سعيد محمد
لندن | عاد ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، من زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة، خالي الوفاض تقريباً، بعدما فشل في إقناع الإدارة الأميركية بمنح بلاده ميزات تجارية استثنائية، أو دوراً أساسياً في إدارة أمن الذكاء الاصطناعي، أو حتى دعم مرشّح المملكة المتحدة لمنصب أمين عام «حلف شمال الأطلسي». في المقابل، اتّفق الزعيمان على إعلان متواضع مشترك لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما في مجالات تستهدف استبعاد الصين من سلاسل التوريد الدولية، وأكدا استمرار دعمهما لأوكرانيا «مهما استغرق الأمر»، وتعهّدا بمواصلة حشد المساعدات المالية والعسكرية والاستخباراتية لنظام كييف.
اتّفق رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، على ما عُنون بـ«إعلان الأطلسي» لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدَين، وذلك خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الأوّل إلى واشنطن (الأربعاء والخميس). ويهدف الإعلان إلى تعزيز التجارة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مجالات من مثل الدفاع والمعادن الهامّة المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية والمواد النووية. وعلى رغم العبارات الديبلوماسية المنمّقة التي تبادلها الزعيمان في مؤتمرهما الصحافي المشترك، كقول بايدن إنه «لا توجد دولة أقرب إلينا من المملكة المتحدة»، وحديث سوناك عن «التحالف الذي لا غنى عنه»، فإن ما حصل عليه الزعيم البريطاني كان أقلّ بكثير من حجم طموحه إلى استعادة مكانة استراتيجية فقدتها بلاده تدريجياً منذ تخلّيها عن عضوية الاتحاد الأوروبي (2020)، وسلسلة من التقلّبات السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها بلاده، وتسبّبت بتراجع سمعتها ومكانتها العالمية.
ad
وكان صقور «حزب المحافظين» الحاكم، والذين دفعوا في اتّجاه الخروج من التكتّل الأوروبي الأهمّ في الغرب بعد الولايات المتحدة، يأملون في أن يتمكّن سوناك من التوصّل إلى اتفاق تجارة حرة كامل بين واشنطن ولندن، لكن هذه الآمال تحطّمت تماماً الآن. وفي الحقيقة، فإن «إعلان الأطلسي» بدا موجَّهاً ضدّ الصين تحديداً، ضمن سعي الولايات المتحدة إلى استبعاد بكين من سلاسل التوريد الرئيسة للعناصر الاستراتيجية، ومجرّد جزء آخر من محاولة إدارة بايدن بناء منظومة «أمن اقتصادي» تَجمع الحلفاء الغربيين في مواجهتهم الحالية مع روسيا والصين. وأكّد مسؤولون بريطانيون هذا التقييم بقولهم إن الإعلان كان محاولة عقلانية وغير عاطفية للتشبيك بين جانبَي الأطلسي على أساس مفهوم الأمن الاقتصادي للغرب، ويبدو بمثابة اعتراف من سوناك بأن عليه التخلّي عن سياسات حزبه النيوليبرالية المعادية لتدخّل الدولة في السوق الحرّة، واللجوء إلى منهجية بايدن في توفير دعم حكومي للصناعات الاستراتيجية ومنحها إعفاءات ضريبية إنْ كان لها أن تستمرّ في المنافسة العالمية.
ad
وتعمل الولايات المتحدة، منذ نشوب النزاع مع روسيا على الأرض الأوكرانية العام الماضي، على إعادة رسم شبكة سلاسل التوريد الدولية لتجنّب الاعتماد المفرط على الصين، وذلك عبر ترتيبات خاصة يتمّ التفاوض عليها مع الدول الحليفة مثل اليابان وأستراليا والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية. وبناءً على الإعلان الذي أصدره الزعيمان، فسيتأهّل المصنّعون البريطانيون للسيارات الكهربائية التي تَستخدم بطاريات بريطانية الصنع – أو منتجات مصدرها دول مثل اليابان التي أبرمت معها الولايات المتحدة اتفاقيات بهذا الشأن -، للحصول على إعفاءات ضريبية قدرها 3750 دولاراً لكلّ سيارة في إطار قانون بايدن لخفض التضخّم، وهو التشريع الرئيس الذي يدعم صناعات التكنولوجيا الخضراء الأميركية، ويثير قلق الدول الصناعية من فقدان السوق الأميركي. والتزم الرئيس الأميركي بأن يطالب الكونغرس بالموافقة على اعتبار المملكة المتحدة «مورّداً محلّياً» لأغراض المشتريات الدفاعية الأميركية، الأمر الذي إن حصل فسيسمح بتعاون أوسع بين شركات البلدَين في مجال التكنولوجيا العسكرية الجديدة. وتضمّن الإعلان، كذلك، إجراءات لتسهيل التجارة البَينية، والحدّ من الروتين لمصلحة الشركات الصغيرة والمتوسّطة، وتبنّي مبدأ الاعتراف المتبادل بمؤهّلات المهندسين – وفي مرحلة تالية المحاسبين -، مع أن هذا سيحتاج إلى موافقة كلّ ولاية على حدة في الولايات المتحدة.
ad
لم يحصل سوناك على أيّ ردّ إيجابي بشأن حملته لتنصيب وزير دفاعه أميناً عاماً لحلف «الناتو»
وفي علامة أخرى على تراجع مكانة بريطانيا، فشل سوناك في الحصول على دعم صريح من مضيفيه بشأن دور أكبر لبلده في مجال إدارة الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي. وكان رئيس الوزراء البريطاني يدفع في اتّجاه إشراك لندن في ترتيبات يَجري العمل عليها بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لوضع قواعد لإدارة التطوّرات المتسارعة في هذا المجال، و«منع تحوّل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى أدوات في يد الآخرين لإلحاق الضرر بالديموقراطيات الغربية». وعرض سوناك أن تستضيف بريطانيا أوّل قمة عالمية حول تنظيم هذه التكنولوجيا في الخريف المقبل، وأكد جاهزية بلاده للعب دور مركز القيادة في تطوير قواعد جديدة للتخفيف من المخاطر التي قد تشكّلها. ورحّب بايدن – الذي اعتذر عن وصف سوناك عن طريق الخطأ بـ«سيادة الرئيس» بدلاً من «حضرة رئيس الوزراء» – بعزم لندن على تنظيم القمّة العالمية المقترَحة بقوله: «نحن نتطلّع إلى بريطانيا العظمى للمساعدة في بذل هذا الجهد لإيجاد طرق من خلال القمّة لبناء تعاون كامل»، لكن كلّ ما التزم به الأميركيون واقعاً هو تسهيل شكلي الطابع حول تبادل الأبحاث بين البلدَين في الحوسبة الكمومية وتقنيات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، وهي مساحات غالباً ما تكون فيها التّطورات أسرع من أيّ جهود لتقنينها في إطار بروتوكولات رسمية بين الدول.
ad
كذلك، لم يحصل سوناك على أيّ ردّ إيجابي من الجانب الأميركي بشأن حملته لتنصيب وزير دفاعه، بين والاس، كأمين عام لحلف «الناتو»، بدلاً من ينس ستولتنبرغ، الذي سيترك منصبه في أيلول المقبل. وتجاهل بايدن تماماً في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء البريطاني في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض، سؤالاً لأحد المراسلين عمّا إذا كان الوقت قد حان لشخصية بريطانية لتولّي المنصب الرفيع، إذ قال: «سنرى»، فيما اكتفى سوناك بابتسامة عريضة مصطنعة. ويعتقد مراقبون أن واشنطن تميل إلى دعم ترشيح ميتي فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، وهي كانت في ضيافة بايدن لهذا الخصوص، بينما كان سوناك يستقلّ الطائرة نحو واشنطن (الثلاثاء). وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي صاحبة الكلمة الأخيرة في كلّ ما يتعلّق بشؤون «الناتو»، فإن فرص ولاس تبدو في حُكم المنتهية.
أمّا الملفّ الوحيد الذي بدا فيه الرجلان متوافقَين تماماً، فكان دعمهما لأوكرانيا. إذ تعهّد الزعيمان بمواصلة حشد المساعدات المالية والعسكرية والاستخباراتية لنظام كييف؛ وقال سوناك: «لا جدوى من محاولة انتظارنا»، مخاطباً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي اتّهمه بتبني افتراض مغلوط بأن الغرب سيتعب من تقديم الدعم، بـ«أنّنا سنكون هنا طالما استدعت الحاجة»، فيما أعرب بايدن عن اعتقاده بأنه «سيكون لدينا التمويل اللازم لدعم أوكرانيا مهما استغرق الأمر». كذلك، التقى سوناك غرفتَي النواب والشيوخ في الكونغرس، ودعاهما إلى دعم أوكرانيا لمنع روسيا من التمدّد من دون رادع، في وقت يخشى فيه أنصار الحرب على جانبَي الأطلسي من أن عدم التجديد لبايدن في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، قد يعني توقّف الدعم الأميركي لأوكرانيا على يد رئيس جمهوري. وفي هذا الإطار، أعرب سوناك، في مقابلة تلفزيونية لاحقاً، عن ثقته في أن أيّ إدارة ستكون في البيت الأبيض العام المقبل ستستمرّ في محض نظام كييف مطلق الدعم.
ad
بالنتيجة، غادر سوناك واشنطن بعد تبادل دافئ للكلمات والهدايا والمزاح مع الرئيس الأميركي، لكنه عاد خالي الوفاض تقريباً، فيما لا يبدو حتى أن علاقته الشخصية ببايدن وصلت إلى مستوى العلاقة التي تمتّع بها توني بلير مع الرئيس بيل كلينتون ثمّ مع الرئيس جورج د بليو بوش.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية