كتب:د.المختار
قبلَ الدخولِ بأيّ تعقيبٍ على ما قالَه الصديقُ الدكتورُ #مهدي_دخل الله والذي يجبُ التوقفُ عند عناوينَ مهمةٍ طرحَها، وجميعكُم بات يعرفُها.
بودّي طرحُ أسئلةٍ عدّة على الدكتور دخل الله.
السؤالُ الأولُ: – أنت بحكمِ موقعِك في قيادةِ الحزبِ تذهبُ بجولاتٍ إلى المحافظاتِ السوريةِ ويُجمعُ لك في المحافظةِ التي تزورُها نخبةُ الرفاقِ البعثيين وأمناءُ الشعبِ وأمناءُ الفرقِ وأعضاءُ قياداتِها ويبلغُ العددُ حوالي ألف مدعوٍّ لتضعَهم بصورةِ آخرِ المستجداتِ فهل تستطيعُ أن تقولَ لهم ما قلتَه في المقالِ…؟
إن كانَت الإجابةُ بنعم فهذا يعني الخروجَ عن استراتيجيةِ الحزبِ، لأنَّ ما قلتَه لم يرد ولم يطرح ولم يعمّم في أدبياتِ الحزبِ أبداً.
وإن كانَت الإجابةُ بلا فهذا يعني أنّك تجاوزَت بما قلت.
وإن كانَت الإجابةُ بأنّك قلتَه تطبيقاً لمبدأِ النقدِ والنقدِ الذاتي، فهذا وفقَ نظامِ الحزبِ الداخلي يُطرحُ للنقاشِ في الاجتماعاتِ الحزبيةِ المغلقةِ وليس على وسائلِ الإعلامِ، ويمكنُ تعميمُه بعد الاتفاقِ عليه وإقرارِه، ولا علمَ لنا أنّه تمَّ تعميمُ شيءٍ من هذا.
السؤالُ الثاني: – كيفَ لم تنجح أفكارُ البعثِ سوى بإثارةِ النخبِ المثقفةِ. أليس البعثُ هو حزبُ العمالِ والفلاحين والكادحين وهو من حقّقَ تطلعاتِهم، فهل هو حزبُ النخبِ المثقفةِ فقط أم حزبُ الجماهيرِ…؟
إذا نفينا عنه صفة الجماهيرية فماذا أبقينا…؟
السؤالُ الثالثُ: – أنت بحكمِ الموقعِ أتيحَ لك أن تنشرَ في صحيفةِ البعثِ الناطقةِ باسمِ الحزبِ، وأن تنشرَ في العمودِ الأهمِّ “رأي البعث”. أي إنَّ ما كتبتَه لم يُفهم على أنّه رأيُكَ الشخصي فالمختصون يعتبرون أنّ ما يُنشرُ في هذا العمودِ يعبّرُ عن رأي الدولةِ أو رأي حزبِ البعثِ، والصحافةُ العالميةُ تقرأُه بأقوالِ الصحفِ على أنّه الرأيُ الرسمي للدولةِ، فهل ما كتبتَه هو رأيُ قيادةِ الحزبِ أم رأيُك…؟
أم أنَّ رئيسَ التحريرِ نشرَ المادةَ على الثقةِ وبحكمِ موقعِك دونَ أن يقرأَها…؟
التعقيبُ على ما جاءَ في المقالِ.
البعثُ على الصعيدِ الداخلي بنى دولةَ المؤسساتِ التي صمدَت طيلةَ سنواتِ الحربِ على سوريةَ، وحقّقَ إنجازاتٍ هائلةً غيرَ خافيةٍ على أحد.
أما عندما نتحدثُ عن إيديولوجيةِ البعثِ على الصعيدِ العربي فالنظريةُ شيءٌ والتطبيقُ شيءٌ أخرُ مرتبطٌ بالظروفِ الإقليميةِ، فعندما نحكمُ على تجربةٍ بأنّها فشلَت يجبُ أن نقارنَها بتجاربَ أحزابٍ أخرى عاشَت في البيئةِ نفسِها وتعرّضَت للظروفِ نفسِها ونجحَت فيما لم تنجح تجربتُنا.
ففي الوقتِ الذي كانت الوهابيةُ والإخوانُ تعبرُ الحدودَ وتجتاحُ المنطقةَ بكلّ أريحيةٍ كانَت بعضُ الدولِ العربيةِ تعتبرُ البعثَ تهمةً تلاحقُ المنتسبين إليه.
لا أحد ضدّ إجراءِ مراجعةٍ نقديةٍ لمسيرةِ الحزبِ وإجراءِ نقدٍ للإيديولوجيا القوميةِ لكن بقصد تخليصِها من سلبياتِها، لا بقصدِ الإجهازِ عليها.
صحيحٌ أنَّ الإيديولوجيا القوميةَ لم تنجز مشروعَها لكنّها لم تفشل، وعدمُ إنجازِها لا يعني خطأَها، وليس لأنّها لم تكن ملائمةً بل لأنّها شكّلَت خطراً على أعدائِها في الغربِ وفي المنطقةِ الذين رأوا فيها خطراً على “الكيانِ” وعلى مشاريعِهم القطريةِ الضيقة.
ومن الصعبِ على جماهيرِ البعثِ أن تقبلَ مهاجمةَ إيديولوجيةِ الحزبِ من بعثيٍّ قديمٍ وعضوِ قيادةٍ فيه، هجوماً خلطَ فيه بين السياسةِ والإيديولوجيا.
إنَّ المدَّ القوميَّ العربيَّ بدأ في عشرينياتِ القرنِ الماضي وبلغَ أقصى مداه في الأربعينياتِ منه، وهي الفترةُ التي بزغَ فيها فجرُ البعثِ، و بالفترةِ نفسِها قامَت بريطانيا الاستعماريةُ بابتكارِ مشروعين مهمين من أجلِ محاربةِ وإجهاضِ هذا المدِّ القومي العربي:
المشروعُ الأولُ: أُسّست حركةَ الإخوانِ بقيادةِ الشيخِ حسن البنا 1928م، لتقفَ بوجهِ أيّ مشروعٍ قومي عربي ومحاربةِ أيّ فكرٍ قومي، وللأسفِ نجحَت في ذلك إلى حدِّ بعيدٍ لأنَّ قوى عظمى وقفَت خلفَها، ووقفَت عائقاً بوجهِ القوميةِ العربية .
المشروعُ الثاني: كانَت الجماهيرُ العربيةُ تطالبُ بحماسةٍ شديدةٍ بالدولةِ العربيةِ الواحدةِ بمعناها السياسي، وحتى تستوعبَ بريطانيا ذلك المدَّ القومي وتفرّغَه من مضمونِه الذي يطالبُ بوحدةٍ عربيةٍ وإقامةِ جامعةٍ عربيةٍ بحكومةٍ عربيةٍ واحدةٍ لامركزيةٍ وكانت سوريةُ أحدَ المطالبين بها، فقامَت بريطانيا بوضعِ ميثاقِ جامعةِ الدولِ العربيةِ بشكلِه الحالي المستمرِّ حتى اليوم وأعطَته للنحاسِ باشا رئيسِ وزراءِ مصرَ ليفرضَه بدلاً من بروتوكولِ الإسكندريةِ الذي وضعَته سوريةُ ودولٌ عربيةٌ عدّة والذي طالبَ بوحدةٍ عربيةٍ، وكان ذلك وتمَّ اعتمادُ الميثاقِ الذي أصبحَ عقبةً أمامَ أيّ مشروعٍ وحدوي عربي حتى اليوم. وفي عام 1979م بعد كامب ديفيد طرحت سورية مشروع تطوير وتحديث ميثاق جامعة الدول العربية وتم العمل على تطويره عشر سنوات حتى عام 1989م وأحبطت المحاولة بمساعي من قطر.
هذان المشروعان أجهضَا أيَّ إيديولوجيةٍ قوميةٍ.
صحيحٌ إنَّ السنواتِ الماضيةَ لم تكرّس فاعليةَ العروبةِ لكنَّ الأسبابَ معروفةٌ للجميعِ بأنَّ الغربَ وربيبتَه “إ.سر.ائيل”جعلا من المحرماتِ تحقيقَ ذلك وتمَّ مهاجمةُ العروبةِ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، لكن من الخطأِ الكبيرِ أن نستغلَّ هذه الوقائعَ لتخطئةِ الثوابت، بل على العكس يجب أن نحرِّم المسّ بالثوابت.
فالوحدةُ العربيةُ السياسيةُ التي هي إحدى مرتكزاتِ إيديولوجيةِ البعثِ وقفَت بوجهِها الدولُ الغربيةُ العظمى، وهي قضيةٌ قديمةٌ يجبُ أن تأخذَها بالحسبانِ عندما تحكمُ على نجاحِ الإيديولوجيةِ أو فشلِها.
سوريةُ بهذه الفسيفساءِ المتنوعةِ تحتاجُ إلى وعاءٍ ينظّمُ الجهودَ وينهضُ بالجميعِ، والمؤهلُ الوحيدُ هو البعثُ والأحزابُ العلمانيةُ المتحالفةُ معه، والعلمانيةُ غيرُ المتحالفةِ، وهو البديلُ عن حكمِ الإخوانِ، والواقعُ يشيرُ إلى ذلك دونَ خجل.
وإلا على من نعوّلُ في محاربةِ الفكرِ المتطرفِ الذي تغلغلَ في سوريةَ خلال سنواتِ الحرب…؟
فعندما نتحدثُ عن نظريةِ البعثِ يمكنُنا القولُ إنّها مازالت صحيحةً وفاعلةً ومستمرةً وإذا لم تنجح بمجالٍ ما فالمشكلةُ في التطبيقِ، وفي المطبّقين، وبمدى إيمانِهم بالنظريةِ، واللومُ يقعُ عليهم لا على النظريةِ.
طالما أنّك رأيتَ أنَّ الفنَّ وحّدَ الأمةَ العربيةَ، مع أنَّ للفنِّ رسالةً نبيلةً تعبّرُ عن رقي المجتمعاتِ وتعملُ على نشرِ الوعي، وهذا هو الفنُّ الراقي وليس ما أشرتَ إليه بمثالِك، ومع ذلك هل تقترحُ أن تقومَ الأحزابُ السياسيةُ بتحويلِ مقراتِها إلى شركاتِ إنتاجِ دراما ومكاتبَ لتعليمِ الفنِّ في سبيلِ تحقيقِ الوحدةِ العربيةِ.
مفهومُ الوحدةِ العربيةِ بمحتواها الثقافي طرحَها البعثُ في أدبياتِه كمقومٍ من مقوماتِ الوحدةِ العربيةِ الشاملةِ وارتكزَ في ذلك على أنَّها موجودةٌ تلقائياً منذ مئاتِ السنين كوحدةِ الثقافةِ، ووحدةِ اللغةِ، ووحدةِ التاريخِ، وهنا تأتي وحدةُ الفنِّ الذي طرحَه الدكتور دخل الله كرافدٍ صغيرٍ يصبُّ في نهرِ الثقافةِ العربيةِ الموجودةِ في الأساس.
بخصوصِ العلاقةِ مع البعثِ في العراقِ بعد سقوطِ بغدادَ 2003م، تقاطرَت الوفودُ العراقيةُ للقاءِ الرئيسِ بشار الأسد وكانَ شعارُ الحاكمِ العرفي الأمريكي “بريمر” في حينها اجتثاثُ البعثِ قد أخذَ أوسعَ مدى، وكانت تلك الوفودُ تطالبُ الرئيسَ الأسدَ بالمساهمةِ باجتثاثِ البعثِ على خلفيةِ أنَّ سوريةَ كانت على خلافٍ معه، لكنّ إجابةَ الرئيسِ الأسد فاجأتَ الجميعَ وأتَت عكسَ ما يتوقعون أو يريدون بأن قالَ: إنَّ البعثَ هو الوحيدُ القادرُ أن يحافظَ على وحدةِ العراق.
هذا يعني أنَّ خلافَ سوريةَ كان مع قيادةِ البعثِ في العراقِ وليس مع البعثِ، والجميعُ يعرفُ حماسَ سوريةَ بقيادةِ القائدِ الخالدِ حافظ الأسد لمشروعِ الوحدةِ بين سوريةَ والعراقِ 1978م، وماذا حلَّ بمؤيدي هذه الوحدةِ من قيادةِ البعثِ في العراقِ، ومن أجهضَها ولصالحِ من أُجهضَت، ومع ذلك هذا لا يطالُ إيديولوجيةَ البعثِ، بل يطالُ من كان قائماً على تنفيذِها.
أما بالنسبةِ لمرحلةِ عبدِ الناصر فهي جزءٌ مهمٌّ من تاريخِ النضالِ العربي تحتاجُ إلى مجلداتٍ لإنصافِها، تمَّ تناولُها بسطحيةٍ، تغافلَت عن التكالبِ الغربي على المنطقةِ في حينِها، وتغافلَت عن الدورِ القومي المهمِّ الذي أدّاه عبد الناصر عربياً، وتغافَلت عن المؤامرةِ عليه من الدائرةِ المحيطةِ به، ومن قوى الإقليمِ، ومن الدولِ الغربية.
لو كتبَ اللهُ أن يلتقيَ القائدُ الخالدُ حافظ الأسد والقائدُ جمال عبد الناصر في قيادة هذين البلدين لتغيّرَ وجهُ التاريخ.
(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)