- وليد شرارة
- الخميس 16 تموز 2020
نتنياهو أجّل الضم لكنه سيحاول المضيّ به
حدّة خطاب أقطاب إدارة دونالد ترامب حول القضايا الدولية، وتجاه الأعداء والأصدقاء على حد سواء، والغطرسة التي يعكسها، لا تحجب في الواقع حقيقة المأزق التي تجد نفسها فيه. رشيد الخالدي، المؤرخ والمفكر الفلسطيني، والأميركي المولد، لا يتردد في الحديث عن انهيار حقيقي لهذه الإدارة في مواجهة تحدّيات سياسية وصحية واقتصادية-اجتماعية لا تستطيع حيالها الشيء الكثير. في سياق كهذا، يقدم رئيس وزراء إسرائيلي، مأزوم هو الآخر، على خطوات تصعيدية ضد إيران انطلاقاً من اعتبارات تطغى عليها تلك المرتبطة بمصالحه السياسية الخاصة. ويبدو أن المصالح والحسابات الخاصة، وكذلك الأوضاع المتأزمة داخلياً، تتحكم إلى درجة كبيرة في طبيعة القرارات السياسية التي تتخذها الحكومتان الأميركية والإسرائيلية. للخالدي، الحائز «كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية المعاصرة» في جامعة كولومبيا، ومدير «مجلة الدراسات الفلسطينية» في الولايات المتحدة، مجموعة من الكتب المرجعية عن القضية الفلسطينية والسياسة الأميركية، وآخرها «حرب المئة عام على فلسطين. الاستعمار الاستيطاني والمقاومة».
الهجمات المتتالية التي وقعت ضد إيران تمثّل تصعيداً كبيراً، من المحتمل في حال استمراره أن يتدحرج نحو مواجهة مفتوحة. اللافت هو أن هذا التصعيد يتم في سياق أزمة أميركية داخلية متفاقمة لا سابق لها في العقود الماضية. لكن، يبدو أن الفريق القيّم على ملف إيران في إدارة دونالد ترامب ماض في مثل هذه السياسة تجاهها، بمعزل عمّا يجري في داخل بلاده. رشيد الخالدي مقتنع بأن «المبادرة إلى هذا التصعيد إسرائيلية أساساً، لأن الإدارة الأميركية في حالة انهيار بالمعنى الفعلي للكلمة، أكان في مواجهة احتمال سقوط الرئيس في الانتخابات المقبلة، أم أمام جائحة لا تتمكن من السيطرة عليها، وما يصاحبها من كارثة اقتصادية. يتمحور اهتمام الإدارة الأميركية اليوم حول هذه التحديات أكثر منه حول السياسة الخارجية. وحتى لو كانت القوات الأميركية هي من قام بالهجمات ضد إيران، فإنها تكون قد فعلت بتشجيع إسرائيلي. نتنياهو حالياً أمام تنامي حالة معارضة حادة داخلية، مرشحة للتوسع، مرتبطة إلى درجة كبيرة بانتشار الجائحة في إسرائيل وكيفية إدارته لمواجهتها، ومفاعيلها الاقتصادية الشديدة السلبية كذلك. عداؤه المسعور لإيران معروف، لكن الأسباب الداخلية المذكورة تدفعه أيضاً إلى التصعيد ضدها، مفترضاً أنه سيتحوّل إلى أولوية بالنسبة إلى رأيه العام، على حساب أيّ مشكلات أخرى. وهو يتوقّع أن أيّ ردّ إيراني سيكون قابلاً للاحتمال بناءً على تجارب سابقة كانت فيها الردود الإيرانية محدودة».
الأوضاع الداخلية المتدهورة في الولايات المتحدة، والمرشحة للمزيد من التدهور في الأشهر المقبلة، خاصة على المستوى الاقتصادي، تضعف حظوظ ترامب في الفوز بالانتخابات. «لو حصلت الانتخابات خلال الشهر الحالي، كان ترامب سيخسر الانتخابات بكل تأكيد، وكذلك الحزب الجمهوري الذي كان ليخسر مجلس الشيوخ ويواجه وضعاً شديد الصعوبة في مجلس النواب. الوضع الآن في غاية السوء بالنسبة إلى الرئيس وحزبه. ما زال يفصلنا عن الانتخابات حوالى ثلاثة أشهر، والبيت الأبيض بمن فيه في حالة ضياع، ويستعيض هذا الفريق عن غياب الرؤية الواضحة في المضي بنفس نهج التوتير الداخلي عبر السياسات القومية المتطرفة والمساهمة في بسط نفوذ القوى الدينية على المجتمع وإثارة الخلافات في الجسم السياسي الأميركي، ظناً منه أنها الاستراتيجية الأنجع للفوز في الانتخابات. ويخدم التصعيد مع إيران، تماماً كما التوجهات المتشددة الأخرى في السياسة الخارجية، هدف استقطاب القطاعات المتطرفة من الرأي العام الأميركي التي تؤيد استخدام القوة في العلاقات الدولية. لكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك تراجعاً ملحوظاً في الاهتمام بالوضع الدولي والسياسة الخارجية في الولايات المتحدة. لم أرَ تغطية جدية لما يجري في إيران في الصحافة ووسائل الإعلام الأميركية».
هناك تراجع ملحوظ في الاهتمام بالوضع الدولي والسياسة الخارجية في الولايات المتحدة
يراهن كثيرون، في منطقتنا وعبر العالم، على فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وعلى عودته إلى مقاربات باراك أوباما في السياسة الخارجية. ما مدى دقّة مثل هذه الرهانات؟ «هذا تقدير سليم للموقف بشكل عام. فكل إدارة جديدة تتشكل بعد الفوز في الانتخابات، تستعيد من الجامعات ومراكز الأبحاث الموظفين السابقين الذين عملوا مع إدارات من الحزب نفسه، الجمهوري أو الديموقراطي، في الماضي. في حال فوز بايدن، فإن من الواضح مثلاً أن مستشاره الأبرز، وهو طوني بلينكن، سيعيّن مستشاراً للأمن القومي أو وزيراً للخارجية».
رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريقه كانوا قد اعتبروا أن وجود ترامب في الرئاسة فرصة تاريخية لتسريع مسار الاستيلاء على ما أمكن من أراضي الضفة الغربية، لكنه لم يعلن المباشرة في ذلك في التاريخ الذي سبق أن حدده، وهو الأوّل من تموز الحالي. يؤكد الخالدي أن «عدّة عوامل أثّرت على قرار نتنياهو بتأجيل تسريع عملية الضم المستمرة منذ 1967. بين هذه العوامل ردّ فعل الأوروبيين الذي فاجأه. عامل آخر هو الخلاف داخل الإدارة الأميركية بين الأطراف المتحالفين مع اليمين المتطرف الإسرائيلي وبين أشخاص مثل جاريد كوشنر الذين يمنحون الأولوية للتطبيع الإسرائيلي مع الأنظمة الرجعية العربية. هو أجّل الضم، لكنّ أمامه نافذة فرص من الآن حتى 20 كانون الثاني/يناير المقبل، وهو تاريخ بداية ولاية المرشح الرئاسي المنتصر في الانتخابات ليعود لتنفيذه. نتنياهو مجبر على الضم نتيجة لوعوده لقاعدته الانتخابية ولبعض الأحزاب المشاركة في ائتلافه الحكومي».
لكن لهذا القرار انعكاسات سلبية على جهود الولايات المتحدة لبناء جبهة إسرائيلية-عربية بقيادتها ضد إيران وحلفائها: «طبعاً، ومقال يوسف العتيبة، سفير الإمارات في الولايات المتحدة، مؤشر على الإحراج الذي يمثّله هذا القرار بالنسبة إلى دولته وإلى السعودية ومصر. هذا الأمر هو أيضاً بين العوامل التي أثّرت على نتنياهو ودفعته إلى تأجيل الضم. قد يفضي تنفيذ الضم إلى عرقلة إنشاء الجبهة المشار إليها، وهذا ما يفسر موقف جاريد كوشنر الداعي إلى تأجيله وخلافه مع ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وأحد أكثر أنصار المستوطنين حماسة. هو والتيار الصهيوني واليميني المتطرف الذي يمثّل، يدعمون الضم، غير آبهين بتداعياته على التطبيع وعلى الجبهة العربية-الإسرائيلية المزمع إنشاؤها». لقرار الضم، وما سبقه من تماه بين حكومة نتنياهو واليمين الأميركي، ممثّلاً بترامب والتيارات المؤتلفة معه – وهو تماه لم تذهب إليه أي حكومة إسرائيلية في الماضي تجنباً لأن تعتبر منحازة إلى حزب أميركي ضد آخر – وقع لا يستهان به على قطاع معتبر من اليهود الأميركيين، بمن فيهم «الصهاينة الليبراليون». يقول الخالدي: «يمكننا الحديث عن نوع من الهبّة ضد نتنياهو في أوساط الجالية اليهودية وبين الصهاينة الليبراليين وداخل صفوف الحزب الديموقراطي، في قاعدته وحتى بين بعض قياداته. هؤلاء باتوا يعون الطبيعة العنصرية الأساسية للصهيونية وللحكومة الإسرائيلية. لقد أضحى هذا الواقع مكشوفاً لشرائح تزداد اتساعاً من الأميركيين، خاصة بعد ما شهدته الولايات المتحدة من احتجاجات على الجرائم العنصرية بحق المواطنين الأميركيين السود. وقد أدّت صلات نتنياهو الوثيقة مع ترامب وتماهيه الكامل مع مواقفه وسياساته إلى اتضاح حقيقة المشتركات الأيديولوجية والسياسية، وفي مقدمتها العنصرية والمنطق الاستعماري، بين الحكومتين الإسرائيلية والأميركية».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)