*نبيه البرجي
هذا ما يسعى اليه آموس هوكشتاين: اذا وافقت “اسرائيل” على الانسحاب من مزارع شبعا ومن تلال كفرشوبا، اضافة الى الجزء الشمالي من بلدة الغجر، ما المقابل اللبناني ـ المقابل العملاني ـ لضمان أمنها الاستراتيجي؟ بعدما كان يتساءل لماذا يفترض أن يكون لبنان آخر الدول العربية التي تعقد الصلح مع الدولة العبرية؟
على كل، البعض في لبنان اشتكوا أمامه: هل القضية الفلسطينية قضية لبنانية فقط؟ ولماذا علينا وحدنا السير عكس التيار؟
المبعوث الأميركي خائف على “اسرائيل”، لعله قرأ ما كتبه الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري حول الهاجس التوراتي (الخشية من الآخر) وراء السياسات الهيستيرية لدى القيادات “الاسرائيلية”، والذي بات يهدد وجودها.
بديهي أن يفكر هوكشتاين بترسانة حزب الله. يعلم أن من المستحيل على الدولة اللبنانية، ببنيتها الهشة وبالمنظومة السياسية والطائفية الرثة، أن تستوعب بطريقة أو بأخرى تلك الترسانة.
واذا كان اللوبي اليهودي يرى فيه “كيسنجر المرحلة”، ويعدّه لمنصب وزير الخارجية، فان كيسنجر، حين كان مستشار الأمن القومي في بداية عهد ريتشارد نيكسون، دعا الى مفاوضات باريس بين الأميركيين والفيتناميين، بعدما أخذت الحرب في الهند الصينية ذلك المسار العبثي الذي دعته جين فوندا بـ … هذيان الدم!
واذا كان الأميركيون يتهمون حزب الله بتفجير مقر قيادة “المارينز” في محيط مطار بيروت (1983) ما أدى الى مصرع 240 جندياً، الفيتكونغ قتلوا 58000 ألف أميركي، ودمروا 10000 طائرة (كم قتل الأميركون خلال ثوان في هيروشيما؟). في هذه الحال، أين المشكلة في أن يزور هوكشتاين، كمبعوث للرئيس جو بايدن، الضاحية الجنوبية للقاء قيادات الحزب؟ حتماً، هو يراهن على ذلك…
بحثنا كثيراً في كل ما كتب عن الرجل، وعن تفاصيل حياته، والمهم حول أفكاره، ناهيك عن البعد الكيسنجري في شخصيته أو في ادائه. هوكشتاين يعتقد أن التطورات التي حدثت في العقد المنصرم، قد تكون قلبت بعض المفاهيم والوقائع في الشرق الأوسط.
لم يعد الصلح بين سوريا و”اسرائيل” هو الذي يجر لينان الى ردهة المفاوضات. العكس الآن. سوريا في وضع كارثي، فيما ترسانة حزب الله تهدد ما بناه “الاسرائيليون” بما يشبه المعجزة على مدى 7 عقود.
حسبما تظهر المقالات والأبحاث الأميركية، لم تتوقف وكالة الاستخبارات المركزية يوماً، عن محاولة قراءة ما في رأس السيد حسن نصرالله (هناك شخصيات أميركية شديدة الاعجاب به، لكنها تتحفظ عن اظهار ذلك علناً ). لذلك فهي واثقة من أن صواريخ الحزب لن تستهدف مفاعل ديمونا فقط، دون أن تكون الأولوية لقتل المدنيين. هناك منصات وحقول الغاز في المتوسط. وهناك المؤسسات التكنولوجية الفائقة الأهمية، والتي دفعت بـ “اسرائيل” الى الصفوف الأولى بين البلدان المتقدمة.
هذا هو كعب أخيل في “الميتولوجيا العسكرية الاسرائيلية”. هوكشتاين شخصية متوقدة، ويدرك أن ما من دولة ولدت في الخنادق وبقيت في الخنادق، الا وكانت نهايتها الانكسار على الأرض. هذه حال اسبارطة التي طالما ألهمت موشي دايان وآرييل شارون…
حزب الله، وحيال تجذر الثقافة التوراتية في العقل “الاسرائيلي” (وفي اطاره ازالة أي أثر للفلسطينيين في “أرض الميعاد”)،لا يمكن أن يأمن لمن ينظر الى لبنان كـ “خطأ تاريخي”. هوكشتاين يرى نشر قوات أميركية على جانبي الخط الأزرق، ان لضمان عدم شن “اسرائيل” أي حرب، أو لضمان عدم ترحيل عرب الجليل الى لبنان.
في طرحه، التفكيك المبرمج زمنياً لترسانة الحزب (10 سنوات). من هنا نصيحته الى الادارة بتخفيف الضغط على ايران، باعتبارها الجهة الوحيدة التي يمكن لها التأثير على الحزب، خصوصاً بعد قرارها خفض نسبة تخصيب اليورانيوم. وكان لافتاً غضب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في اليوم الأول لاجتماع محافظي الوكالة لتراجع اهتمام الدول الثلاث المعنية (أميركا، وبريطانيا، وفرنسا) في البرنامج النووي الايراني، قبل أن يتحدث عن تعاون ايراني مع الوكالة.
في رأس هوكشتاين حين ينكسر الجليد (جبل الجليد أم جبل النار؟) بين واشنطن وطهران، يغدو الحديث مع حزب الله ممكناً. لكن السنة الانتخابية في الولايات المتحدة على الأبواب. بعدها لكل حادث حديث…
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)