نبيه البرجي
لنلاحظ كيف أن السفير وليد بخاري، اضافة الى السفيرتين دوروثي شيا وآن غريو، يتفادون في هذه الأيام الظهور (الساطع) في الضوء. لا تتصوروا أنهم ينتظرون ما تأتي به مهمة جان ـ ايف لودريان، ولم تكن ولن تكون أكثر من فقاعة ديبلوماسية، ليوحي لنا الرئيس ايمانويل ماكرون بأن الدور الفرنسي في لبنان وحيال لبنان لا يزال على ألقه السابق.
ولكن من قال ان فرنسا ايمانويل ماكرون هي فرنسا شارل ديغول، أو فرنسا فرنسوا ميتران، أو حتى فرنسا جاك شيراك ؟ السياسات الملتبسة للرجل الآتي من عالم آل روتشيلد، ومن ثقافة آل روتشيلد أهانت فرنسا، وأدت الى تقويض ما تبقى من الدور الفرنسي. لا يليق ببلد القامات الفذة أن يكون القهرمانة في البلاط الأميركي.
كيف لماكرون أن يكون له دور في لبنان، وتحديداً في اختيار رئيس للجمهورية، حين يدفع بعلاقاته مع كل من سوريا وايران الى ذروة التوتر، حتى أن هاتين الدولتين، ولعلمكم، تعتبران أن ترشيحه لسليمان فرنجية ليس أكثر من مناورة ساذجة لاحراقه…
الى الآن، الرئاسة اللبنانية خارج الأجندة الأميركية، حتى ليتردد أن ادارة جو بايدن تريد للبنان أن يمضي أكثر فأكثر قي التآكل أو في التحلل وحتى في الفوضى، الى الحد الذي يمكنها معه التدخل لاعادة صياغة المسار الاستراتيجي للبلاد، بالصورة التي تتماهى مع رؤية ومع مصالح «تل أبيب».
ولكن أين هي «اسرائيل» اليوم، حين تدخل أكثر فأكثر في الهيستيريا الدموية، دون أن تدرك حتى الآن أن ما من قوة في العالم وفي التاريخ، تستطيع اجتثاث الشعب الفلسطيني أو الغاءه.
بالمناسبة، متى كانت القيادات «الاسرائيلية» ترى في العرب (أجمعين) أناساً للحياة ؟ الجنرال رفاييل ايتان القائل «العربي الجيد هو العربي الميت»، رأى فينا، كما الحاخام مئير كاهانا، كائنات داروينية تدور داخل الحلقة المفقودة في نظرية الفيلسوف الانكليزي (النشوء والارتقاء)!
لا كلمة أيضاً من قصر اليمامة. هناك أولويات للمملكة، وكيف تصبح دولة عظمى في المنطقة من خلال التنمية البشرية والاقتصادية، مع الولوج المنهجي الى ثقافة القرن، وصولاً الى المشكلة اليمنية، التي تقول مصادر ديبلوماسية خليجية انها لم تعد مشكلة سعودية ـ ايرانية فحسب. هناك عناصر أخرى متعددة ومعقدة دخلت على الأزمة، وقد تحتاج الى وقت طويل لتفكيكها.
في هذه الحال، مَن هي الجهة أو الجهات، التي تنشط للحد من ديناميكية التحديث في المملكة؟ كذلك الحد من ايقاع التفاهم، بأبعاده الجيوسياسية والاستراتيجية، بين الرياض وطهران ؟ السعوديون يعلمون حتماً مَن هي تلك الجهات، لكن اللعبة تقتضي الكثير من الحنكة ومن الحكمة، مع ادراك دقة وخطورة الصراعات الدولية الراهنة.
لا مجال في الوقت الحاضر، على الأقل، لكي تفرض الأصابع الغليظة مَن يكون ريس جمهوريتنا ( الخوف من أن يكون رئيس التصفية). أما الداخل فقد تحوّل الى برج بابل. العيون الحمراء والصفراء تتربص ببعضها البعض. جورج مالبرونو تحدث الى احدى الشاشات عن «رقصة الغربان» في لبنان. الكل ينهش في تلك الجثة. واقعاً، انهم يهنشون في جثثنا جميعاً دون استثناء.
بعد أقل من شهر لا حاكم لمصرف لبنان. وبعد أقل من عام لا قائد للجيش. هناك من يراهن أو من يسعى، لتمديد الأزمة لحين خروج العماد جوزف عون من اليرزة. هذا القول ليس من عندنا، بل من مرجعية لها وزنها.
من يتأمل في خلفيات التراشق بين الأفرقاء على اختلاف توجهاتهم وخلفياتهم، يدرك أن أزمة الجمهورية لم تعد محصورة في الفراغ الرئاسي. ثمة محاولات مبرمجة لتفريغ الجمهورية من المفاهيم السياسية والدستورية، وحتى المفاهيم الفلسفية للدولة.
تريدون أن تعرفوا السيناريو الذي يراهن عليه البعض، لاحظوا الالتفاف للفلفة حادثة القرنة السوداء بكل ملابساتها. هؤلاء يريدون للحادثة أن تكون في مكان آخر. في هذا المكان الانفجار أو التفجير، وحسبما يظنون، يشق الطريق الى لبنان الآخر…
حقاً… رقصة الغربان فوق جثثنا !!
(سيرياهوم نيوز4-الديار)