وائل العدس
«الكاسيت»، كم تعيدنا هذه الكلمة لسنوات بعيدة مدفونة في غياهب الذاكرة، فكم سهرنا وكم عشقنا وكم كبرنا، إلى جوار آلة التسجيل التي تعزف لنا ما بداخل أشرطتنا المفضلة.
هي علاقة حميمة، جمعت بين جيل الثمانينيات والتسعينيات مع أشرطة الكاسيت، فكان لشراء الكاسيت طقوسه الخاصة، وكان الذهاب إلى السوق وتبضع الكاسيتات الجديدة لذةً من نوعٍ آخر.
يوم الخميس الماضي توفي المخترع الهولندي، لو أوتنز، الذي قام بتسجيل أول شريط صوتي في العالم، خلال ستينيات القرن الماضي، وأحدث ثورة تكنولوجية حينها في المحتوى السمعي.
ولد أوتنز عام 1926 في مدينة بيلينغفولده الهولندية، وأظهر اهتماماً بالتكنولوجيا في سن مبكرة خلال فترة احتلال ألمانيا النازية لهولندا في الحرب العالمية الثانية.
وانضم أوتنز إلى «فيليبس» بعد دراسة الهندسة في الجامعة حيث طور هو وفريقه أول مسجل شرائط محمول في العالم، وفقاً للشركة العملاقة. لكن انزعاجه من نظام البكرة الضخم الذي يحتاج إلى لف يدوي دفعه إلى اختراع شريط الكاسيت في عام 1962.
ونقلت صحيفة «إن آر سي» عن أوتنز قوله في إحدى المقابلات: «اخترعنا شريط الكاسيت بدافع الانزعاج من مسجل الأشرطة الموجود حينها، الأمر بهذه البساطة».
مئة مليار
بحسب صحيفة «ديلي ميل»، فإنه توفي عن 94 عاماً في بيته بمنطقة دوزيل نهاية الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن مساهمة المخترع الراحل لم تقف عند اختراع الكاسيت، فهو ساهم أيضاً في تطوير القرص المدمج أو ما يعرف بالـ«CD»، خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وصُنع أكثر من مئة مليار شريط كاسيت في كل أنحاء العالم في العصر الذهبي لهذا المنتج من ستينيات القرن الماضي إلى الثمانينيات، حتى إنها لقيت رواجاً متجدداً في السنوات الأخيرة لدى محبي المنتجات القديمة.
وعلى مدى حياته شهد أوتنز دراما النجاح الساحق والمدوي لاختراعه الذي هيمن على السوق لـ50 عاماً بالكامل، وبيع منه أكثر من 100 مليار وحدة.
وفي حياته أيضاً شهد الاختفاء الحزين لاختراعه قبل نحو عقدين لمصلحة الأسطوانات المدمجة التي اختفت بدورها في عصر «الآي باد».
وكان على دراية بأن ثورة رقمية ستحصل في مجال الفرجة السمعية، وتوقع في ثمانينيات القرن الماضي أن تتراجع آلات التسجيل التقليدية كما كانت تمتعنا بالموسيقا في زمن مضى.
نقلة كبيرة
في عمر 34 عاماً وفي معمله التابع لقسم تطوير المنتجات في شركة «فيليبس»، انتهى أوتنز من اختراع ثوري في عالم التطور السمعي.
أدى اختراع الشريط السمعي «الكاسيت»، سنة 1963، إلى إحداث نقلة كبيرة في طريقة استماع الناس إلى الموسيقا والكتب المسجلة، إذ أتاحت لأول مرة حمل التسجيلات بسهولة وسمحت لجيل من عشاق الموسيقا بإنجاز شرائط يمزجون فيها أغنياتهم المفضلة.
وبفضل هذا الشريط السمعي، استطاع الناس لأول مرة أن يستمعوا إلى الموسيقا وهم يتحركون، وغير مضطرين إلى ملازمة أماكنهم.
وكان أوتنز يعمل في قسم تطوير المنتجات بشركة «فيليبس»، في سنة 1960، فانهمك في تطوير الشريط إلى جانب زملائه.
وفي الثلاثين من آب 1963، قام أوتنز، وكان عمره آنذاك 37 سنة، بعرض شريط التسجيل في معرض برلين لإلكترونيات الإذاعة.
وبما أن وسائل الفرجة السمعية، في تلك الفترة، لم تكن متاحة على نطاق واسع، فقد بادرت عدة شركات يابانية إلى إنتاج نسخ مماثلة من «الكاسيت» بعد أن نال إعجاب الجميع.
وقلب شريط «الكاسيت» صناعة الصوتيات رأساً على عقب وكان سبباً في كلمة النهاية لجهاز «الماغنيتوفون» الذي كان يعمل بتقنية الشرائط الممغنطة.
وفي ظل هذا النجاح، قام أوتنز بالتوصل إلى اتفاق مع شركتي «فيلبس» و«سوني» لأجل تأمين حقوقه على مستوى الملكية الفكرية.
ما الكاسيت؟
«الكاسيت» تعني علبة أو صندوقاً وهي فرنسية الأصل، تستعمل اختصاراً للكاسيت الموسيقي الذي يُسمع عن طريق وضعه في جهاز تسجيل فتصدر من جهاز التسجيل الموسيقا والأغاني المسجلة على الشريط.
كما يمكن تسجيل الأصوات والموسيقا على «الكاسيت» الموسيقي بطريقتين، إما باستعمال ميكروفون يوصل بجهاز التسجيل، وبهذه الطريقة يمكن تسجيل أصواتنا وأصوات الموجودين معنا.
أما الطريقة الثانية باستخدام كابل يوصل بين جهاز التسجيل والراديو، وبذلك يمكن تسجيل برامج من الإذاعة مباشرة أو أغان نحبها.
عصر الإنترنت
الآن، بكبسة زر وأمام شاشة صغيرة محمولة، أصبح بإمكان أي شخص الاستماع إلى أغانيه المفضلة ومتابعة مطربه المفضل من دون تكبد أي عناء أو دفع أجور نقدية.
تلاشت الذكريات واللهفة لانتظار نزول «الكاسيت» الخاص بمطربنا المفضل إلى الأسواق، وأصبح كل شيء متاحاً بسهولة، حتى فقدت الأشياء قيمتها ونسي العالم «الكاسيت».
سيرياهوم نيوز 6 – الوطن