رأت وسائل إعلام أميركية أنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، يسعى إلى التقليل من أهمية الوثائق السرية التي تم اكتشافها مؤخراً، والتي تم تخزينها في منزله، وفي مركز تابع له.
وذكر موقع “ذا انترسبت” أنّ بايدن اعتقد أن الوثائق تتعلق بالفترة التي قضاها نائباً للرئيس في عهد باراك أوباما، ولكن بعد ذلك، تبيّن أنه تم انتشال مجموعة أخرى من الوثائق السرية من مرأب بايدن الشخصي في منزله في ولاية ديلاوير، وقد عيّن المدعي العام ميريك غارلاند مستشاراً خاصاً للتحقيق في هذه المسألة.
وأورد المقال أنّ الكشف عن أن بايدن قام بتخزين مواد سرية بشكل غير قانوني، بما في ذلك في مرأبه، يمثل إحراجاً خطيراً للرئيس، لا سيما في ضوء حقيقة أن الديمقراطيين قد انتقدوا الرئيس السابق دونالد ترامب لعدة أشهر بسبب الوثائق السرية التي احتفظ بها في مارلاغو.
ماضي بايدن
وفي سياق سرده للأحداث، ذكّر الموقع بقصة ذات صلة بماضي بايدن، وأشار إلى أن أحداث هذه القصة وقعت خلال إدارة الرئيس جيمي كارتر، عندما كان بايدن نجماً صاعداً في مجلس الشيوخ الأميركي وعضواً افتتاحياً في لجنة الاستخبارات، التي تم إنشاؤها رداً على انعدام القانون في إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون.
كما تحدث المقال عن “تواطؤ بايدن وقتها مع الجمهوريين في لجنة الاستخبارات لقتل ترشيح أحد منتقدي وكالة المخابرات المركزية ليكون مديراً للوكالة”. ووفق المقال، فإنّ المرشح تيد سورنسن، اعترف بأخذ وثائق سرية لسيرة صديقه القديم جون كينيدي، وتحدث دفاعاً عن “المخبر” في أوراق البنتاغون دانيال إلسبرغ. حينها، ذهب بايدن إلى حد اقتراح أن سورنسن يجب أن يخضع للمحاكمة بموجب قانون التجسس.
ووفق الإعلام الأميركي، فإنّه على “مدى عقود، انخرط سياسيو النخبة في شكل من أشكال ثني أو كسر القواعد المتعلقة بالوثائق السرية، وفي بعض الحالات لاستخدامات حميدة بشكل معقول ككتابة مذكرات”. لكن في حالات أخرى، كان تسريب الوثائق يستدعي السجن ودفع غرامات ضخمة.
أمثلة مشابهة
وذكّر الموقع بحادثة مستشار الأمن القومي السابق لبيل كلينتون ساندي بيرغر الذي سرق وثائق من الأرشيف الوطني في عام 2003 عن طريق حشوها داخل ملابسه، ثم دمّر بعض المواد السرية، مدعياً أنّه يريد مراجعة الوثائق للتحضير لشهادته أمام لجنة 11/9.
كذلك، أجبر الجنرال ديفيد بترايوس على الاستقالة من منصب مدير وكالة المخابرات المركزية في عام 2012 بعد أن تم الكشف عن أنه تعامل بشكل غير صحيح مع مواد سرية، بما في ذلك أخذ بعضها إلى منزله ومشاركتها مع كاتب سيرته الذاتية الذي كان على علاقة به.
وفي حين كانت هناك حالات تم فيها توجيه تهم جنائية إلى شخصيات مختلفة، تم تغريم بيرغر بـ50.000 ألف دولار من قبل قاض فيدرالي بالإضافة إلى سحب تصريحه الأمني. أما بترايوس، فبقي سنتين تحت المراقبة، ودفع غرامة قدرها 100.000 ألف دولار، لكن من النادر أن تواجه شخصية رفيعة المستوى أي عواقب جنائية ذات مغزى لمثل هذه الأعمال.
لكن الموقع شدّد على أنّه “ليست هذه الحال مع المبلغين عن المخالفات، بما في ذلك “Reality Winner” و”Jeffrey Sterling” و”Terry Albury” و”Daniel Hale” الذين حوكموا بقوة، بموجب قانون التجسس وحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة”.
سلسلة “سياسي الإمبراطورية”.. والصراع حول منصب مدير الـ” CIA”
كما تطرق الموقع لسلسلته الخاصة “سياسي الإمبراطورية”،التي أوضح من خلالها أنّه خلال “نصف قرن من مواقف جو بايدن بشأن الحرب والعسكرة ووكالة المخابرات المركزية، قام السيناتور بايدن بحملة قوية دعماً للرئيس كارتر، على الرغم من إيضاحه لاحقاً أنه لم يكن أبداً من أشد المعجبين بالرئيس الليبرالي الشهير”.
وحتّى عندما رشح كارتر سورنسن مديراً لوكالة المخابرات المركزية، كانت مؤسسة الأمن القومي في واشنطن رافضة، ولم يكن لدى سورنسن أي خبرة في السياسة الخارجية وكان في غير مكانه في عالم العمليات السرية، بحسب الصحيفة.
لكن كارتر كان يريد وقتها شخصاً خارجياً لمنصب وكالة المخابرات المركزية كجزء من تعهده بتقليص سلطة الوكالة وميزانيتها. وجاء ترشيح سورنسن بعد حملة وعد فيها كارتر بشن حرب ضد “السرية المفرطة” للوكالة، وفضح ومعاقبة ضباط وكالة المخابرات المركزية الذين انتهكوا القانون.
وقال كارتر إنّه”يجب ألا نبقي مرة أخرى تطور سياستنا الخارجية سراً عن الكونغرس والشعب الأميركي”، مضيفاً أنّه “لا ينبغي أبداً تضليلهم مرة أخرى”.
فشل كارتر بالنهاية في تحقيق عدد من وعوده، وضمنها ما يتعلق بوكالة المخابرات المركزية، لكنّ إدلاءه بمثل هذه التصريحات تسبب في قلق بالغ داخل الوكالة وبين عدد من المشرعين الجمهوريين.
وبعد ذلك، ظهر الصراع فيما بينهم إلى العلن أثناء عملية تعيين سورنسن من عدمه، وفق ما ورد في الموقع.
بايدن يخرج عن طريقه لنبش حلقة من ماضي سورنسون
من جهته، قال سورنسن إنّ بايدن أكد له أنّه سيساعد في توجيهه خلال العملية. كما يتذكر سورنسن، أنّ بايدن قاده حينها إلى الاعتقاد بأنه يحظى بدعمه، وأخبره أنه “أفضل تعيين قام به كارتر”.
لكن عندما تعرض سورنسن لهجوم من قبل الجمهوريين، غيّر بايدن موقفه، وخرج عن طريقه لنبش حلقةٍ من ماضي سورنسون. حلقةً كان من شأنها أن تكون بمنزلة بطاقة حمراء ضده. وكان سورنسن قد أدلى حينها، بإفادةٍ خطية في قضية إلسبرغ، وأقّر فيها بأن عدداً من المسؤولين في واشنطن، بمن فيهم هو نفسه، سيأخذون وثائق سرية إلى المنزل لمراجعتها. لكن المسؤولين غالباً ما سربوا وثائق أكثر حساسية للصحافة من دون مواجهة ملاحقات قضائية.
كما قال بايدن إنّه علم بالإفادة الخطية، التي لم تقدم أبداً إلى المحكمة، من زميل جمهوري، وقدّر أن الجمهوريين في اللجنة سيسعون لاستخدامها لتشويه سمعة سورنسن.
ووفق المعلومات التي نشرت في الموقع، فإنّ بايدن طلب من موظفيه البحث في الوثائق ووجّه سورنسن للعثور على الإفادة الخطية غير المودعة، وفي النهاية حدد أحد المساعدين الذين شاركوا في قضية أوراق البنتاغون موقعها.
وعدّ سورنسن ما حدث بأنّه “أشبه بصدمه بشاحنة”، واصفاً الحملة ضده بأنها محاولة لتدفق “عدد من الجداول القذرة الصغيرة معاً لصنع جدول كبير”.
لم يكتف بايدن بما فعله، بل عاد واتصل بكارتر بعد تأكيد الوثيقة، قائلاً: “أعتقد أننا في ورطة، أعتقد أن الأمر سيكون صعباً”.
وعندما أصبح من الواضح أن الترشيح محكوم عليه بالفشل، قدّم كارتر عبر بيان عام، دفاعاً غير ملهم عن تعليقات سورنسن على الوثائق السرية، وقال إنه “سيكون من المؤسف للغاية أن يحرم الاعتراف الصريح بالممارسة الشائعة الإدارة والبلد من مواهبه وخدماته”.
جلسة استجواب سورنسن
في جلسة استجواب سورنسن ومحاكمته، كان بايدن حاضراً، وقال: “بصراحة تامة، لست متأكداً ما إذا كان يمكن توجيه الاتهام إلى السيد سورنسن أو إدانته بموجب قوانين التجسس”، متسائلاً “عما إذا كان سورنسن قد استغل عمداً الغموض في القانون أو تجاهل القانون بلا مبالاة”.
وكتب كاتب سيرة بايدن جول ويتكوفر لاحقاً: “نتيجةً لهذه الشكاوى وغيرها ضد سورنسن، والضغط في الكواليس من كارتر، تمت الموافقة على سحب ترشيحه”.
وقال سورنسن في وقت لاحق إن بايدن يجب أن يمنح “جائزة النفاق السياسي في بلد معروف بالنفاق السياسي”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين