برع الشاعر سمير حماد في تشكيله اللغوي البصري الممزوج برؤية دلالية في نسيج النص الشعري لتتحول اللغة إلى صور مكثفة تميزت بالرمزية والإيحاء فهو ينتمي لواقعه وينهض من لغة الحلم ليشكل قصيدته الحداثية التي تجعله في تجديد وتجريب مستمرين، وكان له تجربة الكتابة القصصية للأطفال وله الكثير من الإصدارات الشعرية: الرحيل/غابة الحروف/حنجرة الرماد/زهرة المعنى/وقال اليمام/قصائد في مهب الحزن.. ومن إصداراته للأطفال:/ النورس الحزين/ بائعة الأزهار الصغيرة/الساحرة والملك.. وله الكثير من المقالات الأدبية والنقدية المنشورة بصحف عديدة ومن خلال هذا الحوار نتعرف إلى عوالم الشاعر سمير حماد الأدبية..
بدأت بالنهل من المراجع القديمة والحديثة ما رسخني في اللغة والأدب
* لماذا يكتب الشاعر سمير حماد ولمن ؟
سؤال مربك باعتراف كافة المهتمين بالكتابة.. لكنهم يكادون يجمعون على أنهم يكتبون في هذه الفترة الحرجة من التاريخ العربي لكائناتٍ غامضةِ الاتّجاه والمشاعر .. لا تعرف بماذا تفكر وبماذا تحس وبماذا تؤمن!! الكتابة في زمن الموت حياة وحفرٌ في المشاعر , ونقش على الصخر , وكتابة على الرمل، زمن المشاعر المتأججة بالكراهية , والنقمة , والغضب , والخوف.. كثيراً ما أشعر بالعجز , كيف ابدأ ؟ وبماذا سأُنهي ؟؟ مشاعر غامضة تجتاحني , شكلاً ومضموناً , طعمها مرّ , كمرارة هذا الواقع.. مشاعر مبهمة , لذيذة حيناً وقاسية أحياناً.. يتعذب القلم والحرف لإيجاد الطريق والتمكّن من الدخول إلى عالم الآخر الغامض , مغامرة مريعة , أن تحسب نفسك قد دخلت إلى مشاعر الآخرين وعقولهم وهل لديك من القدرة ما يؤهلك للدخول إلى عوالمهم الفكرية والعاطفية ..؟؟
الكاتب حي بقدر ما يستمر قلمه بالنطق وتستمر حروفه بالخفقان
هل لديك مخزون كافٍ من المفردات للدخول إلى عالمهم (الخوف, الحب, الحقد النفاق, الكذب، الدجل , الفرح, الألم، الحزن , البكاء , الراحة , الأمل , الوحدة , الكراهية , الموت , الحياة ) إنه القاموس الضروري لولوج عالم الكائن البشري ومشاعره.. وكم هو مرعب هذا الكائن , الذي يَقْتل لأتفه الأسباب , أو يُقْتل بلا سبب.. لكن ما أعظمه وأروعه حين يفكر بعقله ويحب بقلبه, لا ببندقيته.. دعونا نكتب حتى النهاية مفترضين وجود من يسمع , ويحسّ , ويتالّم , ويتأمل..الكاتب حيٌّ بقدر ما يستمر قلمه بالنطق وتستمرُّ حروفه بالخفقان .
* قراءة الإبداع على الشبكة العنكبوتية..هل عوضت حميمية الكتاب ؟
لا شيء يعوض حميمية الكتاب أبداً لكن ظروف الحياة وغلاء الكتب وفقدانها وندرتها جعلتنا نسعى إلى الفضاء الأزرق وننغمس في عالمه الثقافي, والكتب سواء العربية أو المترجمة متوفرة على الإنترنت والمهم الاختيار وعملية البحث وأكاد أقول بالنسبة لي إنها وفرت ما أعجز عن توفيره في المكتبات، ففي لمح البصر أستطيع العثور على ما أرغب من كتب أو معلومات عربية أو مترجمة وهذه نعمة وفرت علينا الكثير من الوقت والكثير من المال, هذا بالنسبة للجادين أدبياً وثقافياً، أما الناس العاديون فلهم ظروفهم وربما يقعون في مطب السطحية الثقافية والتضليل الثقافي والإيديولوجي والمعرفي والثقافة التافهة.. في عصر التفاهة الذي نعيشه تبقى مكتبة بيتي العامرة والأخيرة بالمعرفة هي الأساس والأكثر حميمية لي لكن بت الآن أهجرها إلى جديد الإنترنت الذي لا يتوقف سيل عطائه لحظة واحدة .
نقرأ في نقد الأعمال الفيسبوكية والشعراء الفيسبوكيين مجاملات تضليلية والمديح لأعمال ودواوين لا تستحق التوقف عندها
كيف تنظر إلى العلاقة بين القصيدة والنقد والإبداع عموماً؟
من المؤكد أنّ العمل الإبداعي يقوى بمواكبة النقد له ويضعف بقصور أو ضعف هذا النقد.. صحيح أن المبدع هو الناقد الأول لنصوصه لكن هذا لا يكفي بل وجود النقد المتمرس ضرورة ملحة للعمل الأدبي وللكاتب وللقصيدة خاصة, وهذا النقد قليل ولا يواكب الحالة الإبداعية مع الأسف وإن وجد فهو لا يقوم بدوره جيداً إذ تطغى المجاملات والإخوانيات والمواقف الفاترة المجاملة على العمل وتقتصر على مديح العمل والترويج له كما نقرأ في نقد الأعمال الفيسبوكية والشعراء الفيسبوكيين مجاملات تضليلية والمديح لأعمال ودواوين لا تستحق التوقف عندها، ومما يرثى له أن تجد كاتباً كبيراً أو مدعيًا للكتابة يمدح عملاً أو ديواناً ضعيفاً بأبلغ العبارات ويحلل ويؤول قصائد تافهة لا علاقة لها بالشعر جاعلاً منها عملاً إبداعياً لا يجارى وهذا ترويج للكتابة التافهة في عصر التفاهة بينما يتم غض النظر عن الأعمال الجادة المتميزة
هذه مسألة تدعو للتندر وتفضح سطحية النقد والناقد معًا.
* مجموعتك (حنجرة الرماد) ماذا تعني لك وما هي القصيدة الأقرب إلى روحك ؟
حنجرة الرماد هي العنوان المثير لكنه مدرستي في الحياة لم أقصد بهذا العنوان إلا عملية الخلق والانبعاث من جديد بعد موات واندحار أو اندثار
إنها حالة انبعاث الفينيق من رماده والبدء من جديد .
وأي إبداع لا يحمل هذا المفهوم أعني التجديد والخلق والخروج على المألوف والسائد لا يستحق اسم إبداع .
مكتبتي هي الأكثر حميمية لكن بتُّ الآن أهجرها إلى جديد الإنترنت
* كتابتك للطفولة واختيارك لقصص الأطفال بعيداً عن الشعر ماذا تحدثنا عن هذه التجربة ؟
كنت مغرماً منذ طفولتي بقراءة القصص للصغار بدءاً بقصص السندباد وليس انتهاء بكليلة ودمنة، بل قراءة كتب الأطفال المترجمة ودوريات الأطفال المشهورة.. وشرعت في الكتابة للأطفال, ولاسيما أنني كنت أدرس مادة أدب الأطفال في معهد المعلمين لسنوات طويلة كتبت ونشرت وطبعت أربع مجموعات قصصية, اقتنت بعضها وزارة التربية مشكورة وعممتها على مكتباتها كنت وما أزال مهتماً بالكتابة للأطفال ثقة مني بأنني أسهم في بناء الجيل الصاعد وأحاول مع غيري من الكتاب أن أوفر لهم زاداً معرفياً هاماً ونوسع آفاق الوعي لديهم.. إذ لا تقل الكتابة للصغار أهمية عن الكتابة للكبار بل اعدّها أهم وأخطر وأكثر صعوبة.. ولا أخفي سراً حين أقول إن الكتابة للطفل فقيرة في بلادنا وقليلة جداً والاهتمام بها مازال معدوماً تقريباً إذا ما قيست بالكتابة للكبار ولاسيما أنه في مجتمعنا تعتبر نسبة الأطفال فيه هي الأكبر بين الشرائح العمرية والاهتمام بهم يعني الاهتمام بالمستقبل.. ولدى الكثير من المجموعات للطباعة بانتظار الفرج المادي إن شاء الله.
الكتابة للطفل فقيرة في بلادنا وقليلة جداً والاهتمام بها مازال معدوماً تقريباً
*وأنت تكتب هل تفكر بالقارئ أم تأخذك مخيلتك
حسب الحالة التي تعيشها؟
القارئ الأول والناقد الأول والأهم لأي الكاتب هو نفسه.. ثم القارئ المتخيل بشرائحه المتعددة، وفي كل مرة أتخيل قارئاً يقرؤني ويناقش أو يعترض على مقولة هنا أو فكرة هناك أو صياغة لعبارة أو إيقاع لجملة شعرية أو صورة.. يناقشني حول منطق هنا أو لامنطق أو عبث في مقطع آخر , عن تناص هنا أو سرقة لا مقصودة هناك أو تأثر أو ضعف في عبارة أخرى، كل هذا يجري أمام الكتابة أو بعدها.. فالقارىء حاضر يطل برأسه ويتدخل يضيف ويحذف وهو الآمر الناهي.. أحياناً كثيرة يتمرد الكاتب ولا يصغي للقارئ الوهمي المتخيل ويضرب برأيه المنطقي عبر الحائط
فإذا بنا أمام حالة عبثية منفلتة يتوهم صاحبها أنه الإبداع الخارج على السائد والمألوف والمنطق، وبات هذا الصنف المتمرد من الإبداع دارجاً وله أنصاره من الكتاب والقراء .
* تكتب قصيدة النثر ماهي شروطها وأسسها ونحن نلاحظ انتشارها السريع.. ما رأيك بما يكتب على صفحات الإنترنيت ؟
ما دفعني لكتابة قصيدة النثر ليس جهلي بقصيدة العمود أو التفعيلة فهما ميدان اختصاصي ونشاطي التعليمي على مدى عقود لكنه إصراري على التخلي عن الأوزان والتحرر من القوافي واعتماد إيقاع الكلمة ولحنها وهذا هو الشرط الأساسي من شروط قصيدة النثر، أما الشرط الثاني فهو وحدة موضوع القصيدة وهويتها ووحدة الهدف مع التأكيد على الترابط والانسجام بين أجزائها من ناحية الشكل والمضمون والمعنى والأسلوب.. ومن أهم سمات قصيدة النثر أيضاً أنها قصيدة حرة خرجت على المألوف والسائد والموروث وتطلق العنان للشاعر للتعبير عن آرائه وتوجهاته بكل حرية.. ولا ننسى أن من أهم خصائص قصيدة النثر أيضاً البساطة والسهولة اللغوية والمرونة بعيداً عن التكلف والمحسنات المعقدة وتعقيدات البلاغية والوصول إلى أسلوب قريب من القلب والعقل كما أنها تميل إلى الإيجاز والاختصار بعيداً عن الكتابة المسهبة فهي غنية بعنصر التكثيف في الصور والعاطفة والنغمة الموسيقية.. هذه الأسس دفعت قصيدة النثر للانتشار السريع، لكن المشكلة أن من زجّ بنفسه في كتابتها والتجرؤ على تسمية نفسه شاعراً بغير حق مستسهلاً حالة التحرر من الضوابط الوزنية والقوافي ، لم يكن مسلحاً بالثقافة بما يكفي فهو لا يملك الثقافة الشعرية الموروثة ولا اللغوية ولا الاجتماعية ولا التاريخية ولا يفقه في الأساطير شيئاً فجاءت قصائده مهلهلة ضعيفة كأنها شعر مترجم أعرج بترجمة مشوهة.
من هنا يصدق قول القائل عن شعراء قصيدة النثر في الفضاء الأزرق (أرى شعراء كثيرين ولا أرى الشعر إلّا ما ندر ) مع الأسف..
سيرياهوم نيوز 2_تشرين