لم يكن ذلك الصحفي الذي يكتب لنقرأ وانما لنشعر بالوجع والفرح .. ولنرتقي بالقلم والحدث.
محمد لم يكتب الا ليكون صحفيا حرا من اللغة والحدود والبديهيات ، كان قلمه الاسود ينثر على بياض الورق فكرا وخبرا وتحقيقا بأسئلة العارف واجوبة المشكك..
كان ذلك الانسان الذي يبحث عن البعد الثالث في كل زوايا الحياة ، ليرى الصحافة من منظور خاص جدا غير تقليدي فيفتح فيرجار إبداعه اللغوي ويحتضن الكلمات بصور مؤلمة واخرى هزلية تجعل من عمله صورة لروحه المبدعة بطبعة خاصة ترتقي ليضع اسمه عليها..
محمد حسين جعل الحب بوصلته فكانت توصله دائما الى بر الصدق والحقيقة، لم يهرب يوما من مواجهة واقعه الصحفي الصعب ولكنه كان يضعه ضمن مسيرة مغامراته الشيقة التي لم تعرف حدود النص ولتنطلق به الى رحاب التحدي ليخرج بأجمل ما يمكن من دون رتوش.
من يفتح ورق مطبوعات جريدة الثورة خلال مسيرته فيها بداية من الملحق الثقافي الى المحليات وغيرها يعلم من العنوان ان المكتوب لمحمد.. فلا يبدأ ولا ينتهي الا ببصمة حروف وكلمات تنزع ملل التكرار.
كان لدمشق وصخرة الامنيات في حاراتها القديمة وقع خاص على روحه وهي التي بدأ بها طالبا وعسكريا وزوجا وابا فبقيت تحفر في وجدانه ذكريات نادي الصحفيين وجلسات الزملاء والكتاب وليالي السهر الجميل والعشق المجنون وكتابه الشعري الاول ( يا ابت اني رأيت ) ، فكانت كلماته في السراء والضراء تحمل جعبة كبيرة عن احلامه الكبيرة واضواء دمشق الساهرة ومغامراته الجميلة.
ليعود ابن قرية الشيخ سعد الى طرطوس باسطا يديه الحرة للبحر وليقول له دائما “احب بلل موجك لانك مطهري”.
محمد المجنون العاشق كما كان يحب ان ينادى غاص في مياه طرطوس المالحة وتحمل صعوبة انوائها فكان قلمها الحر وذاك الصحفي الذي لا يكل ولا يمل وهو يقول دائما ” يجب ان نغوص في المحليات انها اساس الاعلام” ، فكان له وقعه الخاص على القارئ باعتباره ان حدوده السماء وقلمه يمشي على الارض..
من كان قريبا من محمد كان يعلم ان الثقافة واللغة هي من جاءت به الى الصحافة وان قلبه وعقله كان بين الكتب ومفاتن الإبداع، ولانه محمد اراد من المسرحي رضوان جاموس ان يحييوا المسرح في طرطوس كتب مسرحية ( سوريالي) ليقدم الانثى من خلال ازماتها بأشكالها العديدة.
محمد القارئ النهم للكتاب حمل في مكتبته مئات الكتب العالمية والعربية والسورية ولكنه عندما اراد ان يكتب انطلق من صفر محمد حسين ومن صفر فضاء لم يشبه به احدا فأراد ان يقدم ثلاثيته للحيطان آذان وذاكرة بعناوينها الثلاث الوحل والعتق والغبار .. ولكن الفقدان جعلنا نفقد رواية الغبار التي لم ترى الضوء بغيابه عن عيون محمد وفقدانه الكبير ولتبقى غبارا في ذاكرتنا تذكرنا بأن هناك غبارا يحمل ذكريات موجعة لا يمحى ولعبقه حياة اخرى.
انه باع طويل يا محمد وانت الاب لطبيبين وزوج محب لزميلة في جريدة تشرين السيدة وداد محفوض .. انت رمز للنجاح بحب وشغف لكل ما حولك .. رافضا المسلمات وعنيدا صلبا امام عائلتك والاحباب..
كان لمجلس محمد رونق خاص في الجريدة فهو من سيخوض بحديثه غمار السياسة والتاريخ والدين والفن والاقتصاد، وهو من يريد ان يلقن المصفق بأن التصفيق حرام وان العمل والتجارب هي المحراب.
طرق بابه الالم فجأة وتعامل مع مرض السرطان منذ ٣ سنوات بحكمة وكفاح ، فتشاجر مع الاوجاع وانتصر حينا وانتصرت هي احيانا اخرى، ولكن بقي حسيني الهوى ومحمده يمشي الحياة وكأنه يعشقها ففي كل خطوة وعمل جراحي كان يعلم انه سينجو وان عليه ان يعود لمن ينتظره.
لم يشك او يخاف موتا ولكنه كان يعدو دوما الى حيث توقف ليكمل ما يريد..
لن نرثي محمد ولن نجعل من الموت ملازما لذكراه لانه باق ما بقيت تلك اللحظات الجميلة والحزينة في قلوبنا وهي التي كانت تجمعنا به بين جدران الجريدة لننتظر مشاكساته وانتقاداته اللاذعة ، وركوة قوته الساخنة ووروده العبقة مع كل صباح ..
غبت يا محمد ولكن زرعت في كل واحد منا ذكرى جميلة مثلك تحمل رائحة البخور التي أحببت وانت صاحب القلب الكبير الذي اتسع للجميع.
شذرات من ابداعه
هل كان السبت أم الأحد ؟
هل كانت ثلاث ساعات أم أكثر!
هي خمس دقائق أو عشر لا فرق،
.. ترى هل أدركني الصبح وأنا بين ذراعيك ألهج بالسر مستعيدا موسيقا العتق في عينيك!
مفاتيح سوداء أم بيضاء تلك التي كانت تصدح في الفضاء المبلل بالرعشة المؤجلة!
ترى هل أدركني الصبح؟..
أم أنت من أخرجه من عبّ الوقت فسال قهوة من رحيق الروح،
طوبى للغيمة التي حملتني !
■■■
تصفعين قفا روحي فأرتعش كطفل في جرن عمادتك ثم أتوسد خيش أفكارك وأتوسل نجمة في قحف عقلك تخبو ثم تومض لأولد خيط ضوئها كحلم عصي ليلكي وأسكن خرم إبرتك وأنت ترتقين قميص أحلامي
■■■
آه أرواحنا التي توهجت مع بخور الصباح
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة