حذّر العالم المصري د. محمد إبراهيم المصري أستاذ هندسة المكروتشبس بجامعة واترلو الكندية من تحول التعليم إلى “بيزنيس”، مشيرا إلى أنه إذا حدث هذا، فعلى الدنيا السلام!
وأشاد “المصري” في حوار مع “رأي اليوم “- على هامش زيارته القاهرة لإلقاء محاضرات علمية في جامعة عين شمس- بالتجربة الماليزية “المعجزة”، مؤكدا أنها تجربة فريدة جديرة بأن تستلهمها مصر قبل فوات الأوان.
“المصري” حريص على نهضة بلده، فأتى محمّلا بطموحاته في نهضة مصرية يراها ممكنة، متمنيا على الحكومة المصرية أن تقدّر التعليم حق قدره، محذرا من استمرار سياسات تعليمية ثبت فشلها، ولم تؤت ثمارها.
وإلى نص الحوار الذي باح فيه بالكثير:
*منذ زمن بعيد نسمع في مصر “جعجعة” ولا نرى طحنا في ملف “التعليم”.. كيف ترى الأزمة؟
هي أزمة مركبة، وللأسف صانع القرار لم ينتبه لمشكلة التعليم ووضع الحلول لها، وكان هذا للأسف قصر نظر، لأن التعليم هومفتاح التقدم.
وأذكر أن لي تلاميذ أصبحوا أساتذة في جامعات: الصين، والهند، وكوريا، وماليزيا، وإيران، وتلك الدول كان وضعها التعليمي يشبه مصر في عام 1970، الآن وبعد نحو نصف قرن ، أصبح الوضع بين تلك الدول ومصر كما بين السماء والأرض !
كنت مستشارا لمهاتير محمد ، وأعرف ما الذي يجب فعله !
*ما الحل “الناجع” الي تقترحه؟
نبدأ من التعليم ، لأنه لا نهضة حقيقية دون تعليم حقيقي.
التعليم يسهم في بناء الاقتصاد، ولننظر مثلا إلى ماليزيا التي تمتلك ثلاث صناعات جبارة :
المكروتشبس، السيارات ، الطاقة .
يجب أن تسارع الدولة باحتضان نحو 25 مليون إنسان لمدة
16 عاما .
لنعلم أن هؤلاء طاقة بشرية ، لو لم يتعلموا بشكل صحيح ، سيكونون عالة على الدولة ، ولو تعلموا بشكل صحيح سيسهمون في بناء الاقتصاد.
للأسف مصر لا تصنع أي سلعة يحتاجها العالم.
كيف السبيل إلى نهضة تعليمية؟
عوامل التعليم ستة : ثلاثة عوامل بشرية، وثلاثة غير بشرية.
البشرية هي: الطالب، المدرس، ولي الأمر.
غير البشرية: المدرسة، المنهج ، الوسيلة التعليمية “الملاعب الرياضية، الفنون، الثقافة”.
للأسف أهملنا أهم عنصر، وهو المدرس، ولم نعره اهتماما يذكر.
هل نعلم أن كليات المعلمين في ماليزيا من كليات القمة، الأوائل في الثانوية العامة في ماليزيا يريدون الالتحاق بإحدى كليات القمة: الطب، الهندسة، المعلمين.
تقدم ماليزيا وسواها لم يأت عفوا، بل نتيجة دراسة وخطط علمية.
في ماليزيا يخضع الراغبون في الالتحاق بكلية المعلمين
لاختبارات قاسية لمعرفة إلى مدى يصلحون لتلك المهنة المقدسة.
أي شيء لفت نظرك في التعليم هناك؟
في علم الحضارات يجب التركيز على لغة الأم، الأمر الثاني التركيز على تدريس الدين “الأخلاق، السلوك”، الأمر الثالث: الثقافة ، الفنون ، الأدب ، التاريخ ، العلوم” الكيمياء ، الطبيعة ، الرياضيات .. إلخ.
الاهتمام بكل هذا يبني الحضارة ، والعكس صحيح!
*كيف ترى تجربة مهاتير محمد في النهضة ؟
كان عنده ثلاثة عناصر: الملايو” أصل البلد ” ، الصينيين، الهنود .
فاهتم باللغات الثلاث.
إهمال اللغة الأم جريمة كبرى، وتدمير للشخصية الوطنية تماما .
*كيف ترى دعوات البعض عندنا لإحياء ” الهيروغليفية ” ؟
جهل، ألا يعلمون أن اللغة العربية كانت اللغة العالمية من سنة 700 الى 1400؟
كتب بها: الفارابي ، الغزالي ، ابن سينا،ابن ميمون .
إهمال العربية جريمة كبرى .
لا توجد مدارس خاصة في ماليزيا ، ولا جامعات خاصة، ولا مستشفيات خاصة ، وهذا يعني أن الحكومة تهتم في المقام الأول بالتعليم.
هذا هو الطريق الذي سلكه مهاتير محمد ، ورفع ماليزيا من بلد مستنقعات إلى اقتصاد قوي ، وصحة وتعليم أفضل من كندا .
*من أين نبدأ ؟
البداية من وجود مشروع للنهوض بالتعليم في مصر ، بالمجهود الذاتي.
تقدمت منذ عام بمشروع للحكومة المصرية للنهوض بالتعليم في محافظة الأقصر كبداية ، وإلى الآن لم أتلق ردا ، و لا زلت أنتظر ولن أفقد الأمل ما حييت.
*كيف ترى ظاهرة ازدواجية التعليم في مصر ووجود مدارس خاصة وأخرى حكومية وثالثة دولية ؟
بعد انحسار دور الدولة في التعليم، حدثت انتكاسة تعليمية لا تخفى .
التعليم الخاص في مصر سيئ جدا مقارنة بالمستوى العالمي.
للأسف أصبح التعليم ربحيا وتجاريا ، وعندما يصبح التعليم ربحيا فعلى الدنيا السلام !
و لو استمرت ظاهرة السناتر والدروس الخصوصية وغياب دور المدرسة ، فمصر- بكل أسف- مهددة بالفناء .
للأسف مصر ليس بها اقتصاد منتج ،ولذلك فهي تتأثر بأي أزمة عالمية .
*لماليزيا تجربة فريدة في التقدم عن طريق التعليم، ليتك تحدثنا عن هذه التجربة، لاسيما وقد سبق لك العمل مستشارا لمهاتير محمد؟
تأكد مسؤولو ماليزيا أنه لا نهضة حقيقية دون تعليم، فسعوا لذلك، لإيمانهم أن التعليم يخلق طاقة بشرية تستطيع عمل اقتصاد منتج.
التعليم هو الأساس، مع وجود خطة طويلة المدى لتوطين صناعات محلية استطاعت منافسة الأسواق الأمريكية والأوروبية.
وكان على التوازي مع ذلك وجود خطة لتوطين 3صناعات مهمة:
المكروتشبس، السيارات، الطاقة.
وعلى التوازي مع ذلك كان الاهتمام بتوفير رعاية صحية مجانية.
شركة” انتل” عندما أرادت أن تتوسع في صناعة ” المكروتشبس” ، اختارت ثلاث دول: أيرلندا، إسرائيل، ماليزيا .
*ما ” المكروتشبس؟
بدأت صناعة المكروتشبس في عام 56 ، ويمكن ترجمتها إلى ” الشرائح أو الرقائق الالكترونية “، وهي تدخل في كل شيء به الكترونيات، من هاتف محمول ، طائرة مسيرة ، التحكم في الصواريخ .
المكر
به جزآن: جزء تصميم، وفي مصر مراكز تصميم لا بأس بها ، ومعظمهم تلاميذي
والنوع الثاني : تصنيع ، وهو بحاجة إلى مجهود وإمكانات مادية كبيرة
وقوة بشرية على مستوى عال من المهنية والخبرة والعلم ،وللأسف لا يوجد هذا الجزء في مصر ولا في أي بلد عربي ولا إسلامي إلا ماليزيا .
المكروتشبس
واحدة من أعقد الصناعات في العالم ، أعقد من الطائرة ، والصاروخ، الطائرة المسيرة .
هي صناعة من أعقد الصناعات على الإطلاق ، لما تتطلبه من معرفة علمية عالية، وعمالة مدربة ملتزمة، وبيئة عمل صحية حاضنة. وتنقسم إلى تصميم وإنتاج. ومصر بها بعض مراكز التصميم، وأغلب من يديرونها من تلاميذى.
والهند تعتبر الأولى فى عدد مراكز التصميم فى العالم. وفى صناعة البرمجة الهند هى أيضا الأولى فى العالم.
لماذا لا توجد إرادة عربية لتوطين ” المكروتشبس؟
في العالم العربي توجد كتلتان لو اتحدتا ، لتقدم العالم العربي .
الأولى : كتلة المال ” الخليج “، الكتلة البشرية ” في مصر”.
*كيف نصف التقدم في الخليج وهل هو تقدم زائف؟
تقدم استهلاكي لا إنتاجيا.
كان الروائي الإنجليزي الشهير يحذر من قهر التكنولوجيا للإنسان ؟
للتكنولوجيا بلا شك فوائدها التي لا تحصى، ولها كذلك مخاطرها ، وعلى الإنسان أن يختار .
سوء استخدام التكنولوجي يأتي من عدم الوعي .
الدول إما تختار طريق الاستهلاك أو الإنتاج، ولكل وجهة هو مُولِّيها .
*هل الديمقراطية متحققة في ماليزيا؟
نعم، ولا وجود استبداد.
وهم حريصون على تقوية العلاقات مع الجيران:
تايلاند وسنغافورة،فضلا عن علاقاتها مع كوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية.
*ماذا عما لا يعرفه الناس عن مهاتير محمد؟
للأسف لا يكاد العرب يعرفون شيئا عن مهاتير محمد، ولا عن تجربة ماليزيا وسواها من النمور الأسيوية.
*ما الذي يميز مهاتير محمد وقد اقتربتَ منه وكنت أحد مستشاريه؟
يميزه فكره، وكان طبيبا ناجحا قبل دخوله معترك السياسة، وهو مسلم قح، له مؤلفات لافتة قبل توليه رئاسة الوزارة.
يؤمن بأنه لا عاصم لنا سوى ملاحقة التقدم ، والأخذ به،وبالاتجاه شرقا.
استهلم النموذج الياباني وليس الأوروبي برغم أن اليابان كانت محتلة لماليزيا.
وكان يرى عدم وجود تعارض بين الإسلام والتقدم.
ويحسب له تقديمه أول خريطة للتقدم والنهضة.. تعليميا وصناعيا وطبيا، وعندما سئل:
أين الإسلام في هذا المشروع؟
أجابهم بقوله:
أنا أتكلم بالإسلام الذي يحض على العلم والتقدم وبناء الحضارة.
*وماذا عن مهاتير الإنسان؟!
رجل في غاية التواضع والأدب، وملتزم إلى أقصى درجة.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم