آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » رسالة إلى حكمت الهجري….

رسالة إلى حكمت الهجري….

 

بقلم:باسل الخطيب

ذات يوم كتبت أن معضلة الشرق الأكبر أن لديه فائضاً هائلاً من المقدس…
نعم، هذا الشرق يعاني من سطوة المقدس على حياته، سواء كان ذاك المقدس أشخاصاً أو أماكناً أو أحداثاً أو أحاديثاً….

ليس (المقدس) بالنسبة لي شيئاً مطلقاً، لطالما جعلت العقل حكماً في كل ما صادفته أو واجهته أو قرأته، و لا أقصد العقل الغرائزي المكبل أساساً بأغلال الهاجس الوجودي، إنما أقصد العقل الإشراقي الذي يستمد قوته من نور ليس له حدود و ليس له أزل، سطوة (المقدس) في الشرق كبلت العقل، أخافت العقل، منعته عن التفكير خارج حدود النص أياً كان النص، و هذا ما جعل العقل في مشرقنا يذهب باتجاه الترميز و التلميح، للتعبير عن إشراقاته لانه سوى ذلك كان سينهار على نفسه و يضمحل كنجم نيتروني عملاق خامد…

قلت أعلاه أن ( المقدس) ليس شيئاً مطلقاً بالنسبة لي غير قابل للنقاش، لا تأتي القدسية عندي من الهيئات و الأشكال أو الأقوال، إنما تأتي من الأفعال، و المقام أو الموقع المقدس بالنسبة لفئة ما – أياً كان ذاك المقام أو الموقع – هو مقام و موقع محترم إلى أبعد الاحترام بالنسبة لي، و لا يجوز قولاً واحداً المس به أو الاقتراب منه احتراماً للرأي الآخر، و لكن كلامي ينطبق على الموقع و المكان دوماً، و لا ينطبق على شاغليه دوماً، فاحترام شاغل المكان المقدس أساساً عائد إلى المكان ذاته، و لكن يصبح أكبر إذا طابقت أقوال و أفعال هذا الشخص مع أخلاقيات هذا الموقع…..

مع بداية الأحداث في السويداء، هنا اريد أن أشير إلى نقطة مهمة لها علاقة بلعبة المصطلحات، الكثيرون يسمون مايحصل في السويداء حراكاً، هذه تسمية مضللة، فالحراك الشعبي عموماً وفي اللاوعي الجمعي على مستوى العالم أمر ايجابي، وتسمية مايحصل حراكاً هو حكم قطعي بايجابيته واحقيته، وهنا يكمن التضليل والتزييف، لذا وانطلاقاً من التقييم الموضوعي يحب تسمية مايحصل بالاحداث، والتي تحمل في طياتها كل المعاني….

قلت أعلاه أنه في بداية الأحداث هناك كتبت مقالاً أشدت فيه بموقف الشيخ حكمت الهجري، ولكن تبين أن ذاك الموقف لم يكن إلا خطوة في سلسلة خطوات كانت قد أعدت مسبقاـ…

أنا هنا عندما أتحدث عن حكمت الهجري ولا أتحدث عن العمامة، أنا أتكلم عن حامل العمامة، أي عمامة بالنسبة لي هي عمامة محترمة ومبجلة، ولكن اكرر جملة سبق وذكرتها مراراً ” إما أن تلبس كما تتكلم، أو تتكلم كما تلبس”، عندما يتحدث رحل الدين في السياسة يحق لنا آنذاك مناقشته في السياسية، علماً أن هذا ليس حقه، أقصد الحديث في السياسة، نحن نناقش رأيه السياسي، نحن لانناقش موقعه ولاحيثيته الدينية…..

كل ماقام به حكمت الهجري – و انا تقصدت هنا أن لا اقول الشيخ الهجري تبياناً لما قلته أعلاه – كل ماقام به منذ مقالي ذاك وحتى تاريخه أقوالاً و أفعالاً كان أخطاءً قارب بعضها الخطايا، لست افهم بعض تصرفاته، وليس هناك من مبرر إلا اثنين، إما أن الهجري قد أخطأ وتورط وماعاد يجرؤ على التراجع، وهذا قولاً واحداً ليس من العقل، لأن من مداميك العقل الاولى أن التراجع عن الخطأ فضيلة، أو أنه يعرف ماذا يفعل منذ اللحظة الاولى، وهنا تكمن الطامة الكبرى، ولأنه لاتجوز في القضايا الوطنية مقاربتها بلغة المجاملة وتبويس اللحى والتزويق، أخبروني ماهو التوصيف الحق لافعاله؟؟……

هل سبق وقراتم رواية فاوست؟؟…
ماذا يعني ذاك الاتصال الذي حصل بين الهجري وذاك المسؤول الأمريكي؟ هل يحتاج الهجري الكثير من العقل ليدرك أنه يضع يده في يد الشيطان؟ ام أنه أخذته البهرجة الإعلامية وتخيل نفسه نيلسون مانديلا؟!…..

تعود بنا ذاكرة الأيام إلى ذاكرة قريبة، هي بدايات هذه الحرب التي شنت على سوريا، لا أعتقد أن هناك شخصاً بعينه شكل سداً فكرياً ومعنوياً في وجه هذه الحرب، سوى السيد الرئيس، كما فعل فضيلة الشيخ الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي، ولولا الرجل لكانت حالنا أسوأ بكثير، شكل فكر ونهج الشهيد البوطي درعاً لايقل أهمية عن الدرع الذي شكله جنود وضباط الجيش العربي السوري….

الدين عامل اساسي، بل قد يكون العامل الأهم في صياغة الشخصية المشرقية، وتلعب المؤسسة الدينية دوراً محورياً في حياة أي بلد أو شعب في هذا المشرق، كان دور المؤسسة الدينية في سوريا حاسماً ومؤثراً في مواجهة هذه الحرب، وانا لا أبالغ إن قلت أن دورها لم يكن أقل أهمية من دور الجيش العربي السوري، مع فارق التضحيات، حيث أن ساحة المواجهة كانت الساحة الفكرية والثقافية…..

العمامة ليست حيثية دينية بحتة فحسب، بل هي التزام وطني واخلاقي، وهي ذات تأثير أبعد من غيرها بالمطلق، لذلك هي مسؤولية جسيمة جداً، هذا أثبتته الأحداث في السويداء، فأولئك المتظاهرين ليس لديهم قيادة مدنية أو مرجعية حزبية، إنما قد حاولوا الالتحاف بالغطاء الديني، وارغام المرجعية الدينية على تغطيتهم، وقد كان أغلب رجال الدين هناك مع المطالب المعيشية للمتظاهرين، كما هم أغلب السوريين، ولكن وبعد أن تم حرف الاعتصامات عن وجهتها، أو بالأحرى بان وجهها الحقيقي، انفضت أغلبية رجال الدين هناك عن تلك الاحتجاجات، ولنا في موقف سماحة شيخ العقل يوسف جربوع أبلغ مثال….

يستحق الشيخ يوسف جربوع أن يكون شيخاً للعقل، هذه صارت له مرتبة وليست رتبة فحسب، أنه استحق هذه المرتبة على المستوى الوطني ككل، وليست رتبة على مستوى الطائفة فقط….

يقال أن لكل إنسان نصيب من اسمه، اتمنى ان يعيد الشيخ حكمت الهجري قراءة اسمه، وان يتذكر أن خلف ذاك الاسم هو ذاك اللقب الكبير: شيخ العقل، وان يعي الشيخ الهجري أن الشيوخ تذهب وتأتي، ولكن وحده العقل يبقى دائماً، وأنه في لعبة الأمم لايوجد اصدقاء إنما ادوات فقط…..
(سيرياهوم نيوز 4)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أردوغان ضدّ “إسرائيل”… هل نصدّق؟

  نبيه البرجي   الدولة العضو في الأطلسي، والتي تستضيف على أرضها 50 قنبلة نووية، حتى بعد زوال الأمبراطورية السوفياتية، تشعر، الآن، أنها لا شيء، ...