دير الزور، تدورُ معاركٌ شرسة بين حلفاء الأمس مِمّا يُسمّى (قوات سورية الديمقراطية)، وهذه المواجهات استنفرت فورا العصبيات الجاهلية، وأثارت حالا العصَب القومي والعشائري بين الأكراد وبين العشائر العربية، واتّسعت رقعتها لتشمل شمال حلب، وخلطت الأوراق في المنطقة..

الطرفان المتصارعان مُعارِضان للحكومة، ويعملان تحت المظلة الأمريكية، وما زالا.. فما سرُّ هذه المواجهة في هذا التوقيت بالذات، وكيف سترسو الأمور، وهل ستتغير المعادلات لمصلحة وحدة الوطن السوري، أم لمصلحة تركيا وتوابعها في الشمال الذين انحازوا للعشائر، أم لمصلحة القوات الأمريكية؟. الزمن القادم سيُعلمنا بذلك..

**

وفي الجنوب اندلعت احتجاجات في محافظة السويداء لم تكُن في الحسبان.. ورفعت شعارات لم تكُن متوقّعة..

في التحليل السياسي لِكلِّ حدثٍ أسبابٌ بعيدة وأسباب قريبة.. أو بمعنى آخرا، أسباب مباشَرة وأسباب غير مباشرة، لتحقيق هدفٍ ما..

احتجاجات السويداء كان سببها المباشر، أو القريب، هو القرارات غير المدروسة والإرتجالية، والمتسرِّعة، التي اتخذتها الحكومة  برفع الدّعم عن بعض المحروقات والذي أدّى بدورهِ إلى رفع أسعار كل شيء.. نعم كل شيء، وأولها المواد الغذائية والاستهلاكية، والخضار والفواكه، والألبان والأجبان واللُّحوم، والنقل، واليد العاملة، وكل شيء، حتى شُربَةُ الماء ورغيف الخبز.. وتسبّبت بمزيدٍ من الفقر والجوع والذل والقهر والحرمان، وعجزِ المواطن، العاجز بالأساس، عن توفير أدنى حاجيات الأكل لأولاده.. فانطبقَ المثَل: “فوق الموتة عصّة القبر”..

هذا إذا ما أضفنا بالاساس غياب، أو نُدرة توفُّر الكهرباء والمازوت والبنزين والغاز..

ومن كان يُروِّج إلى أن هذا الرفع سيكون تأثيرهُ ضئيلا على الأسعار إنما هذا لا يصلُح للعمل في حظيرة دجاج..

هذا الأمر استغلتهُ بعض الأطراف الداخلية، لتحقيق الأسباب البعيدة، أو غير المباشَرة، والتي تجلّت واضحة في الشعارات التي تم رفعها أو تردادها.. ولا يخفى أن في السويداء معارضَة للحُكم منذ 2011، ولا تُخفي نفسها، وطبيعي أن تستغلّ هذه الظروف وتستفيد منها، وتركب الموجة، فهذا منطق الأشياء..

ولكن المسؤولية تتحملها الجهات المسؤولة عن رفع الأسعار لأنها بذلك هي من وضعت ورقة بيد تلك الأطراف، التي تتربّص، والتي تنتظر غلطَة أو هفوة من هذا النوع، فحققت لها الحكومة منالَها، وأعطتها الحُجَّة والمُبرِّر للخروج للشوارع والساحات، بقراراتها غير المحسوبة، والتي يُنظَرُ إليها أنها اعتداءٌ سافرٌ على ما تبقّى من لقمة عيش المواطن، وكرامته..

وليس أسهل في هذا الزمن من حشدِ الناس بسهولة ضد الغلاء والجوع والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة.. فالناس ترى ما هو أمامها، وهذا ما يهمها، ولا ترى ما هو في الخفاء.. وما هو أمامها واضحٌ ومكشوفٌ للجميع: إنه الفقر والجوع والذلُّ والقهر والحرمان والغلاء وكل أشكال الفساد، حتى بات أكثر من 90 % من الشعب السوري في حالة فقر مُدقِع، بينما أكبر راتب لأكبر موظف لا يتجاوز وسطيا ما يُعادل 20 دولارا بالشهر.. وهذه لا تصلُح “بخشيش” في مطعم في بعض الدول..

