آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » ذكرى الطيب تيزيني وجورج طرابيشي وجمال الأتاسي :1 ــ سيارة الدكتور الطيب تيزيني

ذكرى الطيب تيزيني وجورج طرابيشي وجمال الأتاسي :1 ــ سيارة الدكتور الطيب تيزيني

تعرفت على عدد كبير من المثقفين والسياسيين في بلدي سورية، لكن ذكرى رحيل الدكتور الطيب تيزيني قبل أيام تأخذني إلى ثلاث حكايات دفعة واحدة، وهي مجموعة من عشرات الحكايات التي أخفيها في دفاتري عن رجالات العقل والثقافة والدين والسياسة في بلدي..

والدكتور الطيب تيزني فيلسوف جذّاب لا يمكنك إلا أن تحبه حتى لو لم تتفق معه، وأنا أقرأ له باهتمام ولا أتبناه، كان أستاذا في الجامعة، وكانت كتبه من المنشورات المتداولة والإشكالية، حتى بيننا نحن السجناء السياسيين الذين كنا نتابع الحراك الثقافي السوري بنشاط.

زرته مرتين، واحدة في بيته في حمص والثانية في مشروع دمر بدمشق، وهناك تفاصيل كثيرة يمكن أن أحكي عنها، وتحضرني الآن تلك المصادفة التي جمعتني به بجوار فندق الشام بدمشق، وكانت الحرب محتدمة عند تخوم دمشق، وأميركا تهدد بقصف دمشق عشية صفقة الكيماوي. وكان يمشي مع الباحث الصديق علي القيم و جورجيت عطية.

قلت له: سمعت أنك تنوي السفر، أرجوك أن لاتسافر، لم يبق عقل في البلد، وأنت من عقولها.

فرح الدكتور الطيب بلهفتي، لكنه سألني والغصة في فمه: وهل يتركون أحداً يفكر بعقله، اطمئن حتى لو سافرت سأعود!

كان لقاء عفوياً سريعاً، وبعد عدة سنوات وفي عام 2019 رحل هذا العقل، أي أننا افتقدناه فعلاً، والبلاد اليوم تغيرت، وكل الذين تركوها، ممن نعتقد أنهم سيساهمون في صياغة العقل السوري الجديد هاجروا، وعندما سقط النظام السابق زاروا سورية، ثم عادوا إلى حيث كانوا يقيمون، والسوريون الآن فرحون بالسقوط، ويطمحون إلى وطن أجمل، وطن أكثر حرية، وأكثر عقلانية، وأكثر انفتاحاً.

قبل أيام كتبت منار تيزيني Manar Altizini  عن ذكرى والدها، فقالت”كانت سوريا همه الأول، عمل عشرات السنين مع السوريين والسوريات متنقلاً بين المدن والبلدات والقرى والجامعات السورية من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، يلتقي الجميع ويحاور الجميع ويقدم معرفته دون أي تحفظ!

جسّد فلسفته تجسيداً عملياً في حياته اليومية، كان منحازاً دائماً للناس وهموهم وقضاياهم وحقوقهم. آلمته سوريا ولم يكن بخير إذ كان السوريون من حوله ليسوا بخير”.

وكي لا ننسى، فقد شارك الدكتور تيزيني في المظاهرات التي خرجت عام 2011 مؤيدا للثورة على الظلم والاضطهاد ..

في بيته في حمص كانت (منار) موجودة أثناء تصوير الفيلم الوثائقي عن حياته أنا وشريكي الصديق الصحفي ياسر بدوي، ويومها أخبرنا أنه، عندما كان فتى، كان يؤذن في أحد مساجد حمص القريبة من بيته، ولأنني كنت أريد لحوارنا أن يكون قريباً من الناس، سألته : هل تحفظ الأذان؟ فهز رأسه بثقة، وكأنه يقول: طبعاً.

طلبت منه أن يعيده لاستخدامه في الفيلم ، فضحك واعتذر !

أشير إلى ذلك لأقول إن الطيب تيزيني كان من أسرة متدينة، ولم تمنعه أسرته وتردده على المسجد، من أن يكتب عن العقل، ويؤسس لفكر فلسفي أثار العالم العربي في مشروع الرؤيا الشهير الذي تجاوزت مقدمته الألف صفحة.

وسأخبركم مسألة أخرى عن الدكتور الطيب، وهي أنه لم يقبض من منشوراته التي طبعت بآلاف النسخ، مايحسن حالته المادية، أخبرني أنه قبض مائة ألف ليرة سورية فقط من دار نشر مغربية، كان يخرج من جامعة دمشق ويركب الميكرو باص ليعود إلى بيته، فيما يركب طلاب الجامعة من أبناء الأثرياء السلطويين والفاسدين سيارات فارهة كانت تزعق في الشوارع من دون خوف على المارة من الشعب، وصادف أن أخبرني أيضاً أحمد الحاج علي، وكان من مثقفي السلطة، أنه تعرض لحادث في الميكرو، فسألته عن سيارته، فأجابني إنه لا يملك سيارة، وأن الحادث حصل وشج رأسه وهو بين الركاب، وعندها كان رد فعلي جارحا: كل هذا الدفاع عن النظام ولم يحصل على سيارة !

ربطت بين المعلومتين، وكتبت زاويتي الأسبوعية في صحيفة النور عنهما، ويبدو أنها تركت أثرا ما، فاستدعاهما القصر للقاء بشار الأسد الذي سألهما خلال اللقاء،عن عدم امتلاكهما سيارة ، وعرض على كل منهما واحدة.

اعتذر الطيب تيزيني، وتم تخصيص سيارة لأحمد الحاج علي، الذي التقيت به بعد عدة أشهر، وباركت له بالسيارة، أتعرفون ماذا كان جواب أحمد الحاج علي رحمه الله :

ــ أعطوني سيارة فولفو عتيقة تتعطل كل يوم وتحتاج إلى محطة وقود تجري خلفها.

ضحكت وقلت له : كان الدكتور الطيب تيزيني على حق لأنه اعتذر عن قبول العرض!

 

 

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _بوابة الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية العالمية

  فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء، بجائزة “بوكر” الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية “هارت لامب” (مصباح القلب) التي ...