**

بالمقابل، هناك طبقة ضيِّقة جدا من حيث الكّم، ومن أهل الفساد المتنوع، قديما وحديثا، ومُستغلِّي السُلطة والنفوذ، يلعبون بالأموال، ويعيشون حياة التّرف والرفاهية والبذخ هُم وعائلاتهم، من أموال الفساد والحَرام، وهؤلاء يشكلون أكبر استفزاز لـ 90% من الفقراء الذين يشعرون، ويعتقدون أنّ هؤلاء يتنعّمون بِما سرقوهُ من لُقمةِ عيشهم، وعيشِ أولادهم..

وكما قال أبو الفقراء في التاريخ الإسلامي، الإمام عليّ (ر):

(ما جاعَ فقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ به غنيٌ، واللهُ تعالى سائلهم عن ذلك..) ..

ونحنُ اليوم في سورية، نعيش كل معاني هذه المقولة الصادقة للإمام عليّ..

**

على الصعيد الأمني والعسكري، فقد تكرّرت جرائمُ قتلِ ضباط وعناصر من الجيش السوري(وصاروا في عِداد الشهداء) في كمائن، في البادية السورية على يد الدواعش، أو في شمال شرق اللاذقية على يد “جبهة النصرة”، وفي أزمِنةٍ متقاربة.. وهذا يطرحُ تساؤلات كثيرة حول كيفية وصول هؤلاء، أو نجاحهم في استهداف مقرّات الجيش السوري المُحصنّة..

**

هذا عدا عن اعتداءات إسرائيل المتكررة على الأراضي السورية، والمنشآت السورية الحيوية كما المطارات المدنية، وإخراجها عن الخدمة.. كما حصل لمطار حلب مؤخّرا..

**

وبموازاة كل ذلك تدور أحاديث كثيرة في الصحافة، وعلى لسان مسؤولين عربا وغيرهم، وقيادات أحزاب، أو مُحلِّلون سياسيون، وحتى على الفضائية السورية، عن نيّة الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري كبير في شرق سورية وبِمُحاذاة الحدود العراقية السورية، لِخلق كانتون تحت سيطرتها وعلى طول الحدود، من مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية، التابعة للولايات المتحدة في شرق الفرات، إلى قاعدة التّنف على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني.. والمخطط هو جعل السويداء والمنطقة الجنوبية في سورية المُحاذية للحدود مع إسرائيل والأردن، كلها خارج سيادة الدولة، ومحمية أمريكية.. وخاصّة إذا أقاموا فعليا منطقة حظر جوي فوق سماء هذه المنطقة، كما يُروّج البعض.. وذلك أسوة بما فعلوه سابقا في العراق..

 وتصريحات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، صديق أمريكا، في مقابلتهٍ ِمع قناة الشرقية، في 29 آب 2023، عمّا تُخطط له الولايات التحدة داخل سورية، وبمحاذاة الحدود مع العراق، والهدف من ذلك، هو كلامٌ خطيرٌ، ولا يُمكن النظر إليه بلا اكتراث.. لاسيما أن العراق هو النافذة المتبقية المفتوحة لسورية في محيطها الجغرافي.. فالمالكي، يعي ما يقول..

ورغم نفي قائد قوات المهام  المشتركة في التحالف الدولي الجنرال “ماثيو ماكفارلين” لهذه الأخبار، إلا أنه لا يمكن الثقة بتصريحاته..

**

ولو انتقلنا إلى أوكرانيا، فالحرب ما زالت مستعرة، وتتصاعد بإدخال أسلحة جديدة لساحة المعركة، والخسائر تزداد وتتراكم من الجانبين، وبات واضحا أن إمكانية الحسم غير ممكنة من أيٍّ من الطرفين، وهذا ما يصبو له الناتو وزعيمتهِ الولايات المتحدة، فهي تريد أن تبقى هذه الحرب مستمرة لأطول فترة ممكنة، لأن هذا يعني مزيدا من الابتزاز لروسيا، وإشغالها في أوكرانيا، ويزيدُ مصاعبها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ويعيق عملية التطور والتقدم والإزدهار والبناء، في كافة المجالات.. وهي ذات سياسة الإبتزاز والإضعاف وإعاقة التنمية والتطوير، التي اتّبعتها الولايات المتحدة ضد الإتحاد السوفييتي السابق..

وفضلا عن ذلك، فهذه المواجهة بين روسيا ودول الناتو انتقلت شرارتها إلى خارج أوكرانيا..

وإن صدقتْ الأحاديث عن المخططات الأمريكية في شرق سورية، فإنما يُنظَر إليها أنها شكلا من أشكال المواجَهة مع روسيا في سورية..

وطبعا إن أردتَ أن تستنزف خصمك، فطبيعي أن توسِّع لهُ ساحات القتال والمواجهَهة، على رقعة الساحات الدولية، التي هي أشبهُ برُقعة لعبةِ الشطرنج، التي تحتاج إلى أقصى درجات التخطيط والحسابات، قبل تحريك أي بيدقٍ من مكانٍ لآخر..

نعم قلتها كثيرا، السياسة لعبة شطرنج.. وما تقتضيه لعبة الشطرنج من حسابات دقيقة، تقتضيه السياسة أيضا، وإلا قد يتفاجأ أحد اللّاعبين وقد أصبح أمام العبارة الشهيرة (كش ملك) ..

**

وكذلك انتقلت هذه المواجهة إلى أفريقيا، بين روسيا وفرنسا، وما الإنقلابات العسكرية التي قامت مؤخّرا في بعض المُستعمرات الفرنسية السابقة، كما النيجر والغابون، إلا إنعكاسا لهذه المواجهة..

وهذه الإنقلابات لا يمكن أن تخدم التنمية والتطور في أفريقيا، بل هي أكبر إعاقة لذلك.. وهي إعادة التاريخ للوراء، وقتلٌ للمُنجزات التي حققتها شعوب أفريقيا بعد الإستقلال، نحو امتلاك القرار، وانتخاب قياداتها عبر صناديق الإقتراع بشكل ديمقراطي وحُر..

**

في شرق آسيا، ما زال التصعيد سيد الموقف، بين الولايات المتحدة وحلفائها( كوريا الجنوبية واليابان) من طرف وكوريا الشمالية من طرف آخر.. وعقوبات جديدة طالت كوريا الشمالية..

وكذلك بين الولايات المتحدة من طرف والصين من طرف آخر بخصوص تايوان التي تقوم الولايات المتحدة بتزويدها بأسلحة جديدة في إطار صفقة قيمتها أكثر من مليار دولار، وتُصرِّح علنا أنها ستردُّ بشكلِ عسكري قوي، إن قامت الصين بأي عمل عسكري هناك..

بل الولايات المتحدة تزداد شراسةً وتحدِّيا، في كل مكان.. سواء في منطقتنا، أم في أوكرانيا، أم في شرق آسيا، أم في تايوان..

**

نعم ، الدور الأمريكي في منطقتنا تراجعَ فعليا في زمن الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، واستمرّ التراجُع في السنوات الثلاث الأولى من رئاسة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وهذا كان موضع انتقاد دول الخليج العربي، وانصرفَ الاهتمام نحو شرق آسيا، حيث الصين الصاعدة بقوة..

ولكن بعد الحرب في أوكرانيا، والمواجهة غير المباشَرة بين روسيا ودول الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة، فيبدو أن الإستراتيجية الأمريكية تغيّرت، وقرّرت العودة بقوة للمنطقة، كنوعٍ من المواجهة لمصالح روسيا، وللصين أيضا.. ولشدِّ عصبِ حلفائها التاريخيين في دول الخليج العربي..

لا نستطيعُ أن نتجاهل أن الولايات المتحدة ما زالت حتى اليوم هي المُهيمنة على الساحة الدولية، وإلى أن يقوم عالمٌ متعدد الأقطاب فعليا، وينزعُ منها هذه الهيمنة، فهذا يحتاج إلى زمن..

وحتى انسحابها من أفغانستان لم يؤثِّر على هيمنتها، والتواصُل بينها وبين الطالبان مستمر عبر الدّوحة، بل خلقَ مُشكلات لدول الجِوار الأفغاني، وأولها إيران، التي تعاني من مشاكل مع نظام الطالبان، بسبب تحويل الطالبان لحصة إيران من نهر هلمند إلى داخل أفغانستان، خلافا للإتفاقية الموقعة عام 1972، وتعرُّض المناطق الشرقية من إيران إلى الجفاف والتصحُّر والمخاطر البيئية.. وهذا بدوره أدّى إلى خلافات في البرلمان الإيراني حول كيفية التعامُل مع أفغانستان، وهناك من طالبوا باستجواب الحكومة، ووزير الخارجية، لتقصيرهم في هذا الملف..

ولم تستجب الطالبان لتهديدات الرئيس (ابراهيم رئيسي) في إطلاق حصة بلاده من مياه نهر هلمند..

هذا عدا عن عودة الطالبان لزراعة الحشيش أو الخشخاش بقوة، وتهريب المخدرات إلى دول الجوار..  إلى إيران ومنها إلى خارج إيران.. وإلى دول آسيا الوسطى، ومنها إلى روسيا، والقوقاز، وأوروبا.. أي العودة إلى طريق الحشيش السابق..

**

وها هي تعود بقوة إلى منطقتنا الشرق أوسطية، وتحشدُ قوات عسكرية كبيرة، من جنود وطائرات إف 16، وغواصات وحاملات طائرات.. وكأنها تقول أن هذه المنطقة هي منطقة نفوذ أمريكية تاريخيا ولن نتخلّى عن ذلك..

فما الغاية من هذا التصعيد الأمريكي؟.

هل كما يُحلِّل البعض من أن هذا يندرج في إطار التحضير للانتخابات الأمريكية القادمة، وأن الرئيس جو بايدن، يهدفُ إلى الظهور كرئيس قوي، ويريدُ تحقيق بعض المنجزات الجوهرية على الساحة الدولية، تُساهمُ في زيادة شعبيتهِ وبالتالي إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة؟.

أم أن الأمور أبعد من ذلك، وتندرج في إطار حرب باردة جديدة، كما كان الأمر في زمن الإتحاد السوفييتي، والمسألة مسألة تحدٍّ طويل الأجل، إلى أن تُحسَم لصالح أحد الطرفين، أو يتمّ الاتفاق على حلول أشبه بالحلول التي أقرّها مؤتمر يالطة عام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتقاسُم مناطق النفوذ في العالم؟.

بل هل تقبل الولايات المتحدة ذلك اليوم، ومُشاركة روسيا في النفوذ على دول أوروبا الشرقية التي اصبحت اعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي؟.

وهل تقبل الصين القوية اليوم، بعكس ما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية، أن يتمَّ توازُع مناطق النفوذ بالعالم وهي تتفرّج؟.

والأهمُ من كل ذلك، ما هو مستقبل سورية في ظل هذه الأوضاع والظروف الداخلية، والإقليمية والدولية الصعبة والمُعقّدة؟.

اسئلةٌ كثيرة يمكن أن تُطرَح، والزمن وحدهُ كفيلٌ بالجواب..

العالم اليوم أشبهُ بغابةٍ.. وتحكمهُ شريعةُ الغابة.. أي شريعة القوي.. ولا مكان في الغابة إلا للوحوش الكاسرة..

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

غزة ما بين مأزق بايدن وهذيان نتنياهو

الدكتور خيام الزعبي اختياري لعنوان مقالتي هذه لم يأتي من فراغ وإنما جاء بعد نظرة شمولية لما لهذا الموضوع من أهمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ...